آخر تحديث :الخميس-21 أغسطس 2025-12:18ص

صباح الحرف (توثيق النصر السعودي)

الأربعاء - 09 ديسمبر 2015 - الساعة 01:37 م
محمد اليامي

بقلم: محمد اليامي
- ارشيف الكاتب


تحلق المشاهدون السعوديون والعرب إجمالاً أمام شاشات التلفزيون يشاهدون تفاصيل معركة السعودية حكومة وشعباً ضد تنظيم القاعدة الإرهابي، التفاصيل التي كشفتها قناة «العربية» في ثلاثة أفلام وثائقية حصرية، كانت بالنسبة إلى القناة وفريقها «ضربة معلم»، وبالنسبة إلى المشاهدين هي «إضاءات» على خفايا وتفاصيل العبث الإجرامي، والخلل الفكري، والشرخ النفسي لأعضاء وقادة ذلك التنظيم الذي هزمته السعودية.

 

 

لم يكن الجديد أن وزارة الداخلية السعودية تعمل بالفعل في شكل يشيع الشعور بالأمن: مهنية عالية، واهتمام بالنوع، ومورد بشري منتقى ومؤهل، وقيادة تفوّض الصلاحيات، وتستمع كثيراً وعميقاً، وعمل في صمت حتى لحظة إعلان المنجز، وليس «المتوقع» و«المؤمل». كان الجديد تلك التفاصيل عن مرض عقول تلك الفئة، وخبث نواياها، وهشاشة المرتكز الفكري لها.

 

 

القراءة المهنية لهذه الأفلام تحتم القول إنها ترصد وتؤسس لقواعد معلومات مهمة في مكافحة الإرهاب على المدى البعيد، معلومات عن أساليب وخطط وثغرات أتاحت غسل الأدمغة، وتدريب الأجساد، وما يمكنني تسميته «تحييد الأرواح». وجاء تعاون «الداخلية السعودية» مع القناة بمدها ببعض التسجيلات بمثابة ثقافة جديدة تتمثل في كشف وثائق وحقائق بعد انتهاء حساسيتها الأمنية، وإقفال كثير من الملفات، وهنا نقطة شفافية تحسب لـ «الداخلية» وربما تؤسس لثقافة كشف الوثائق والمعلومات السرية بعد كل فترة زمنية لإطلاع الشعب على معلومات تاريخية في بعض الملفات. خصوصاً أن الأمن السعودي، والسياسة السعودية يحققان نجاحات مشهودة دائماً.

 

 

هذا الحضور للإعلام المرئي من خلال قناة «العربية» يثير السؤال عن حضور وسائل التوثيق الأخرى، فما رأيناه هو مادة خام شبه جاهزة لأعمال درامية وسينمائية ومسرحية يمكنها أن تظل خالدة في ذهن المتلقي، وفي مكتبات التلفزيونات، والأهم أنها يمكن أن تكون أداة في مكافحة الإرهاب فكراً وعملاً.

 

 

كشفت هذه السلسلة تغليب ثقافة الموت الذي نعرف أنه مجاني، لكن المؤدلجين أو المغرر بهم لا يعرفون. ونحن ومعنا العالم نواجه تنظيمات أخرى نحتاج في محاربتها عملياً وفكرياً إلى تغليب ثقافة الحياة والتحضر والاستمتاع الحلال، وكل ما يعزز «الإنسان» في دواخل الشباب، وعلى الثقافة والإعلام والدراما والفنون البحث الحقيقي والجاد عن أفكار إبداعية، ونعزز «الإنسان» داخلهم.

 

 

أعرف أن السينما قطاع هشّ لدينا، وأن الدراما باتت موسمية، والمسرح يشتكي ويئن، لكن استعادتها ليست مستحيلة لأن الثقافة والفن يشخّصان بعض أحوالنا الفكرية، وهما بلا شك يعاونان إذا تحققت الجودة والجاذبية، في مكافحة الإرهاب، الذي رأينا كيف أنه صنع ثقافته ونشرها.

 

 

ربما تملك قناة «العربية» مساحة تحرّك أحسنت استخدامها، مساحة تفتقدها القنوات الحكومية في معظم أنحاء العالم العربي، وربما سيكون من محددات انطلاق الثقافة والفنون بأنواعها هو إلغاء الإشراف الحكومي عليها لتتخلص من ضعف الموارد المادية والبشرية، وتتحرك برشاقة أكثر من دون قيود بيروقراطية.

 

 

شاهدنا تفاصيل معركة انتهت بانتصار الحق والحياة على باطل وجهل تنظيم معين، لكن الباطل والجهل والإرهاب اليوم له اسم جديد، ولنا معه معركة مستمرة، ربما ينبغي أن نزيد وننوّع في أسلحتنا الفكرية، كما يفعل العدو.