عندما سمعنا دفن الجنوب تاريخيا ودستوريا على لسان محمد غالب احمد تأكدنا أننا لم نكن مخطئين عندما قلنا ان الاشتراكي ليس مولودا من اب جنوبي ولا ام جنوبية الاشتراكي جاء من دائرة استخباراتية لم تعمل لصالح الجنوب يومآ واحدا بل عملت لصالح دول اجنبية واقليمية، وهذه الدائرة جاءت من رحم تعزي لا يحمل الهوية الجنوبية.
وفي هذا السياق لا بد لنا ما نبين فعل هذه الدائرة وما قدمت للجنوب وما انجزت لدول العمالة والأجنبية والإقليمية، تمكنت هذه الدائرة من السيطرة على بعض العقول الجنوبية من ذوي النوايا الحسنة من قبل الاستقلال، وبحكم هذا تمكنوا من المشاركة في صيغة بيان الاستقلال الذي بموجبه تم حذف واسقاط اسم بلدنا الجنوب العربي وابدلوه بيمننة كنا بغنى عنها.
وكذا تم اقناع من عارضوهم بأسلوب خاص صوروا لهم حلاوة مستقبل هذا البلد تحت مسمى جمهورية اليمن الجنوبية الشعبية وهذا الاسم ما هو الا تمهيدي كخطوة أولى على خارطة طريق كانت قد رسمتها لهم الدولة التي هي مصدر الاستخبارات التي لا يهمها من اليمن الا تحقيق اهدافها.
خارطة الطريق من شانها ان توصل الى تنظيم سياسي للجبهة القومية ومن ثم الى جمهورية اليمن الدمقراطية الشعبية وكدا توصل الى حزب طلائعي من طراز جديد وبعده الى حزب اشتراكي يمني، وهذه المراحل والمسميات هي طريق مروا عبرها رموز هذه الدائرة وهم يحملون نعش الجنوب الى مقبرة خزيمة بصنعاء.
ولو عدنا الى الوراء لوجدنا ان هذه الدائرة قد بدأت تنخر في جسم الجنوب من اليوم الاول للاستقلال وكل من كان عندهم بعد نظر او يتمتعون بمدارك عقلية نادرة ابدوا استياءهم واستغرابهم من لحظة استماع بيان الاستقلال في يوم 30نوفمبر 67 وانا في الحاديه عشر من عمري وكنت امشي برفقة صديق والدي والناس جميعهم يتبادلون التهاني في كل شارع..
كان يوم فرح كبير وفجأة اختلف الوضع عندما تقابل صديق والدي بصديقه الهندي مدير شركة لاندروفر قال مدير الشركة لصديق والدي: هل سمعت بيان الاستقلال؟ قال: نعم، قال: اهبل استقلال على وجه الارض، صديق والدي يقول: لأنك هندي ما تفهم حاجة قال الهندي: ادع ربك لا عاد تعقب كوارث مثل هذه الكارثة، صديق والدي يقول: استقلال بلد تحسبه كارثة؟ الهندي: تغير اسم البلد لصالح من هذا لا يخدم الجنوب وهذا ينذر بتوجه خطير وبالتالي لا يعود بخير على الجنوب، لكن والله بيندمون وكررها ثلاثا (بيندمون)
وقال: لو ربي أطال عمري وعمرك بتشوف الحسرة والندم على وجه كل جنوبي! صديق والدي للهندي: لماذا يحترق قلبك في يوم عمت الفرحة قلوب كل الناس؟ الهندي: يا صديقي نحن في نعمة انا كنت في دبي قبل شهرين وجميعهم ساكنين عشش والطبقة الراقية منهم ساكنين صنادق ولا يوجد بيت واحد في دبي الا بيت الامير الدور الارضي من طين والدور الثاني بردين، ونحن هنا في عدن ينظر الينا العالم ويرانا من ارقى الامم وانا خائف لا يكون هذا اليوم بداية لزوال نعمة الجنوب لأنه لو حصل أي توجه كما اظن فلا يمكن ان يجدوا أي بديل سوى اغلاق ابواب النعمة وفتح ابواب الفقر!! صديق والدي يقول: قبحك الله يا هذا الهندي والله ان الدنيا بأمان ولا يوجد خطر الا على صداقتي معك، الهندي: يا أخي يا يمني انا انصحك ان تعرض نفسك على طبيب لان عندك قصر نظر شديد. كلام الصديقين انتهى.
وانا بحكم صغر سني لم أع شيئا مما يقولون وبعد سنين بدأ الخطر يقترب من الرئيس سالم ربيع بخطة تآمرية حاكتها وحبكتها هذه الدائرة الاستخباراتية المحمية والمحصنة بجيوش يافع وردفان والضالع، وعندما سقط نظام سالم ربيع انا كنت في السعودية اقترب مني شخص يدعى عبدالرحمن آل الشيخ قال لي: سقط رئيسكم واعدموه مباشرة وحدثني حديث طويل أعاد ذاكرتي الى30نوفمبر67 وتذكرت ما دار في هذا اليوم بين صديق والدي ومدير شركة لاند روفر في عدن كما ذكرنا آنفا وآل الشيخ قال لي: انا كنت يوما في مكتب الامير فهد ابن عبدالعزيز وهو وزير للمعارف تفاجأت بدخول عدد من اصحاب رؤوس الاموال المطرودة من الجنوب واندهشت من حفاوة الاستقبال الذي قام به الامير
وقال: انتم ليس في بلدكم الثاني بل انتم في بلدكم الاصل، وأضاف الامير يقول: انا سوف اؤكد لكم ان الذين يطردون رؤوس الاموال والتجارة من بلدهم لا خير فيهم لبلدهم ولا خير فيهم لأنفسهم؛ لانهم حقيقة لا يدركون ان المال والتجارة هما الحلقة الاولى في سلسة البناء والتقدم.. انا قلت له: يا شيخ هل استفادت المملكة من رؤوس الاموال التي وصلت اليها من الجنوب، قال: انا لن اكون مبالغا اذا قلت ان الله أغاثنا في وقت كانت المملكة تعاني من عجز اذا ما قامت بمشاريع البنى التحتية. تذكرت عندما قال الهندي لصديق والدي: ادع ربك لا تعقب هذه الكارثة كوارث اخرى تذكرت كلام الهندي ووجدت انه عقب تغير اسم الجنوب طرد التجارة العالمية والدولية من عدن لصالح دول الخليج وبعده اغلق ميناء عدن في وجه تجارة العالم لصالح دبي، ومن ثم طرد راس المال الوطني لصالح السعودية، ولو ناضل السعوديون والخليجيون عمرهم كله لا يمكن ينالوا جزءا من واحد بالمئة.
ولكن هذه الدائرة الاستخباراتية حققت لهم اكبر المنجزات واعظمها ومن الجانب الاخر وأطلعوا ميناء عدن وجميع شواطئنا وجزرنا تحت خدمة دول المنظومة الاشتراكية مدة 35 عاما مجانا بعد ما فعلو هذا واجهتهم ازمه بـ اربعه مليون دولار ولم يجدولها حلا سوى تأميم المساكن وتخفيض الرواتب وهذا الحل الحق ضررا كبيرا في الوطن لايزال يعاني منه حتى الآن.
شرحت للقراء والجيل الجديد شيئا يسيرا مما فعلت هذه الدائرة الاستخبارية في الجنوب وما خفي كان اعظم، ولكن الحقيقة نستبشر خيرا.. فقد جمعتنا ظروف ببعض الرجال الذي كانوا رموزا كبيرة في الاشتراكي والله انهم يخجلون ويستحون عندما نذكر لهم ماضيهم الاليم، واذا دار حديث بينك وبين احد منهم تحس انه يشعر بالندم حيال ما حصل للوطن في مرحلهم السابقة، وهؤلاء الرجال حقيقة يختلفون عن البعض الآخر ممن يدعون مجرد ادعاء انهم يحملون القضية الجنوبية متل محمد غالب احمد الذي صف نفسه بالصفوف الاولى بينما شعب الجنوب يعرف تماما من يحمل قضيته ومن الذي يحمل نعشه، ومن قالوا انهم دفنوا جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية دستوريا وتاريخيا هم الذين حملوا نعش الجنوب والذين كان قصدهم ان مهمتهم الاستخباراتية قد انتهت في 94. وان من تبقى من الجنوبيين سيدفنون تحت الارض او يرمى بهم الى البحر، ولكن عناية الله حالت دون ذلك، وعلى كذا نحن وجميع الرجال الذي يحملون القضية الجنوبية بصدق وامانة في كل ساحات الجنوب قلنا: لا عودة للاشتراكي الى الجنوب.