آخر تحديث :الثلاثاء-06 مايو 2025-02:29ص

الدلالات السياسية للصيام في الاسلام

الإثنين - 19 أبريل 2021 - الساعة 03:30 ص
أمذيب صالح احمد

بقلم: أمذيب صالح احمد
- ارشيف الكاتب


 

 

أمذيب صالح أحمد

 

الصيام ركن اساسي من اركان الاسلام وحق من حقوق الله وجزء من العبادة التوحيدية وقد جعل الله له مقاصد جمه. فالمسلم فرض عليه في الصيام خلال شهر كامل هو رمضان ان يمتنع عن الاكل والشرب والجماع وكبت شهواته والسيطرة على رغباته المنكورة ونزغاته الشيطانية.

ولما كان الامتناع عن الاكل والشرب يستغرق النهار كله, اي مايقرب من اثنتي عشرة ساعةً في اليوم فان شدة الاحساس والمعاناة بالجوع والعطش والصبر عليهما طوال ايام شهر رمضان الذي يتساوى فيه اولوا الامر والاغنياء والميسورين والفقراء والمساكين واليتامى وابناء السبيل يذكر الصائمين ، ويذكر المسلمين بمشكلة الجوع والجياع من الفقراء والمساكين والمحتاجين من العجزة وأولي الضرر وأبناء السبيل وغيرهم. وقد بينت اوامر الله وتعاليمه ان صرف الصدقات والزكاة وتحريم الربا والشح والبخل وتحريم حبس المال واكتنازه وضرورة الانفاق ووجوبه في سبيل الله هي الوسائل المثلى لحل مشاكل الفقر بالطرق الانسانية المناسبة لكل عصر حسب ظروف الزمان والمكان من اجل بناء دولة اسلامية تتكافل اخلاقيا واجتماعيا في كل الاوقات وعلى كافة المستويات الانسانية. فالامر بالانفاق على الفقراء لم يلازم سوى فريضة الصيام حينما أمر المسلمون بأداء زكاة الفطر التي تجب على كل فرد في المجتمع المسلم سواء كان صغيرا أم كبيرا أو سواء كان فردا من الاسرة أو فردا من الحاشية التي يتكفل بها رب الاسرة وعلى أن يكون انفاقها خلال شهر رمضان المبارك ان أمكن مما يدل على العلاقة الوثيقة بين الاحساس بالجوع والحرمان وايقاظ المشاعر الانسانية لمعالجة امور الجياع والمحرومين.

فمن اعظم المقاصد الكبرى للشريعة الانسانية الاسلامية هو محاربة الفقر والقضاء عليه بكل الوسائل والطرق الشرعية, فالشريعة الاسلامية لاتقبل الترف المفسد أو الاستغلال ولاتقبل الاسراف او البخل او الشح او اكتناز المال وحبسه, بل تأمر بالانفاق والاقتصاد وفعل الخيرات والاعمال الصالحة لمنفعة المحرومين من الفقراء والمستضعفين في اطار من التعاضد الاخلاقي والتكافل الاجتماعي حتى ان المفكر الاسلامي مصطفى السباعي أصدر كتابا في اواخر خمسينيات القرن العشرين بعد قيام الوحدة المصرية السورية عن التكافل الاجتماعي بعنوان "اشتراكية الاسلام" منافسا بها دعاوى الاشتراكية الاوربية من ماركسية وخلافها غير ان اساليب الاسلام للمشاركة في الثروة والعيش تختلف جذريا عن أساليب الاشتراكية المادية المعاصرة التي جاء بها الغرب العلماني. ومع هذا فإن المترفين والمستكبرين الغربيين ومواليهم الذين يؤمنون بفلسفة المنفعة الفردية والجشع المادي والترف المفسد أظهروا صراحة أن عدوهم الرئيسي بعد سقوط الاتحاد السوفيتي وماركسيته المادية هو الاسلام الذي تقوم فلسفته الالهية على التكافل الاجتماعي الرافض للفقر والظلم الاجتماعي والاستغلال. وبعد أن عاثوا فسادا وتدميرا في البلدان الاسلامية على مدى عقدين من الزمان ظهر لهم المارد الصيني رافعا لواء التكافل الاجتماعي في محاربة الفقر والحرمان وموسعا مشاركة الشعب الصيني في الثروة العامة وهو الامر الذي لا تقبله الرأسمالية المترفه للغرب الامريكي الاوربي فأعلنت الحرب على الصين متذرعه بذرائع شتى بعد أن تيقنت من خنوع المسلمين بالسير بمذلة في ركاب الرأسمالية المترفه الجشعه.

العلاقة بين التقوى والاحسان بالانفاق

فرض الله الصيام على المسلمين بقوله تعالى: " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ" (183) البقرة فالهدف الاساسي للصيام هو التقوى. ان التقوى في القران لها معان كثيرة سامية وخيرة تدل على الايمان والصلاح والاحسان والعدل والصدق والصبر وغيرها كما تدل على اتقاء الشرور وفعل الخيرات, كما ان اهل الجنه من المتقين. فالتقوى المتعلقة بشهر رمضان نابعة اساسا من الاحسان بالانفاق بل ان اتقى الناس عند الله هو من يشارك الناس في ماله, فالله يقول في بعض الايات التي تصف المتقين مايلي:

 

ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ (2) الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ (3) البقرة

 

وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آَمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآَتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآَتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ (177) البقرة

 

الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (134) ال عمران

 

إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (15) آَخِذِينَ مَا آَتَاهُمْ رَبُّهُمْ إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُحْسِنِينَ (16) الذاريات

 

إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (15) آَخِذِينَ مَا آَتَاهُمْ رَبُّهُمْ إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُحْسِنِينَ (16) كَانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ (17) وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ (18) وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ (19) الذاريات

 

إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ (128) النحل

 

فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ وَاسْمَعُوا وَأَطِيعُوا وَأَنْفِقُوا خَيْرًا لِأَنْفُسِكُمْ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (16) إِنْ تُقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا يُضَاعِفْهُ لَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ شَكُورٌ حَلِيمٌ (17) التغابن

 

فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى (5) وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى (6) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى (7) الليل

 

وَسَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى (17) الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى (18) الليل

 

إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي ظِلَالٍ وَعُيُونٍ (41) وَفَوَاكِهَ مِمَّا يَشْتَهُونَ (42) كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (43) إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (44) المرسلات

 

وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ (33) لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ ذَلِكَ جَزَاءُ الْمُحْسِنِينَ (34) الزمر

 

 

 

المنهج الاسلامي لمعالجة الفقر والحرمان

ان الاسلام قد وضع منهجا منظما لمعالجة الفقر والحرمان في المجتمع الاسلامي يتكون من عدة مبادىء وقواعد بحيث يكون تفسيرها وتطويرها وتحديثها في كل عصر حسب ظروف الزمان والمكان, وهذه المبادىء هي:

اولا: تقرير الملكية العامة للمال (الثروة) في المجتمع - ثانيا: تقرير تداول المال (الثروة) في المجتمع وعدم احتكاره - ثالثا: تقرير مضار ومفاسد احتكار المال (الثروة) واكتنازه وحبسه -رابعا: تحديد المستحقين للتكافل الاجتماعي من الفقراء والمحرومين - خامسا: تحديد مصادر وطرق تمويل التكافل الاجتماعي.

 

اولا: تقرير الملكية العامة للمال (الثروة) في المجتمع

يعتبر الاسلام أن المال (الثروة الخاصة والعامة) هي ملكية الله أي ملكية عامة للناس لأن الله أستخلف أبناء ادم في الارض لاستغلالها واستعمارها .ان الله خلق الارض بما فيها وماعليها من ثروات ومخلوقات, والانسان مخلوق من مخلوقات الله غير أنه اختار الانسان واستخلفه على الارض ليستغلها ويستثمرها ويستعمرها. فالملكيه العامه للمال تستمد شرعيتها من ملكية الله للكون والارض وثرواتها التي خلقها. فالانسان يولد مفلسا ويموت مفلسا ان كان صالحا ومفلسا ومبلسا ان كان فاسدا. فالله يقول في القران الكريم:

 

وَآَتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آَتَاكُمْ – النور (24/33)

آَمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ – الحديد (7/57)

وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُمْ مَا خَوَّلْنَاكُمْ وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ – الانعام (6/94)

ثانيا: تقرير تداول المال (الثروة العامة والخاصة) في المجتمع وعدم احتكاره

ان استخلاف الانسان على الارض لاستعمارها واستغلال ثرواتها يختلف بين الناس حسب قدراتهم وامكانياتهم وظروفهم وبيئاتهم الاجتماعية والطبيعيه في طرق كسب العيش والرزق والحصول على الثروة, فمنهم من يغتني كثيرا ومنهم من يغتني قليلا ومنهم من يسد رمقه ومنهم من لا يحصل على حاجاته الاساسية ومنهم من يفقر ومنهم من يحرم من أبسط حاجات الحياة. ان الله قد كفل لكل دابة على الارض رزقها فكيف به لا يكفل رزق كل انسان مادام قد كرمه على بقية المخلوقات وجعله خليفته في الأرض ومسؤولا عن تعميرها. ولذلك أمر بالمشاركة بين الناس في المال (الثروة) لكي لا يكون المال محتكرا بين الأغنياء مادام هو الله مالكه لما في اختكار المال وكنزه من الأضرار الكبيرة والمفاسد العظيمة على المجتمع الاسلامي التي سنبينها لاحقا, يقول الله في محكم كتابه:

وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ – الذاريات (01/19)

وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ (24) لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ (25) - المعارج (70/ 24-25)

مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ مِنْكُمْ وَمَا آَتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (7) لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ – سورة الحشر (59/7-8)

ثالثا: مضار ومفاسد احتكار المال واكتنازه (الثروة) وعدم توزيعه على المجتمع الانساني

ذكر الله في القران العظيم ثلاثه عشرة مفسدة ومضره لاحتكار المال والثروة وعدم توزيعها ومشاركتها بين الناس, وقد اطلع على القران كثير من الفلاسفة الاوربيين ومن بينهم كارل ماركس الذي تأثر بالافكار القرانية غير ان فكره المادي حول الافكار الاسلامية الى افكار مادية حسب ظروف المجتمع الصناعي الاوربي. فمصطلح "الفقراء والمحرومين" أصبح عنده "طبقة البروليتاليا" ومصطلح "المترفين الفاسدين" أصبح "الطبقة البرجوازية" ونظرية "التدافع الاسلامي" للصراع بين الحق والباطلأصبحت لديه "الصراع الطبقي" أما مضار ومفاسد احتكار الثروة في الاسلام فقد أصبحت لديه "قهر واستغلال الطبقة العاملة". ولذلك فان المشاركة الانسانية في الثروة والمال التي أمر بها الاسلام بالطرق الانسانية قد تحولت لدى الغرب الى اشتراكية ماديه تقوم على الصراع الطبقي وهو ما تبنته يعض الاحزاب والحكومات في البلاد العربية بسبب علمانيتها الدنيوية ومعاداتها للاسلام فبائت بالفشل والخسران.

ان مضار ومفاسد احتكار الثروة والمال التي جاءت في القران تتفاوت في انطباقها على محتكري المال من ناحية شموليتها ومن ناحية شدتها قوة وضعفا ومن ناحية تجانسها وتناقضها ولكن الله أراد أن يبين ان المحتكر لن يسلم من أدران بعضها حسب أخلاقه واحواله الاجتماعية وهذه المضار والمفاسد هي كالتالي:

1- النزوع الى السلطة والتسلط

ان احتكار المال لدى الاقلية في المجتمع يشعر البعض منهم بالقوة والميل نحو السلطة والتسلط والسيطرة على الحكم, وقد أثبت التاريخ ان الطبقة الرأسمالية المترفه في الغرب الاوربي والامريكي تسيطر على شؤون الدولة وتوجهها الى سياسيا واقتصاديا واجتماعيا نحو مصالحها ومنافعها الاقتصادية على المستويين المحلي والدولي فنتجت عن ذلك السياسات الاستعمارية " الاستخرابية" والهيمنة الدولية في أنحاء العالم والعولمة التجارية للشركات الكبيرة. يقول الله: (وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ اللَّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكًا قَالُوا أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِنَ الْمَالِ – البقرة (2/247))

2- الميل الى الطغيان:

يميل بعض الحكام بعد استيلائهم على مقومات الدولة المادية والمالية بالتفرد بالحكم والاستغناء عن مشورة الاخرين فيجمع سلطات الدولة المختلفة من تشريعية وقضائية وتنفيذية مركزيا بين يديه ويستبد بكل الامور ويبطش بكل من يعارض حكمه. كما أن الدول الغنيه تطغى على الدول الفقيرة كما نرى اليوم فأغنى دولة في العالم تمارس الاستبداد والسيطرة على كثير من الدول الاخرى. يقول الله تعالى: (كَلَّا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى (6) أَنْ رَآَهُ اسْتَغْنَى – العلق (96/6-7))

 

3- أكل الاموال بالباطل:

بعض أصحاب المال يستخدمون أموالهم في معاملاتهم وعلاقاتهم كرشوة لتحقيق مصالحهم في مجالات القضاء أو لدى أجهزة الدولة المختلفة أو أهل النفوذ السياسي والاجتماعي على حساب تعطيل مصالح أشخاص اخرين أو على حساب مصالح جهاد عامة بالاثم والعدوان. يقول الله تعالى: (وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقًا مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْإِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ – البقرة (2/188))

4- ايتاء الباطل بالربا:

اذا كان ربا الجاهلية يؤدي الى افقار المدين وافلاسه وبيع املاكه أ وبيع عرضه واستعباده احيانا مقابل سداد قرضه الربوي فان الربا المعاصر يكمن في الشروط المجحفه بين الاطراف سواء ما بين الافراد او المؤسسات او البنوك او الدول التي تجلب على أحد اطرافها ظلما او باطلا اواستغلالا. فبيع الممتلكات العامة الاستراتيجية وبيع السيادة والكرامه وسياسات الافقار والبطالة وسياسات تقوية المصالح الخاصة والفردية على حساب المصالح العامة والجماعية هي من نتائج المعاملات الاقتصادية الربوية وهو مايجري اليوم للدول الضعيفة على المستوى الدولي حين تفرض عليها شروط جائرة من الجهات الدائمة تمس سياساتها ومصالحها وسيادتها وحياة شعوبها. يقول الله تعالى: (وَمَا آَتَيْتُمْ مِنْ رِبًا لِيَرْبُوَ فِي أَمْوَالِ النَّاسِ فَلَا يَرْبُو عِنْدَ اللَّهِ وَمَا آَتَيْتُمْ مِنْ زَكَاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُضْعِفُونَ – الروم (30/39))

5- الصد عن سبيل الله:

ان الذين لايؤمنون بالاسلام نظاما ومنهجا للحياة من أصحاب الاموال الكبيرة يقومون بالانفاق الواسع على محاربة الاسلام وقد فعل ذلك كفار قريش في بداية الاسلام ثم فعلها الصليبيون بعد ذلك بعدة قرون, واليوم تفعلها الدول الاستعمارية الاوربيه الشرقية والغربية بقيادة امريكا بحجة واهية هي الارهاب الذي اصطنعوه. وقد انجرف وراء ذلك بعض اصحاب القوة والنفوذ الماليين من المسلمين فشنوا الحرب على الاسلام من خلال اضطهاد الحركات السياسية الاسلامية والمفكرين الاسلاميين والعلماء الشرعيين والطعن في الكتاب والسنه ومبادئ الشريعة الاسلامية, كما ان المسلمين ومساجدهم تتعرض للايذاء والتعطيل في البلدان المعاديه. قال الله تعلى: (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَسَيُنْفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ – الانفال (8/36))

6- تزيين حب الشهوات:

ان اكتناز المال لدى الاغنياء يدفع ببعضهم نحو مباذل الحياة ومساخرها ورذائلها. فتراهم يعمرون القصور الكبرى والفلل الفاخرة ويكثرون من السيارات الفارهه ويقتنون المجوهرات والذهب والالماس ويشترون أجود وأغلى ماتزخر به الاسواق التجارية ويلهثون وراء رغباتهم وشهواتهم وينشغلون بترهات الحياة وسفاسفها. يقول الله تعالى: (زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ – ال عمران (3/13))

7- التخاذل عن الجهاد:

ان التعلق بالاموال تشغل صاحبها دائما عن امور كثيرة عامة بل ان خوفه عليها يجعله يتخلى عن كثير من الالتزامات الاجتماعية التي فرضت على المسلم ومنها الجهاد في سبيل الله, فالجهاد يتطلب من الانسان الدفاع عن وطنه ومقامة الباطل والظلم والجور في المجتمع والدفاع عن حقوق الناس في المساواة والعدل والحرية والرقابة على الحكام والامر بالمعروف والنهي عن المنكر. الا أن اصحاب الاموال تتغلب عليهم نزعة الخوف على اموالهم وتراهم يتهربون من التزاماتهم الاجتماعية باستخدام المال احيانا بديلا عن ذلك. يقول الله تعالى: (سَيَقُولُ لَكَ الْمُخَلَّفُونَ مِنَ الْأَعْرَابِ شَغَلَتْنَا أَمْوَالُنَا وَأَهْلُونَا – الفتح (48/11))

8- الالهاء عن ذكر الله:

ان المال المكتنز يشغل صاحبه أيضا عن عبادة ربه فتراه يفرط في علاقته بالله وينشغل بخدمة طاغوت المال بدل ان يخضع لرب السماء ويتبع اوامره ونواهيه في بناء الحياة الاسلامية وتنظيمها وكلما ضعفت علاقة الغني بربه ضعف التزامه بتعاليم الاسلام القويم. قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ – الجمعه (62/9-11))

 

9- التفاخر بالمال:

ان بعض اصحاب المال يشعرون بالفخر والكبر بسبب كثرة أموالهم المكتنزة وتراهم يتعالون على الناس ويتطاولون في سلوكهم ولايختلطون بالضعفاء ولايقبلون المعاملة بالمثل بل يريدون دائما أن يتميزوا عن سائر الخلق في كل موقف واحيانا يسيئون فهم توسل المستضعفين لديهم بمزيد من التعالي والتفاخر. يقول الله تعالى: (اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ – الحديد (57/20))

10- نفاق اصحاب الاموال:

ان بعض اصحاب الاموال المكنوزة وخاصة المستكبرين منهم ينافقون دائما اصحاب الجاه والسلطان والنفوذ في المجتمع بل ويتذللون لهم بحثا عن العون والمساعدة والحماية وانقاذهم مما قد يقعون فيه من مشاكل او محن او تجنيبهم طائلة العقوبات. يقول الله تعالى: (يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ مَا قَالُوا وَلَقَدْ قَالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَكَفَرُوا بَعْدَ إِسْلَامِهِمْ وَهَمُّوا بِمَا لَمْ يَنَالُوا وَمَا نَقَمُوا إِلَّا أَنْ أَغْنَاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ مِنْ فَضْلِهِ – التوبة (9/74))

11- فتنة المال:

جعل الله المال فتنة لدى بعض اصحابه من الاغنياء فابتلاهم به كي يمتحنهم بطريقة التصرف به فاما ان يحسنوا التصرف به او يسيئوا استخدامه. فنجدهم حائرين فيما اتاهم الله من مال بكيفية الحفاظ به او انفاقه في سبيل الله, فتظل نفوسهم ممزقة بين طرق الحق والباطل/ قال الله تعالى: (إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ – التغابن (64/15))

 

12- الكفر والخسران:

بعض اصحاب المال المحتكر من الاغنياء يبتعدون عن دين الله تماما بسبب حبهم للدنيا, فمن تعلق بأهوائه ورغباته الدنيوية وغرق في أنانيته المفرطه فانه يفضل العيش بالمال ولايتقيد بحياة الجماعة والمجتمع ولايحب أن يضحي في سبيل الاخرين او في سبيل مصالحهم العامة او الخاصة ولذلك يتهرب من كل نظام يتعلق بأمواله. قال الله تعالى: (وَاتَّبَعُوا مَنْ لَمْ يَزِدْهُ مَالُهُ وَوَلَدُهُ إِلَّا خَسَارًا – نوح (71/21) , أَفَرَأَيْتَ الَّذِي كَفَرَ بِآَيَاتِنَا وَقَالَ لَأُوتَيَنَّ مَالًا وَوَلَدًا – مريم (19/77))

13- مشاركة الشيطان في الاموال:

لايفضل بعض اصحاب الاموال انفاق اموالهم في اعمال الخير والصلاح كما جاء في الاسلام ولكنهم يفضلون البحث عن مشاريع واعمال وهمية او واقعية يستثمرون فيها اموالهم لتعود عليهم بأموال اخرى او ينفقونها في أمور محرمة لاتتناسب مع أحكام الاسلام. يقول الله تعالى: (وَشَارِكْهُمْ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَولَادِ وَعِدْهُمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُورًا – الاسراء (17/64))

 

رابعا: تحديد المستحقين للتكافل الاجتماعي:

ان التكافل الاجتماعي نظام شامل للحياة في المجتمع المسلم يشمل كافة المناحي الاجتماعية من اخلاقية وروحية ومادية وثقافية وعلمية وصحية وسياسية لكن الامر هنا سيقتصر على التكافل المعاشي فقط, والمستحقون له هم:

المحرومون من الفقراء والمساكين(العاطلين عن العمل) والمرضى والمعوقين والعجزة والشيوخ والمشردين والايتام واللقطاء والمعتقلين.
الغارمون بالديون بسبب فعل الخير.
المغترب المنقطع عن بلده.
الراغبون في الزواج من غير القادرين.
قاتل الخطأ الغير القادر.
المسجون بكفالة او لغرامة مالية (فك الرقاب).

 

خامسا: تحديد مصادر وطرق تمويل التكافل الاجتماعي (المعاشي):

وضع الاسلام نظما لتحديد مصادر تمويل التكافل المعاشي بين أفراد المجتمع وهي:
نظام الزكاة التي تجب في الاموال النقدية (في صورها المختلفة من أسهم وسندات وغيره). وفي عروض التجارة وفي المواشي وفي الزروع والثمار وفي كل مال بلغ النصاب الشرعي لوجوبها حسب النسب المقررة شرعا. يقول الله في التوبة: " إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاِبْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ" وفي هذه الاية أول قرار الهي بانشاء اول جهاز اداري مدني يعني بادارة موارد الزكوات بنص (والعاملين عليها) وهي مايدل على أهمية الزكاة وعظمتها التي هي ركن من اركان الاسلام في اقامة التكافل الاجتماعي المعاشي بين الناس.
نظام الوقف وهو نوعان عائلي وخيري. اما العائلي فهو لتأمين التكافل المعاشي لأقرباء الواقف وذريته ويجب ان يكون اخره الى جهة خير لاتنقطع واما الخيري فهو لتمويل التكافل الاجتماعي العام.
نظام الركاز: وهو مايوجد في باطن الارض وأعماق البحار من معادن وطاقات وموارد وثروات.
نظام النفقات: وهو نظام النفقات العائلي كما هو مبين في الاحوال الشخصية.
نظام الوصية: وهو أن يوصي الانسان بثلث ماله لجهات البر والخير وبأكثر من ذلك اذا وافق الورثة.
نظام صدقات الفطر: زكاة الفطر في رمضان هي صاع من تمر او شعير او مايعادلهما نقدا على كل فرد مسلم.
نظام الغنائم: جعل الاسلام من الغنائم الحربية التي يغنمها المسلمون في معاركهم مع الاعداء نصيب معين في التكافل الاجتماعي غير انه في العصر الحديث أصبحت الدول العربية والاسلامية مغنما لاعدائها.
تعتبر النذور والكفارات والاضاحي موردا من موارد التكافل الاجتماعي.