قال تعالى: *إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَىٰ إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَىٰ يَوْمِ الْقِيَامَةِ ۖ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأَحْكُمُ بَيْنَكُمْ فِيمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ* سورة آل عمران (آية 55) جاء في تفسير هذه الأية أذكره مختصرا: ؛
*إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى* أي قضى الله وحكم وقدره عليك يا عيسى،أنه متوفيك ورافعك إلى محل كرامته نائما حيا،
*ومتوفيك* أي منيمك لأن الوفاة في اللغة وفاتين وفاة صغرى وهي النومولا يكون معها قبض روح،ووفاة كبرى وهو الموت ويكون معه مفارقة الروح الجسد وعيسى عليه السلام لم تفارق روحه جسده، فمعنى قوله تعالى: *إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَي* منيمك ومتوفيك الوفاة الصغرى وهي النوم، ورافعك إلى مكانك في السماء نائما حيا؛ وقوله إلي: أي إلى محل كرامتي وأضيف إلى الله ليدل على عظمة عيسى عليه السلام عند الله وعظم المكان،وهذا شائع في لغة العرب ومعروف،وجاعل الذين اتبعوك وءأمنوا بك فوق الذين كفروا؛-أي جاعل النصارى الذين ءأمنوا بك فوق اليهود الذي كفروا بك وحاربوك، ويراد به الذين كانوا على النصرانية قبل التحريف فلا يختلط الأمر عليم، فكل الأنبياء ديانتهم الإسلام،وكل من يتبع نبيا بإختلاف الشريعة يسمى مسلما ولو اختلفت الشريعة لأن دين كل الأنبياء هو دين واحد فكلهم مسلمين إلا أن الشرائع والعبادات والتسميات قد تختلف فعيس، وموسى، وإبراهيم عليهم السلام، والنبي محمد صلى الله عليه وسلم كلهم دينهم الإسلام إلا أن الشرائع والعبادات تختلف، وقد صرح القرآن بهذا في أكثر من موضع قال تعالى: *مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلَا نَصْرَانِيًّا وَلَٰكِنْ كَانَ حَنِيفًا مُسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ* سورة آل عمران (آية 67) أي مسلما بالمعنى اللغوي أي متبعا لله، وقال تعالى: *رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ ۚ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَنْتَ وَلِيِّي فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ ۖ تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ*
سورة يوسف (آية 101)
وهذا قبل التحريف، أما بعد التحريف فهو دين محرف لا يصح اتباعه لأن الدين عند الله الإسلام قال تعالى: *إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ ۗ وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ ۗ وَمَنْ يَكْفُرْ بِآيَاتِ اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ* سورة آل عمران (آية 19)
وقال تعالى: *وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ*
سورة آل عمران (آية 85)
وقوله تعالى: *وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَىٰ يَوْمِ الْقِيَامَةِ ۖ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأَحْكُمُ بَيْنَكُمْ فِيمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُون* أي مطهرك من الكفار الذين كذبوك من قومك وحالوا قتلك وهم من بني إسرائيل،ومقدر أن الذين ءأمنوا بك- عالين ظاهرين على الذين كذبوا بك إلى يوم القيامة- ويدخل فيهم المسلمون لأننا نحن نؤمن بعيسى عليه السلام ونجله ونفخم أمره ونعظمه، ثم الله سيفصل في الاختلاف الذي قام به الذين حرفوا دين عيسى عليه السلام وبين المسلمين المتبعين الحقيقين لعيسى عليه السلام بأمر من الله تعالى ونبيه -صلى الله عليه وسلم- عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الأنبياء إخوة لعلات أمهاتهم شتى، ودينهم واحد، وأنا أولى الناس بعيسى بن مريم لأنه لم يكن بيني وبينه نبي، وإنه خليفتي في أمتي، وإنه لنازل فإذا رأيتموه فأعرفوه فإنه رجل مربع الخلق إلى الحمرة والبياض،سبط الشعر كأن شعره يقطر،وإن لم يصبه بلل بين ممصرتين،يدق الصليب، ويقتل الخنزير،ويفيض المال، ويقاتل الناس على الإسلام حتى يهلك الله في زمانه الملل كلها،ويهلك الله في زمانه مسيخ الضلالة الكذاب، وتقع في الأرض الأمنة حتى ترتع الاسود مع الإبل،والنمر مع البقر،والذئاب مع الغنم، ويلعب الصبيان بالحيات لا يضر بعضهم بعضا،فيمكث في الأرض أربعين سنة، ثم يتوفى ويصلي عليه المسلمون ويذفنونه،وهذا دليل واضح أن عيسى عليه السلام رفعه الله حيا نائما وليس ميتا كما تدعي النصارى بأنه أماته الله سبع ساعات ثم قام لذاته ممن يجعلون عيسى عليه السلام إلها والعياذ بالله تعالى،فالله حكم على خلقه بأنهم يحييهم ثم يموتون ثم يحيهم وهي سنة كونية قال تعالى: *اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ ثُمَّ رَزَقَكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ۖ هَلْ مِنْ شُرَكَائِكُمْ مَنْ يَفْعَلُ مِنْ ذَٰلِكُمْ مِنْ شَيْءٍ ۚ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَىٰ عَمَّا يُشْرِكُونَ* سورة الروم (آية 40). والكلام يستسع وبه أكتف والحمد لله رب العالمين.