آخر تحديث :الأربعاء-16 يوليو 2025-11:06م

بوشكين شاعر روسيا العظيم .. قصيدة ثورة خالدة وأغنية حرية لاتموت

الأربعاء - 09 يونيو 2021 - الساعة 03:10 م
مهدي علواني المشولي

بقلم: مهدي علواني المشولي
- ارشيف الكاتب


في السادس من حزيران 2021م احتفت  عموم جمهوريات روسياالاتحادية، بذكرى مرور 222 عاما ، على ميلاد شاعرها الكبير ، وباعث ومجدد  لغتها الحديثة وعميد الأدب الروسي ألكسندر سيرغييفتش بوشكين  (1799-1837).  

امام النصب التذكارية للشاعر بوشكين التى  تزهو بها معظم   ميادين  المدن الروسية ولا تكاد آي ساحة  تخلو منها ، تجمع  المئات  من عامة الناس والمثقفين والادباء ، لاحياء ذكرى شاعرهم الذي مازلت قصائدة الوطنية الخالدة واغانية عن الحرية والحب والثورة ، حية في نفوسهم ، و تردد عن ظهر غيب ، على لسان كل صغير وكبير ولا يكاد  آي احد منهم في عموم روسيا لا يحفظها.

بوشكين .. شاعر روسيا العظيم ، سيظل قصيدة ثورية تتجدد عبر الأزمنة ، وأغنية حرية لاتموت ، 
منذ قصيدة (اغنية الحرية) التي هتف بها الشاعر بوشكين وهو لايزال في الخامسة عشر من عمره في حفل تخرجه من المدرسة الثانوية  ، بفناء تسارسكوي سيلو (قاعة ألكسندر الإمبراطورية) ، و التي تُعد اولى قصائده الثورية والمثيرة للجدل ، كان بوشكين لسان حال أحلام البسطاء في بلاده   لمعارضته  السياسة للقيصر والتي أدت إلى  نفي الإمبراطور ألكسندر الأول  لهذا الشاعر  المنتمي إلى  احدى العائلات  الروسية النبيلة من جهة الاب ، ووانتسابه من جهة الام إلى  الفريق الأول (الجنرال) أبراهام  هانيبال الاتي من أفريقيا والذي ورث منه القوة والعناد .

في قصيدته الشهيرة التي قالها وهو مازال منفيا في القوقاز و التي رثاء بها زملائه الضباط الديسمبريين الذين اعدموا بسيف القيصر  بعد فشلهم الاطاحة به في  انقلابهم العسكري ضده  قال الشاعر بوشكين عندما سال عن  موقفه من ثورتهم،  بانه كان سيكون إلى جانبهم ، وهو ما اوغر حقد  الإمبراطور عليه ليتم 
قتله في مبارزة مع ضابط فرنسي حاول التودّد لزوجته اعتبرها بعض المؤرخين مكيدة من القيصر للإطاحة به، وإن كانت هذه الواقعة تعني ما تعنيه في المخيال الشعبي الروسي ، والمخيلة العربية  أيضاً للنهاية المأساوية لصاحب "الفارس البرونزي" ذو الاصول الأفريقية وما  كرّسته معطياتها من حضور  ومكانة في المخيلة الثقافية والشعبية التي حظي بها الشاعر بوشكين ومازلت تخلده وتحتفي به في ذاكرتها الشعبية والرسمية  التي تتناول أهم محطات حياة الشاعر الكبير الذي قال عنه الأديب الروسي الشهير دوستويفسكي، إن "كل الكوكبة الحالية من الأدباء تعمل على هدى بوشكين ولم تصنع الجديد بعده، فكل البدايات كانت منه وأشار بها علينا، فضلًا عن أننا صنعنا أقل مما أشار به علينا "

وعلى الرغم من قصر فترة حياة الشاعر بوشكين ، إلا أنه اليه يعود الفضل في زيادة المعجم الروسي بشكل كبير. إذ أصبحت أبدعاته الشعرية  واساليبه عالي الحساسية  وترجماته الأدبية وموسوعة مفرداته الغنية ، رافدا  في سد  فجوات المفردات الروسية ،  و  تأسيسًا للأدب الروسي المعاصر.
وقد سجلت إنجازاته العظيمة ، رقمًا جديدًا في تطور اللغة والثقافة الروسية في الأنماط الأدبية ، من خلال ماتركه من أمثلة في مختلف فنونها الإبداعية في الشعر الغنائي، والشعر القصصي، والرواية، والقصة القصيرة، والمسرح الدرامي، والمقالة النقدية وحتى الرسالة الشخصية.

وفي المقابل أيضا  كانت أعمال بوشكين  بمثابة الأرض الخصبة بالنسبة للملحنين الروسيين. إذ كانت أوبرا (غلينكا) «رسلان ولودميلا» أولى أعمال الأوبرا الهامة التي استُلهمت من أعمال بوشكين، وتركت أثرًا في التقاليد الموسيقية الروسية ،  وأصبحت أعمال تشايكوفسكي الأوبرالية «يفغني أونيغن» و«ملكة البستوني» لربما أكثر شهرةً خارج روسيا من أعمال بوشكين التي حملت الاسم ذاته.

  في قصيدته (احببتكم ) التي كتبها  العام 1829م ، ونالت  شهرتها العالمية أكثر من غيرها   ، ليس فقط  كونها تدخل ضمن مناهج تدريس اللغة الروسية للطلاب الأجانب ، بل لأنها تجسٌد، وبشكل مدهش، التركيب والبناء اللغوي النموذجي للجمل الروسية ودقتها و جماليتها ووضوحها, فضلا عن موضوعها الجميل وغير المعتاد كما هو واضح في نهاية القصيدة ، عندما  تمنى الشاعر على لسان الغجري لحبيبته أن يحبها شخص ، وهو موضوع مثير للجدل وقد يراه البعض  غير  منسجم مع الواقع ، ولكن الشاعر بوشكين العظيم الذي عاش قريبا من حياة الغجر ،  ادرك جيدا معنى الحياة والحب الغجري الشبية( بالحب الافلاطوني) فكانت  قصيدته الخالدة تجسيدا لذلك الحب الانساني وتضحية المحب من أجل سعادة محبوبته .
 
ولازلت اتذكر استاذتنا الرائعة  لودميلا  التي درستنا الادب الروسي في سنة اولى  بكلية الصحافة بجامعة فارونيش ، كيف كانت تقرأ علينا هذه القصيدة   وغيرها  من قصائد بوشكين بكل خشوع وكانها كانت ترتل قداس ديني لا قصيدة شعرية قيلت قبل اكثر من مائتين عام .