آخر تحديث :الثلاثاء-04 نوفمبر 2025-02:19م

الدول الجاذبة والدول الطاردة

الجمعة - 21 يناير 2022 - الساعة 04:43 م
فهد بن سليمان الشقيران

بقلم: فهد بن سليمان الشقيران
- ارشيف الكاتب


في رحلة التأسيس لمجلس التعاون الخليجي، تحدّث صدام حسين في خطابٍ متلفز عن عرض دول الخليج على العراق الانضمام، لكن يسبب اعتذار العراق بأن ظروفه وطبيعته واهتماماته مختلفة، تصرّمت العقود وبقي المجلس وذهب النظام الرافض لمجلس التعاون، وبرغم تفتّق النظريات الجمهورية عن أحلاف وتكتلات وكيانات تحاول بها تصديع مجلس التعاون إلا أنها باءت بالفشل الذريع. طوال التاريخ البشري ظلّ النقاش الفلسفي حول طبيعة النظام السياسي شاغلاً لكثير من المفكرين، صراع الجيوش والعروش، لدى اليونان، والرومان، ثم انشغل تحديداً فلاسفة انجليز باحثين عن النظام السياسي الأسمى، ونشبت خلافاتٍ غير عادية بين المتناقشين نتذكّر سحق ديفيد هيوم لجون لوك في حديثه عن الأحزاب في إنجلترا وهيوم استبسل في المقارنة بين الجمهورية والملكية، وبين النظام السياسي الملكي الذي يعدد الكثير من محامده وفضائله مقابل مايتردد عن "سلطة الشعب" التي تمزّق التفوق الإداري الذي تتميز به العهود الملكية، إذ حين تتفجر إرادة الشعب تنسحق قيم نبيلة ولهذا شرح آخر طويل.

تحدّث الأمير خالد بن سلمان عن الرغبة السعودية الخيّرة لليمن، وبأن الطموح أن ينضوي اليمن ضمن دول مجلس التعاون الخليجي، بغية تحقيق الرغد والاستقرار والحياة الكريمة، وهذه الخطّة تبين مستوى التفوّق الخليجي بالعالم العربي. في يوم العدوان الحوثي الإرهابي على مناطق مدنية في أبوظبي كنتُ هناك، لم يكن ثمة أثر لأي هلعٍ يدعيه المرجفون، تجوّلت راكباً وماشياً في الطرقات لم أر أثر ثرثرة الإعلام الأيديولوجي الخرب الذي يكرر في منصاتٍ تضخّ عليها الأمول دول مارقة وأحزاب إرهابية، بل باتت دول الخليج هي المأوى والملاذ لأبناء الشعوب التي تئنّ تحت وطأة السلاح أو الحروب الأهلية، أو الاضطرابات التي سببتها الدعايات الثورية منذ عشر سنواتٍ وحتى اليوم.

في الستينات كان المفكرون والروائيون حين تتم مضايقتهم على المستويين "التطرف الديني" أو "التنمر الاجتماعي" يذهبون إلى بيروت والقاهرة ودمشق وبغداد، يجدون بهذه الدول ملاذهم الآمن، بل وينغمسون مع الناس في حياتهم ويومياتهم، عبدالرحمن منيف ارتحل بين العراق والشام وغيرها وآل به المطاف في دمشق وتزوج هناك، والمتمرد عبدالله القصيمي توجه نحو لبنان، وعقد صداقاتٍ متينة مع المثقفين العرب المقيمين في لبنان، وكان ظّلاً بارداً لأعضاء مجلة "شعر" وعلى رأسهم أدونيس الذي أجرى معه حواره الصحفي الشهير، وكتب أدونيس عنه في عددٍ من كتبه منها "الحوت الأزرق"، كذلك فعل يوسف الخال الذي كتب عن لوذ القصيمي في لبنان مقالاتٍ عديدة.

الهدف من استدعاء نموذج القصيمي لأنه مثال صارخ على التمرد الكبير، إذ وصل إلى سقفٍ لم يصله بعد أي مفكر عربي آخر، ومع ذلك استوعبته لبنان ولو لسنوات، وحين استأذن كمال جنبلاط من القصيمي أن لبنان بات محرجاً بسببه، هبّ المثقفون اللبنانيون دفاعاً عن القصيمي. وحين أرسل القصيمي لأنسي الحاج رسالة جاء فيها:"أتمنى أن يجتمع في لبنان كل فرسان التاريخ، كل جياد التاريخ ليهزموا عنه الهزيمة، ليغسلوا عنه هذه الخطيئة، ليردوا إليه تسامحه، حريته، كرامته، استقلاله، انفتاحه على كل الآفاق، لكل الآفاق، ليجعلوه ملكاً لكل الناس دون أن يملكه أحد من الناس، ملكاً لكل الأفكار دون أن يتحول إلى عبد لبعض الأفكار، إلى عدو لبعض الأفكار"، ردّ عليه أنسي برسالةٍ غاضبة:" إني أرفض أن أصدق أنك هذا الساذج. يجب أن نتعلم انتظار الأسوأ، دائماً، من الدول، خاصة عندما تكون الدولة منبثقة من مجتمع تركيبه اصطناعي وقيمه زائفة. هكذا دولة هي، حتماً، دولة تسويات ومساومات وتنازلات وتجاوزات.

أما استغرابك كيف يستطيع" الشعراء والمفكرون والفنانون أن ينسوا أو يصمتوا أو يغفروا، فهو يجعلني أضحك. ماذا يستطيع هؤلاء أن يفعلوا غير أن لا يفعلوا شيئاً؟ هل خدعتك مظاهر الحرية ومزاعمها في لبنان؟ أم أنك، بالقياس إلى الدول العربية الأخرى، ترى لبنان جنة، ثم تظنه جنة بالفعل وفي المطلق؟".

كانت كتب القصيمي التي ألفها وهو في لبنان هي السبب، يوسف الخال كتب في يومياته التي نشرها في كتابٍ بعنوان:"دفاتر الأيام، أفكارٌ على ورق" نشر في يوميات 19 نيسان 1972 رسالة للقصيمي:"إلى أخي عبدالله القصيمي أقول العرب لايقرأون، وإن رأوا لايفهمون، والعرب لايرون وإن رأوا لايبصرون، والعرب لايسمعون، وإن سمعوا لايصدقون" وفي يوميات يوسف الخال ثلاث تأملاتٍ حول موضوع القصيمي ويتعجّب من تعجبّ القصيمي أنه أصبح موضع حرجٍ للبنان.

المفارقة أننا اليوم نرى مئات الأسماء السياسية والفكرية والصحافية تقيم في دول الخليج، وقد رأيتُ العديد والكثير من الكتاب والإعلاميين يقيمون في أبوظبي ودبي مستجيرين بهاتين المدينتين من غلواء حزب الله أو أحزاب البطش الأخرى في دول "الحضارات النهرية" كما هو مصطلح الدكتور سعد الصويان، لقد ووجدت بها الملاذ من الأنظمة الغاشمة والحروب الأهلية والأحزاب الإرهابية، حزب الله على سبيل المثال سيطر على لبنان كله بمفاصله وجزء أساسي من مشروعه تصفية السياسيين، والإعلاميين والمفكرين، قتل سمير قصير وجبران تويني ولقمان سليم وغيرهم، ويريد من اللبنانيين البقاء تحت هيمنته ويتهم كل من خرج آمناً إلى الخليج بأنه "رهينة" بين يدي السياسيين، إن المقيم بالخليج لديه صلاحية أن يرفع ردعوى على أي معتدٍ عليه، بينما في لبنان لايعرف اللبنانيون إذا كان نصر الله لديه رقم بطاقة لبنانية بحيث يمكن لأي لبناني أن يترافع ضده؟! هذه هي القصة باختصار إنها رحلة بين الدول الطاردة والدول المستقبلة ودول الخليج هي دول الاستقبال والاستقرار اليوم لذلك تريد أذرعة إيران أخذ دول الخيج معها نحو الحروب والنزاعات والقتال.