بعد أن انتهى كل الكلام، بعد أن ألغى الأقزام البكم لغة الكلام، بعد أن توقف التواصل وترددت ايدينا قبل المصافحة او حتى القاء السلام، بعد أن أنعدم الأمل باللقاء، بعد أن تسمرنا جامدين، بعد أن بصمتنا المطبق انتحبنا باكيين، ها نحن اليوم فاغري الأفواه. ماذا حدث يا جماعة؟ ماذا حدث بالله؟ امتنا نحن أم أن "هذه" هي نفس الحياة؟ بعد أن أعطوني ظهورهم كل الناس، بعد أن كسى الصدأ كل احساس، وجدت نفسي وحيدة. هكذا كما ترونني مسكينة. اطفو فوق ايامي كأنني وسط المحيط ضائعة مثلما قد تضيع يوما اي سفينة. اراكم أنتم ايضا مساكين. فنحن -هههه - مساكين جملة وتفصيلا ، في الخارج او في الداخل. لسنا من بلد مسكين بل من بلد مسكين جدا. ليس لأنه بلد ضعيف فكل الدول ضعيفة أمام دول اخرى اقوى منها. لكن بلدنا مسكين لأنه ضعيف من داخله. الكيان لديه مضروب. بلدنا بلد اجهض الجهل منه كل المُنى بالنمو و الازدهار.
هو بلد فقير ليس لأنه فعلا فقير بل لأن ابناءه يتداولون نهب خيراته و احتكار اقتصاده المفترض ان يكون ناجح، طويل عريض. هو بلد جدا مسكين لأنه ورث من تاريخه إرث طبقي ، عنصري بغيض! هو مسكين، لأنه مثقل بأمراض جعلت حتى الجبل الصم فيه يئن ،مريض. وجدت نفسي اليوم وحيدة. بدأت أغزل نسيج وحدتي. أقترب مني عنكبوت، ازاحني لكي يغزل هو قائلا :-" قفِ جانباَ...الغزل َصنعتي." راقبته محبوسة الأنفاس. العنكبوت لا يخيف الناس. لكنه حبس مني الشهيق و الزفير.
خفت إن تنهدت أن تخرب بيتي الأنفاس. فهو كما يقال أوهن البيوت. ومن حيكه مجرد عنكبوت. التفت الىَ العنكبوت متباهيا بما صنع وطلب عقد القِران.
أما أنا فقد تذكرت أنني نسيت أن أنسى أصحابي. نسيت أن انسى قلمي وورقي. نسيت أن أنسى وطني! لكن الأن صار لدي فكرة جهنمية. لن أظل هكذا لصيقة بوطن يقضم مني عظم الخدود. ها قد تبددت في وطني الكرامة و تلاشى الوجود. البشرية بأسرها غانية تترنح في الحدود. لأنها بلهاء تأكل فتتورد منها الخدود، ترقص حافية. تتعرى وتفجر تحت السماء علانية. ما شأن البشرية هذه المتفرجة البلهاء بنا نحن الحزانى الأيتام؟ ما دخلها بالأيتام؟ أما أنا... فبعد أن يتبدد البقاء، وجدتني حزينة أمام العنكبوت آخر الأوفياء. سوف أغتاله غدرا لأبقى وحيدة فعلا.
أريد أن اقضي بقية عمري في بيات شتوي يعفيني من القيام بدوري الصعب في الحياة. صعب لأنني يمنية! أريد اثناء وحدتي أن يصابا بالزهايمر اسمي و هويتي. أريد أن أنسى أحرف الأبجدية واي حرف بالضبط يأتي بعد حرف الباء؟
تفرست في الجهات الأربع و أضفت نظرة للجهة الخامسة للأعلى و الجهة السادسة للأسفل. لا بأس ان تكالب عليك الأعداء يا وطني فثق ان الله يمهل و لا يهمل. سوف أعثر حتما على قالب طوب. سأرفعه بين يدي و أمشي، أمشي، أمشي. متى تعبت سأضع قالب الطوب على الأرض و اجلس فوقه لأرتاح ثم أرفعه مجددا و أواصل مشيي. هكذا الوطن المتنقل مريح. الا يكون لك وطن معين وضع مريح. امشي حتى تتعب، ما أن تتعب ضع وطنك على الأرض و اجلس فوقه لتستريح. رائع أن يكون وطنك متنقل معك. تسكع ، تشرد، لا يهم أحد شأنك. كن محبط، كن غاضب، كن ما شئت أن تكون. لن يضمد أحد عمرك حتى وإن كان نازف جريح فلا تنتظر. لا أريد أن يسألني أحد عن بطاقتي الشخصية. كيف بالله يسأل من هجن الأصول عن بطاقات شخصية؟ بينما الجوع يسرح و يمرح، و الظلم يصول و يجول.
كيف بالله من أحرق جذور الأمل يقتحم أمانك و بكل تبجح يستجوبك عن رماد الجذور؟ هم خلطوا الدماء في الأوردة ثم جاءوا يرغمونك على الاستماع لخطبة عن العدو الصهيوني الذي يدمر – مثلما هم يدمرون- بلداننا العربية. هم يخلطوا هم يجلطوا! الا تقر مثلي يا قارئي ، الا تقر بأن في الوضع " لَبس" ؟ فتشوني جيبا ،جيبا وراجعوا عمري يوما ،يوما فإن وجدتم اللًبس معي اجلدوني، اصلبوني لعلها ترتاح البشرية. اللبس ليس معي بل هو بحوزة حكامنا ، فراعنة العصر، حكام العمالة والفساد والعنجهية.
أنا الأن تعبت. سأضع قالب الطوب على الأرض. سوف اجلس فوقه لأرتاح. أنا أتعب اذا صمت، و ُأتعب من حولي اذا كتبت. ها قد جلست. تلفت يمين وشمال. اين أنا الأن؟ لا أرى قتال ، لا أرى جوعى، لا أرى بيوت منهارة البنيان فأنا اذا لست في اليمن. لقد غادرتها فيما يبدو. من اليمن اصلا؟ أما قررتِ يا عقلي أن قالب الطوب هذا سيكون لك وطن وعنوان؟ جلست فوقه اتأمل ما يحيط بي. لمحت فوق هضبة بعيدة قطيع أغنام ترتعي. ثم فجأة قامت تتناطح. لا اريد ان اقترب. غالبا هؤلاء شعبي.
ان ارى ناسي هكذا لهو قمة الألم. انا إن اقتربت لن يعفونني من العناق و المصافحة و أنا بت لا اريد أن اعرف احد. لي من معظمهم مشرط او شوكة او ابرة او عضة كلب. هيا اذهبي بعيدا و أنت اذهب ،اذهب!
بقيت جالسة فوق وطني اتأمل في الُبعد الأغنام فقط تنام ثم تصحو للمناطحة في الزحام ثم تنام. أنا قد ارتحت من اليمن، و من اهلها.
صرت حرة احمل وطني بين يدي . أمشي معه و متى تعبت وضعته أرضا وجلست عليه لأرتاح ثم قمت اواصل المشي. أرفض ان اعود من ضمن تعداد القطيع. ارفض و ترفض ثقافتي ووعيي لا يسمح. فعلا – المسامحة يا يمن- أنا لم اعد استطيع! ماذا قولتي يا مخيلتي المجنحة جناحيها مليء السماء، ماذا قولتي؟ عن أي شيء توشوشينني؟ ماذا؟ نعم. نعم. أنا أحلم بأن أطير. فما دمت حرة فلما لا أطير أو احبو او حتى اسير. حرة انا حرة. ما دام قالب الطوب وطني فأن وطني ممتد فوق كل الدروب. تمر أمامي فتاة عابرة. ملامحها تشبهني كثيرا. ذكرتني بنفسي عندما كنت غضة يافعة. مسكينة كم ستحزن حين تكبر. اسأليني أنا، ما كانت مسك نهائيا الخاتمة. حملت وطني بين يدي و وقفت لمواصلة المسير. نظرت أمامي وجدت طوابير نمل يقف في طوابير. ذكرني بشعبي عندما ادمن الطوابير. لا تضايقه بل يقف فيها بكل اريحية إن سارت سار و إن توقفت توقف ُمسيرا تسيير. البعض قد وجد في الطوابير مصدر رزق و بات البعض يجد في الطوابير وظيفة و يسأل من مدير التوظيف؟. مؤمنا ان على الله التدبير أما نحن الشعب فما علينا الا أن : هيا بنا جميعا نقف في طوابير. الوقوف في الطوابير عبادة. هههه لا أريد أن أسب لكن أي عيشة هذه؟ لا تقف في هكذا طوابير حتى الحمير. هذه القصة ليست قصة و لا هي حتى توثيق. هي فقط فضفضة من مواطنة من مواطني قالب الطوب.