ما دفعني لكتابة هذا المقال المتواضع هو أنني لاحظت أن لدى البعض اعتقاد بأن اتفاق الرياض قد شمل انسحاب قوات المنطقة العسكرية الأولى من وادي حضرموت، بينما الواقع غير ذلك تماماً. هذا بالإضافة إلى أن المطالبة بتنفيذ اتفاق الرياض لم تعد إلا مسألة تسويق رخيص للوهْم من قبل الجهات الخارجية، بهدف تضييع الوقت وتشتيت جهد الجنوبيين لمصلحة قوى إقليمية ودولية لا خير فيها لشعب الجنوب. فلو كانت لدى المسوقين للاتفاق أي قيمة إيجابية، سياسياً أو اخلاقياً، لكانت قد أنعكست في ممارسات حكومتي المناصفة، السابقة أو الحالية.ولعل أي متابع يستطيع أن يلحظ "متاهة اتفاق الرياض" في الفقرة 6 منه، التي نصت على: "توحيد الجهود تحت قيادة تحالف دعم الشرعية لاستعادة الأمن والاستقرار في اليمن، ومواجهة التنظيمات الإرهابية".وهذا يعني أن الاتفاق قد احتوى على هدف يخص السعودية على المدى البعيد، في أن تظل مسيطرة على الجنوب -طول فترة الخلاف- لتحقيق وهْم "الأمن والاستقرار". وهو الأمر المستحيل تحقيقه تحت قيادة تحالف "داعم للوهْم وإطالة الخلاف" من ناحية، وداعم لاحتلال الجنوب من ناحية أخرى.وعلى الرغم من أن معظم الجهات الخارجية توصي بتنفيذ اتفاق الرياض، نستطيع القول أنه لو كان هناك أي جهة منها ترغب بتحقيق مضامين الاتفاق لطلبت ذلك من المشرف على تنفيذه وفقاً للفقرة 7 منه، التي نصت على: "تشكيل لجنة تحت إشراف تحالف دعم الشرعية في اليمن بقيادة المملكة العربية السعودية تختص بمتابعة وتنفيذ وتحقيق أحكام هذا الاتفاق وملحقاته". أي أن المملكة فقط هي الراعية لاعداده وهي القائدة لتنفيذه!.ولا شك أن الكل يتذكر تلك الفترة الطويلة التي انقضت بعد التوقيع على الاتفاق دون تنفيذ أي فقرة منه، وغياب ما يوحي بأي نيِّة لتنفيذه، فضلاً عن زيادة التدهور المعيشي بعد الاتفاق، وأن المجلس الانتقالي قد أدرك متأخراً بأن الاتفاق كان بمثابة قيد وُضع على رجلية حتى لا يتقدم إلى الأمام، فقرر تطبيق الإدارة الذاتية كخطوة أولى لتسهيل تقديم الخدمات لشعب الجنوب والحفاظ على الموارد المحلية من النهب الذي تنظمه السلطة. ونتذكر أيضاً كيف سارعت حكومة المملكة إلى إلغاء الإدارة الذاتية الجنوبية من خلال مبادرة باسم "آلية تسريع اتفاق الرياض".ويجدر التذكير أيضاً، أن أهم أهداف اتفاق الرياض، من وجهة نظر الطرف الجنوبي، كانت كالتالي: 1- وقف التصعيد العسكري بين الطرفين حتى لا يتذرع الطرف الممثل للشمال (المسمى "شرعية") بأن المجلس الانتقالي يعيق توجُّه الجيش للمعركة ضد الحوثيين.2- تقديم الحكومة لشعب الجنوب كل الخدمات اللازمة كما يجب، وصرف كافة المرتبات بانتظام.3- انهاء الانقلاب في صنعاء بأقصر وقت ممكن.وختاماً، يمكننا القول أن الطرف الجنوبي في الاتفاق قد التزم وحقق للطرف الآخر كل ما طُلب منه، بشق النفس الجنوبية، وأن الشعب قدم الكثير من التضحيات خلال "فترة الهدر" التي طال أمدها منذ التوقيع على الاتفاق. وأن الجميع قد سئم المطالبة بتنفيذ ذلك الاتفاق الذي قيّد القيادة من متابعة المسيرة نحو التحرير والاستقلال، وهي في الأصل مسيرة تحرير وطن قام بها شعب الجنوب، ولا تستطيع إيقافها قيود الاحتلال. وبالتالي لا سبيل أمام هذا الشعب العظيم وقيادته إلا تسريع الخطى لـ"استعادة استقلال دولة الجنوب" المعترف بها عضواً في الأمم المتحدة عام 1967. بقلم د. عبيد البري عدن 4 مارس 2022