من لا يرى أو يسمع أو يؤمن أن علامات القيامة قد أو أوشكت على اختتام آخر شروطها بعد أن تجاوزنا الكثير منها فهو أعمى البصر والبصيرة ، بل لقد طمس الغباء والجهل على مجمل جوارحه ..
ولا أجد متسعاً لحديث مسهب عن ذلك ، ولا أدعي التنبؤ أو قراءة الفلك ونحو ذلك ، ولكنني – وأنا العبد الفقير لله – أقرأ بعمقٍ كل ما أطاله من أخبار وأتابع الكثير من مجريات الأمور على كوكبنا المضطرب هذا ، وأتمعن جيداً ما وراء كل خبر يطفو على السطح من هنا أو هناك ، للخروج بخلاصة الحدث الجاري ومعانيه كمتابع محايد لا أميل شرقاً ولا غرباً ..
أتخيل أحدهم – كلما تطرقت لذلك – يقاطعني صارخاً : وما دخلنا في مجريات هذه الأمور والأحداث العالمية ونحن نقبع في أسوأ نقطة شتات على هذه المعمورة ، وقد أدركتنا كل صنوف عذابات السياسة والاقتصاد والحَر والفاقة وأوجاع المعاناة اليومية التي لا تكلّ ولا تملّ في نهش أجساد البسطاء ؟
إنه الحق إذن .. وهو أيضاً ما وددت الإشارة إليه بين سطوري القصيرة هذه.
" نيرون مات .. ولم تمُت روما .. بعينيها تقاتل !
وحبوب سنبلة تجف .. ستملأ الدنيا سنابل . "
ونحن هنا في هذه المدينة المكلومة ، المغلوب على أمر أبنائها ، السجينة بين مرتفعات جبالها المحترقة التي خلّفَها البركان منذ تكوين الأرض ، واحتضانها لأمواج الملوحة الساخنة ، طلت تذرف دمعاً طوال عقود عمرها الطويل ولم تهنأ ببارقة أمل للاستقرار ومنذ عهد طويل ..
ولم يطالها المطر لتنبت سنابلها لخير أبنائها وأرضها وجبالها .. ولو تتحول تلك الحبّات الطاهرة التي دُفِنَتْ في باطنها إلى سنابل لتملأ الدنيا بخضرتها وخيرها الوفير بعد ..
ها هو العالم اليوم قد أستطاع أن يتأهب لتلك القيامة التي بدأت شرارتها في الشرق ، وأمتد وقودها من أقصى الغرب لإذكاء لهيبها المنتظر – استعاراً – الذي سيحرق كل شيء وفي كل مكان ..
ونحن هنا لم نهنأ يوماً بعيشة الإنسان الذي طالما وحلمنا به ، وفجّرنا لأجله الثورات المتلاحقة التي جرفت سيولها الأخضر واليابس ولم تبقَ لنا أبسط مقوّمات الحياة لنعيش اللحظات الأخيرة لهذه القيامة القادمة من الغرب .
فرسولنا الكريم – صلوات الله عليه – قبل ان يتنبأ عن علامات وشروط يوم القيامة ، أنبأنا عن رسالة الله عز وجلّ للناس على هذه الأرض بالعدل والمحبة والسلام – الذي أسمى به نفسه – في كتابه الكريم الذي أنزله على رسولهِ المصطفى والذي قال عن نفسه : إنما بُعِثتُ لأتمم مكارم الأخلاق .. فأين نحن من تلك الأخلاق ومكارمها؟
أين هذه القيادة – بل تلك القيادات – التي نُصِّبَتْ لتولي إدارة هذا البلد المطحون ؟
" أليس على هذه الأرض ما يستحق الحياة ؟ "
لا يخفى على أحد أن الجميع كان يتململ انتظاراً لوميض ضوء ، أو همس يراعٍ صادق يخطط قرارات عودة الحياة واستقرارها في عدن .. جميعنا انتظرنا قدوم عيد الفطر المبارك استبشاراً بما بعده من قرارات وخطوات حكيمة تباشرها الحكومة ومجلس الرئاسة المشكّل لحل هذه الأزمات المتراكمة ، والبدء في تنفيذها على أرض الواقع ..
وبعد أن أرهق كاهل الناس هذا الوضع والتحنيط ، وبمختلف أطيافهم السياسية والاجتماعية ، لا ينتظرون سوى العمل ، والعمل تنفيذاً وعلى أرض الواقع وليس على شاشات التلفزة أو صفحات التواصل الاجتماعي أو منابر الساسة التي بَهَتَ بريقها وقَلّتْ مصداقيتها وفقدت ثقة الناس بها ..
ودعونا نعيش ولو لسنوات أو أشهر أو لحظات هذا الاستقرار والإحساس بالحياة قبل أن تطمرنا نيران براكين القيامة التي اندلعت شرارتها ولا يعرف أحد – بل ولا يستطيع – أن يطفئها إلاّ بقدرة الخالق عزّ وجلّ !