في بلادنا عجوز اسمها " مومو". هي تشحذ في كل شارع، لا تتعب من استجداء المال، تتسول ليل نهار. هي تأخذ من اشخاص معينين المال ثم تقوم بمساومة رجال أخرين لخدمتها. اسميناها مومو اختصارا لإسمها التعس. اذا مررت صباحا من امامها ثق ان السوء سيصيبك ويومك حتما سيبتئس! هي عجوز صحيح. كل العجائز تلمح في ملامحهن آثارا لجمالهن ايام الصبا ، إلا مومو فاللهم احفظنا تتصف بالدمامة في كل العهود. مومو ليست فقط قبيحة الملامح ، لكنها ايضا بشعة التصرفات ومرعبة الروح، فجة، تتم كل التزاماتها مستعينة بلا شيء سوى المصالح. تتمكن من شراء الرخيص وتنجح في شراء حتى الصالح. استغلالية لا يهمهما احد. لا أب لها، لاولد، لا شيء غير المال لها سند! مومو اولا من بعدها الطوفان كما يُقال. مومو قبيحة الوجه، بشعة الروح. مومو هي من اثبت ان مقايضة المصالح خالدة الى الأبد.
حتى التسول نتعجب انها تتسول بوقاحة. من يعطيها مالا تنتعش وترقص. من لا يعطيها ترمي امامه ورقة نقود وتعلق:-" ما دمت لا تملك، تعال هنا جاورني وتسول معي، سأغنيك أنا." مومو عينيها مثل القطط. عين سوداء عربية كحيلة. العين الأخرى مثل لون المحيط الأطلسي. شعرها أشقر لكنه متماوج مثل الصحراء. نحن سكان البلاد صحيح لكن،لا نعرف لمومو اصل ولا أب. نرى حولها ثعابين لا تلدغها و عقارب تلعب معها، لم نفهم للثعابين و العقارب سبب. لكنها نهرتنا قائلة لا شأن لنا بأمورها و أن الثعابين أسرتها و العقارب بعض الأقارب. امانحن فإن دعوانا أن يا رب اكفنا شر مومو، يا رب، يا رب. مومو اتعبتنا واتعبت بلادنا كثيرا وطويلا. الف لعنة عليك يا مومو. اذا رمى لها غريب بالمال تقفز يعتريها نشاط، طاقة وقوة هائلات. تقطع جذوع الأشجار. تأكل محاصيل الأراضي. تدمربيوت. تقضم وتبلع الحجر. تبتاع وتشتري البشر. تبا لك يا مومو. اما اذا لم تتزود بالمال فهي تطأطئ رأسها، يلتصق ذقنها بصدرها. تتنهد بحزن. بلا حول ولا قوة. مومو موجودة في كل الحقب التاريخية. عرفتها البشرية منذ طويل الأمد. نكتشفها مهما خدعتنا طال او قصر الزمن. دروسها مرة مرارة المحن . هي باقية بيننا، تأبى أن ترحل. نميزها لكن بعد فوات الأوان، فما الفائدة من وصفة الطبيب و قد نزل الأجل؟
منذ آلاف السنين كنا وكنا وكنا. هناك في الصفحات المتآكلة من كتب التاريخ. كنا أقوى، كنا أعلى شأنا و كنا أفضل. الأن بعد آلاف السنين صرنا في حالا أسوأ ،صرنا أضعف كما صارت كينونتنا في الدرك الأسفل.
برغم كون الأصل في الأمور أن السير لا يكون إلا للأمام. الأصل في النجاح ألا يكون التحليق إلا صوب العِنان. فمالنا صرنا هكذا؟ ُتبع! دمى خشبية يحركها المهرج العميل. الذي اشترته مومو. تبت يدها مومو، يحركنا المهرج العميل الذي ساومته مومو ،كيف تشاء متى تشاء لأننا مربوطين ليديه بخيط طويل. تبلدنا فلا ضقنا من الخشب ولا الخيط ولا ثرنا ضد الليل الطويل. بل نحن حتى ُصم ُبكم لا نعلق مجرد تعليق. يحركنا المهرج العميل فنتقاتل لأن هكذا هو يريد. توشوشه مومو فيلطمنا المهرج فنهوي أرضا صامتين كأنما خدودنا ُخلقت ليلطمها المهرج العميل. أنا الأن اعتبر كسرت قاعدة الصمت المذل لمجرد أنني كتبت " المهرج العميل" أما و أن ُطلب مني أن انطق بإسم المقصود فإنني سأتوارى عن الأنظار، سأختبئ رعبا بين الحشود. المهرج العميل يدوس عقولنا لتنفيذ اوامر مومو، يجبرنا نصدق ما هو غير قابل للتصديق. يمرغ كرامتنا في الوحل، فلا ننطق. يغسل أدمغة فلذات أكبادنا من اليافع الغض، للشاب الناضج و لا يستثني حتى المولود الرضيع. نتابع املنا، الأجيال الصاعدة أمام أعيننا تضييع. لا نحرك ساكنا كأنما هم أولاد سوانا. ليس هكذا فقط بل بيننا من هو النذل الذي احمرت يديه من حرارة التصفيق!
ليت سفينتنا الغارقة المغمى عليها فوق قاع المحيط يأتي من يقبلها قبلة الحياة فتُبعث حورية بحر. اسفلها سمكة و أعلاها وجه فتاة بوجه جميل وشعر متماوج. ليت حورية البحر تصعد إلى سطح الماء فتتنفس روح الحياة. تتنفس فتعود لأصلها سفينة شامخة عظيمة الحجم. تبحر صوب الشمس و تفوق الشمس إشراقاً . تسبح سفينتنا على سطح الماء بأمان. لا شيء يخيفها. تبحر حيث تشاء و كل المرافيء تفتح لها أحضانها. القبطان نحن السفينة نحن و نحن الموجة.
ما بالنا صرنا هكذا مجرد " مشاهد" في قصص محبطة حزينة؟ حيث ما التفت أرى بلدان لها داخلي ضلوع تؤلمني. اليمن، العراق، سورية، ليبيا، لبنان، السودان و قد اكون نسيت ذكر بلد من قائمة البلدان المنكوبة ليس لأنني نسيتها و لكن لأنها توشك على السقوط و لم تصاب بالنكبة بعد. مومو كانت كبيرة لا أحد يستطيع أن ينكر. من يتهكم على العرب انهم دائمي الشكوى من مومو ُتحاك ضدهم أريد أن اسمعهم الأن هل غير " المؤامرة" تبرير لما حدث و يحدث و سيحدث؟ السيناريو ليس فردي و لا خاص. هو مؤامرة بلا نقاش. هي مومو في بلدك وفي بلدي.هي كبيرة المؤامرة ونحن ُندرك ذلك لكن أين حب الوطن اذا؟ أما إذا كانت ردة فعل كل مواطن سقط وطنه في فخ مومو، أن يغسل يده و ينشفها ثم يهجر او يهاجر، اين حب الوطن اذا؟ بسبب مال مومو انتصر العملاء على الوطنيين. هذه هي الحقيقة. لعله السبب الأوحد! ايادي غريبة تحيك شباك نتخبط داخلها لكنها ما كانت لتنجح لولا الأيادي المحلية الداخلية التي عبدت لها الطريق الأسود. انظروا الى اليمن! المسمى سابقا اليمن السعيد. كيف اصبح؟ كيف صار؟ كومة خشب شجر محترق اجرد.
من نحن؟ من أين نبدأ؟ اطفالنا زجوا بهم في ساحة قتال، حقنوهم بحقن الوهم ان هكذا يكونوا رجال. بينما بقييوا هم اصحاب الشوارب لدى القات و المتكىء. الطفل من هؤلاء اذا سقط عليه ظلام الليل و هو هناك وحيد تمنى لوتركوه طفلا، تمنى يد اب تربت عليه و تحنو. اين نحن ، سامحونا، اين نحن؟ سامحونا يا اجيال الضحايا فالكبار صاروا بغايا. مومو تمكنت منا جميعا. من لم يستلم منها وجد انه لحق بالغالبية وصارمن الخدم. لا يعترض لا ولا حتى يتكلم.
مومو... يا صعبة المراس. فجأة رأيت أمامي مومو تمد يدها للتظاهر بالتسول. مررت ولم اعطها مال. فرمت لي مالا قائلة:- " تعالي جاورينني .تسولي معي. سأغنيك أنا." لم التفت اليها. لكن يا مومو تجاهلك او عدم اعطائك المال لا يكفي ابدا. من السياف ليقاتلك و يريق دمائك في الشوارع ...لتحيا بلادنا حرة، سعيدة ليس في التاريخ ولكن الأن في زمن المضارع