عقبِ ألف عامٍ من الظلم ، والظلامِ ، والقهر ،ألف عامٍ من الخوفِ والجوع والمرض ، ألف عامٍ من السلب والنهب وكبتٍ للحرياتِ ومصادرةٍ للكرامة ، ألف عامٍ من القنطرةِ ، والتقبيل للأيادي الآثمة والرُكبِ الجاثمة على حياة الشعب ، وأرواحهم ، تخلقت من رحم كل هذا الصبر ثورة تجتُث فلول الظلام، وزعامة الموت ، والظلام لتصبح هذه الثورة سجنُ الطغاةِ .. ومتنفس الأباة ..
لقد كانت ثورة السادس والعشرين من سبتمبر المجيد ، لحظة خلاص للشعب من جور وبطش وظلم السلالة والفئة الباغية الذين جعلوا من أنفسهم وصاة وسادةً على الشعب، وصيروه درويشاً يستعبدونه ، تحت عباءةِ التدين الخاطئ ، ودينهم المختل الناقص والذي ما أنزل الله به من سلطان .
عاش الشعب واليمن قبيل يوم السادس والعشرين من سبتمبر في معزلٍ عن العالم ، بعيد عن كل مايدور خارج حدوده وكأن اليمن قطعة أرضٍ خارج هذا الكوكب .روت طبيبة أجنبية وفدت إلى اليمن الشمالي في مذكراتها إبان حكم السلالة البائدة تقول "يعيش هؤلاء الريفيون الجبليون شبه عراة، فهم يغطون أجسادهم بجلد الماعز فقط، الأمر الذي أدهشنا في هذا المكان المرتفع، وحيث البرد القارس جداً.. وقد بلغنا أن هؤلاء القبائل يعيشون في فقراً مدقعاً، إلى درجة أن عدداً من النساء يتشاطرن الثوب نفسه، ويعار هذا الثوب لمن تذهب لجلب الماء من البئر.. كان منظرهم يخيفنا، لكنهم كانوا ودودين ومسالمين".
لقد عاش الشعب حقبة زمنية أشبه ماتكون بالعصور الوسطى أو العصر الحجري حتى أستيقظ مارد هذا الشعب ليعلن للشعبِ في صباح السادس والعشرين من العام 1962 ميلاد فجرٍ جديد ..
إن ثورة الـ26 من سبتمبر مدرسة متجددة ، ماتزال منذُ 60عامٍ تمدُ الأحرار بالعظات ، وأبهى صور التضحيات ، لتستمر الدماء الشابة والثائرة برفض كل صور الظلم ، والجبروت، وأشكال التفضيل ،والتمييز على أساس اللون والعرق ، لتواصل بناء وطن العدل والمساواة ، وتُضمن فيه الحقوق والحريات ..
وهاهي ثورة الـ26 من سبتمبر الخالدة تُخلق من جديد لتستكمل إجتثاث بقايا السلالة الفاشية ، من أحفاد الرسي ، والمتوردون الجدد بجيل أكثر وعي ، وأمة عرفت ألاّ سيد إلا الله ولا عبودية لسواه ، ذاقت حلاوة الجمهورية ، وتشربت معاني المواطنة ، ولا حاكم للشعب إلا الدستور ، وكل محاولات إعادة (الآل) ستبؤ بالفشل وتنتصر الجمهورية .
إحتفلوا وأبتهجوا بالثورة سروراً في كل ذكرى للـ26 من سبتمبر بالغوا في مظاهر الاحتفاء بهذا المارد الذي أنهى فصول الظلام لنعمق في نفوس وأذهان هذا الجيل أهميتها ، فيصبح كل فردٍ من أبناء هذا الجيل حاملاً هم الجمهورية ..
ولأجل ذلك يجب علينا في هذه الأيام أن نجعل ثورة الـ26 من سبتمبر أيقونة سهلة الإستحضار في ذهن هذا الجيل من خلال تجسيدها واقعيا وحفظاً في المنهج الدراسي ، والخطبة ، والأغنية ، والشعر ، والقصة القصيرة ، والروايات التأريخية ، وأنه لمن الضرورة أن تصبح أسطورةً تروى على لسان الجداتِ لأحفادهن ، ليعرفون عدوهك وعدو هذا الشعب جيداً ..
ثورة سبتمبر الخالدة لم تكن مجرد تظاهرة مسلحة بل أصبحت سلاحاً يتشحه كل من تشرب الحرية ، ليدافع عبرها عن ما ألفه من صور الجمهورية و دولة المواطنة المتساوية ، فأملئوا هذا الجيل بها إيماناً ، و وعياً ، وتصديقاً ، بأهميتها ..
المجد للثورة .. والخلود للشهداء