آخر تحديث :الثلاثاء-01 يوليو 2025-06:04م

اعما نرا

الخميس - 06 أكتوبر 2022 - الساعة 07:24 م
سلوى يحيى الارياني

بقلم: سلوى يحيى الارياني
- ارشيف الكاتب


لست أدري لماذا أنا حزينة هكذا؟ رغم أنني ولله الحمد بعافيتي، بعافية أولادي، بأهلي فهم عزوتي بوظيفتي، بسكني، بسيارتي بمأكلي ومشربي. جدير بي أن اكون آخر من يحزن! ربما أنا حزينة...لأن سنوات عمري خلفي قد أمضيتها أكثر بكثير من المتبقي أمامي- هذا- وأنا لم أعش بعد لحظة أفخر بها بوطني. كم أتوق أن أفخر. لعب به الساسة المتهبشون لعب لا يشبهه لا كرة قدم، ولا كرة سلة، ولا كرة طائرة ولا أي كرة. هذا اللعب الحاصل مخيف لأنه لا يهدف الى ادخال الكره في شباك هدف بل في نفق. انه يمزق الكره قطعا واشلاء بل هو يلتهم الكره. هو لعب. لكنه لعب مريب ليس له مثيل. اَدخل الكره في نفق مظلم طويل.  نحن بداخلها نتخبط، نترنح، لا نعي الأحداث لما اساسا تحدث ولا للحل في ايدينا أي سبيل. انا مثلا غالبية الناس مثلي لا أملك الا ان اتفرج بحزن شديد على الأحداث. أنا حزينة نعم على بلادي. إن لم أحزن على بلادي فلما خلق الله التنهد؟ لم أعش ولو يوم في حياتي أزهو ببلادي او افخر بجنسيتي ولا حتى في عهد فلان او علان السابقين في العهد القريب كلهم والله متشابهين. صحيح ان بلادي كان وضعها سابقا أفضل بمليون مرة مما هي عليه الان. لكنني عندئذ كنت أحزن عليها ايضا لوضعها المزرى عندما اقارنها ببقية البلدان العربية. اما حاليا فوضعها مزري بالمقارنة بنفسها قبل الحرب. كانت اليمن حينئذ فقط " مستورة" اما حاليا فهي جائعة عارية متسولة مغتصبة مقصوفة! فليتقدم ويدافع من ينكر. تبا للطماعين الذين يغريهم المال، تبا للطماعين، تبا للطماعين انهم والله السبب. انهم سبب كل هذا الخراب. من يذكر سبب أخر هو بكل بساطة " كذاب"! تبا للطماعين وما يشتريه الطماعين، تبا للذهب الذي يشترونه، للسيارات التي يملكونها، للعقارات التي يمتلكونها، للمشاريع التي يفتتحونها، للفلل التي يسكنون فيها فهي من تغري الأيدي الرخيصة فتكون ايدي عميلة. تجعل من اليمنيين "اشرار".
اعمانرا كم هي ملخبطة. لدرجة انني لم أستطع ان اكتب " اعمارنا"، من شدة ما هي متلخبطة تلخبطت أحرف الكلمة!  ما عدنا نبلغ الأماني الا في الأحلام، أنا احلم وأنا مفتوحة العينين انني بنيت مبنى أو عمارة هو ناطحة سحاب اساسه العدالة.  جدرانه ثقافة وتعليم. يسري من نوافذه هواء الحرية والمدنية، عبقهن في كل ادواره. كل اليمنيين يسكنون فيه ولا يتأخر أحد منا بالحب، الولاء والتضحية أن يدفع ايجاره. اعمانرا كم هي متلخبطة! لا يتركها الساسة تستقيم! يحولون طموحاتنا لدأب عقيم. اللهم اخسف بهم ولا تبق منهم رأس سليم. لا نعي منذ نعومة الأظافر لماذا ميزان العدل ليس عادل معنا. نجد ان عينا العدالة معصوبة كي تعدل مع الكل ولا تميل. لكنها امامنا تبدو وكأنما لا ترانا او هي متواطئة ضدنا.
نستغرب ونحن في صف اول ابتدائي لماذا يطلع الأول على الصف إما الغشاش او ابن المدير. احيانا فقط يطلع الأول المجتهد الصغير. ثم نكبر فنجد المراهق الثري محاط بأصدقاء كثر، يحبونه كما يظهر ويحسدونه لكنهم يخفون. بينما المراهق الفقير له اصدقاء قليلون وإذا ما واجه أزمة لا يجد معه حتى ابوه اوامه. طبعا هذه ليست قاعدة فكم من فقير سعيد بأصدقائه وكم من ثري وحيد. من علامات الساعة هو زماننا هذا، صدقوني، الدلائل عدة. ثم نكبر فننضج. فنجد الثري إذا داهمه صداع تزاحمت الأدوية فوق الطاولة وفي فناء الفيلا تربض طائرة لتقل المصدع لأقرب بلد الطب فيه أفضل من طب بلادنا. اما الفقير فيمرض ويكون اهمال الطبيب سبب وفاته. بلا رقيب بلا حسيب بلا ضمير ولا عزاء للمساكين. ثم نصل في اعمانرا الملخبطة لمرحلة الزواج فنجد الشاب التافه غير المسئول يتزوج فتاة رائعة شكلا ومضمونا فيتسلى بتعذيبها وسلبها كرامتها او " بي اسلب" كرامتها من باب مجاراة الترند. وتصبر لأنه ثري. لكن طبعا هناك ملايين الفتيات الرائعات يتوفقن بزوج رائع مثلهن! اما البنت اللعوب صاحبة السمعة المشينة تتزوج من يجعل لها من كفيه مواضع لقدميها تمشي عليهما. كذلك هناك الزوج الصالح في تعامله مه زوجته الصالحة مثله. ثم الشاب الفقير لكنه قمة في الاخلاق، محترم مكافح مسئول يتزوج من تتنمر عليه يوميا وتعايره بفقره.  والفتاة الفقيرة ولو كانت مثالية رائعة تقضي عمرها كله بلا شريك. اما الوظيفة فلا فائدة من ذكرها لأنها تقهر اعمانرا الملخبطة.  بديهيا تكون الوظيفة المرموقة ذات الراتب الاسطوري لابن اخت الفاسد إذا كان الفاسد اولاده في الخارج. اما الراتب الحقير فطبيعة الحال للموظف المخلص صاحب الضمير الذي يبكر صوب عمله باكرا مع العصافير. ثم يا ناس نتقدم في العمر ونشيخ. فنرى ابناء الثري وهو يحتضر محيطين بسريره في رعاية وخدمة متناهية، انه اباهم وهم يحبونه لكن السبب الاكبر هو انه ما ان يموت يورثهم مال كثير. اما الفقير، فيحتضر محاط بالذباب المنزعج من ضوضاء اصوات ابناءه يختلفون دور من منهم للمبيت لديه. لسان حالهم يقول متى يرتاح ويريحنا هذا التعس، اتعسنا منذ كنا اطفالا وحتى يومنا هذا المرير. هكذا اعمانرا باتت متلخبطة. ارى المساكين في اليمن يفترشون ليلا الأرصفة. ينامون وهم ينزلون خصلات شعرهم فوق اذانهم مكورين قبضاتهم تحت آباطهم متخذين شكل الجنين في الرحم. لماذا؟ لأن ما الدفء ما هو؟ هو ام!
زارتني كل هذه الافكار الحزينة وانا اقود سيارتي معزولة داخلها عن المحيط الخارجي. إذا فتحت نافذة سمعت اغاني حماسية ملتهبة بلهجة غريبة لا نتكلمها نحن اليمنيين تلوث مسمعي. فلا افتح النوافذ ابدا. كذلك لا افتح سقف سيارتي لأن صوت خطب سياسية يصلني وانا لا اريد ان اسمعها. لأن السياسة نجاسة. لذا ابقي كل ما حولي مغلق. انغلق على روحي داخل جدران سيارتي المغلقة. اشعر بالضيق فأتمنى أن اطير. ارى في السماء يعلوني سرب حمام فأحسده لأنه حرا طليق. اين العدل من اعمارنا المتلخبطة، اين الخلاص؟ اين المسير؟
فجأة وصلت شارع لا اعرفه. افكاري توغلت بي كما يبدو في غاباتها حتى ضللت الطريق. رأيت أمامي السنة لهب تشتعل وامرأة معصوبة العينين في وسط الحريق. تأملتها. هي العدالة معصوبة العينين ولا أحد غيرها. كم تجاهلتنا كم ادارت لنا ظهرها. هي الان تستنجد بي فلما اغيثها؟ قد تركتنا في اعماق مستنقع الظلم ثلاثين مليون غريق. سأتركها تحترق. سمعتها تبكي. أحسن، أحسن! تستحقين ان تحرقين. كانت ألسنة اللهب تعلوها وتنخفض تحتها وهي تصيح. كدت أشفق عليها. هي تخاف -لأنها معصوبة العينين- ان تحاول النفاذ بجلدها وتقفز فوق النار فتهبط في وسطها لأنها لا ترى اين النار. كان بإمكاني ان اجذب عن عينيها العصاب غير انني لم افعل. تستحق والله الحريق. هذه المسماة عدالة وهي بعيدة عن العدل بعد الفرح عن الضيق! سأتركها تجرب الألم الذي طالما اذاقتنا اياه وهي تتجاهل استجداءاتنا وتتعامى عن توسلاتنا. العالم الخارجي يقطع تذاكر لرحلات الى القمر، ونحن رجعنا نعتلي حمير! العدالة بددها عشاق الجيوب. من اجل المال حولوا اليمن الى حفنة تراب يطيرها الهبوب. 
ادرت مقود سيارتي لأرحل. من اَهمل يُهمل. ابتعدت عن الحريق ومعصوبة العينين تستغيث. جدي من أنصفتي فهم المديونين لك برد الجميل. اما انا – ولوحت بيدي – مع السلامة، باي! ابتعدت عن موقع الحريق. فجأة وبدون ان ارى أي حفرة وجدتني داخل سيارتي عالقين في هوة. حاولت جاهدة ان اخرجها من الحفرة فلم أفلح. فخرجت من سيارتي بمشقة شديدة لأن لم تكن المساحة بين باب السيارة وجدار الحفرة كافية لخروجي. بعد محاولات باسلة حررت نفسي من الحفرة وبدأت أمشي لكي أجد مكان اتصل بأحد اقاربي ليأتي لمساعدتي لأن موبايلي تهشم إربا، إربا من قوة السقوط. كنت امشي جاهدة احاول ان تنتظم انفاسي. انا في مصيبة كبيرة سيارتي في حفرة. انا كيف لم ار الحفرة؟ تأسفت لحالي فأعمانرا صارت ملخبطة لدرجة عدم رؤية حفرة. باغتتني قطة تلاحق قطة اخرى امامي فهربت منهما فالتوت ساقي وسقطت ارضا. قمت وانا مستاءة من هذا العاثر ابن العاثر حظي. مشيت وانا أعرج. التفت الى الوراء أحزنني منظر سيارتي في الحفرة. سيارة الانسان مثل قطعة من جسده في غلاتها. سمعت سيارتي هي الأخرى تستغيث. واصلت سيري مع بدء الظلام بعد المغرب. رأيت ضوء مصباح بقالة أمامي. اقتربت وانا اتوجع من التواء ساقي. فجأة سقطت على وجهي لأن البقالة كان امامها قطعة بلوك لم اراها. نزفت انفي. استنجدت بصاحب البقالة غير انه لم يخرج. حاولت انا أن امسح الدم الذي سال من أنفي بكمي، ثم حاولت الوقوف لأكتشف ان ظهري يؤلمني بقوة. ما حلقات الحظ السيء هذا التي تلازمني؟ اعوذ بالله من متلازمة سوء الحظ. نهضت بصعوبة لأدخل البقالة لكي اتصل فوجدت صاحب البقالة غير موجود. خرجت مستشعرة رعب ما يجري. كيف صاحب بقالة يترك ابواب بقالته مفتوحة ويجري؟ ما كل هذا الغرابة التي اعيشها، انا فعلا ما عدت أدري!  التفت للخلف لأرى سيارتي فأدمع المنظر عيناي. ثم لمحت خلف السيارة الحريق لازال يستعر ولازالت العدالة تستغيث. الا يكون ما يحدث لي عقاب؟  لا يصح تجاهل العدالة فهي اساس البقاء. اجل غلطت حين تركتها تحترق ورحلت عنها. منذ ذلك الحين والفشل يحيط بي. اجل قد نقوى على الاستغناء عن مبادئ كثيرة الا العدالة لا يصح ولا يجوز التغافل عنها. قررت ان اعود ادراجي اليها. عدت لأجدها مشتعلة لم يبق منها الا القليل. جذبت العصاب عن عينيها فرأت النيران وقفزت بعيدا عنها. وصلت وارتمت ارضا. لعلها اخذت درس ان تكون عادلة مع الجميع. وأنا ايضا اخذت درس ان بدون العدل لا شيء يستقيم. العدل يا جماعة... نحن نطالب فهل من عادل ينصف الجميع؟