آخر تحديث :الجمعة-06 يونيو 2025-11:33ص

وقفة مع رواية الدون كيخوته .

السبت - 05 نوفمبر 2022 - الساعة 03:00 م
عبدالله سالم النهدي

بقلم: عبدالله سالم النهدي
- ارشيف الكاتب


يعد النقاد ودارسو الأدب العالمي رواية ( الدون كيخوته دي لامانشا ) أو بالانجليزية ( الدون كيشوت) للكاتب الأسباني ميجيل سرفانتس أول رواية كتبت في العالم حسب أصول الفن  الروائي وقد كتبت بعيد خروج العرب من الأندلس .
وقد ترجمت للغة العربية ترجمات عدة سواء ترجمات مباشرة أو عن طريق لغات وسيطة..

ومن أشهر الترجمات ترجمة الدكتور عبدالرحمن بدوي، أما أوفى الترجمات وأفضلها الترجمة مباشرة من اللغة الأسبانية والتي قام بها عبدالعزير الأهواني ومراجعة الدكتور حسين مؤنس، ومع الأسف أن هذه الترجمة قد تعرض جزء منها للحذف من قبل الرقابة مما أغضب المترجم .
أما لماذا تعرضت هذه الترجمة للبتر؟
فمن وجهة نظري ومن خلال قراءتي للرواية في هذه الطبعة (التي أمتلك نسخة منها) فإن السبب الذي يبدو لي وبما أن هذه الترجمة كانت الترجمة الشاملة للنص الأصلي للرواية فقد احتوت الترجمة على ما احتوى عليه النص الأصلي من تعريض بكل ما يمت للإسلام والمسلمين والبلاد المسلمة وأكثر من ذلك، دون أن يقوم المترجم بحذف هذه التعريضات من ترجمته .

أما التعريضات في النص الأصلي فقد جاءت في سياق الحملة التي تعرض لها الإسلام والمسلمون لها بعد خروجهم من الأندلس. وقد قلنا سابقا إن الرواية كتبت في تلك الفترة.
ولكن من جهة أخرى كلما أتت الرواية على ذكر اليمن تصفها بالعربية السعيدة وتشيد بها .

الرواية تحكي عن الدون كيخوته الذي قضى أكثر عمره داخل مكتبة يقرأ في روايات الفروسية عن القدماء، وعندما قرر الخروج للمجتمع قرر أن يخرج كفارس من الفرسان ليحارب المردة والشياطين والطواغيت كما يتوهم .. بينما الزمن لم يعد زمن الفروسية ..
وهكذا ظل يحارب طواحين الهواء والرعاة في الحقول وكل ما وجده أمامه وتوهمه كما شاءت ظنونه، ممتطيا حصانه الهزيل (روسينانتي) الذي لم يبق منه إلا الجلد والعظام. ويرافقه تابعه (سانشو) على حماره.

مأساة دون كيخوته أنه عاش فكريا في عصور قديمة لعصره، من خلال انكبابه وانعزاله في مكتبته على مطالعة أحداث هذه العصور، وأفعال فرسانها وبطولاتهم ومعاركهم، فتشكلت ذهنيته على نسق هذه العصور، وارتبط بها وجدانيا ونفسيا، وعندما خرج لمجتمعه وزمنه المغاير كليا، أراد أن يحيا بما تشكلت عليه ذهنيته وتشرب به فكره، فاصطدم مع الواقع الذي كان قد تجاوز تلك العصور، كما أن الواقع لم يتقبله بهذه الوضعية التي دثرتها السنون والقرون.
فكان أن عاش حياة غريبة وعجيبة تبدو أقرب إلى السخرية والمهزلة، ولكنها في رأيي أقرب ماتكون إلى البكائية - أو مرثية- لعدم التألف مع الواقع في كل زمان ومكان.

ومن الصدف أن أول رواية أيضا في الأدب العربي- كما يعدها بعض النقاد، والأشهر أن رواية ( زينب ) لمحمد حسين هيكل باشا هي أول رواية في الأدب العربي - هي ( حديث عيسى بن هشام) للمويلحي تتحدث عن الرجل الذي خرج من قبره ليتحرك في مدينة تغيرت مكانا وزمانا وقيما وأخلاقا وعادات عن زمنه، ووجد نفسه في صدام مع هذا الواقع..
هذه الرواية نأمل أن تسعفنا الظروف للحديث عنها في وقت آخر.