الأخوة في الدين الإسلامي أقوى و أعم من الأخوة في النسب فهنالك الكثير من المواقف التي سمعنا عنها حيث أظهرت معادن الرجال و إليكم موقف حصل معي شخصياً قبل بضعة أشهر جسد هذه الموضوع و أكثر بكثير و إليكم حادثته :
كنت في طريق عودتي إلى بيتي قادماً من سيئون مع باص أجرة ثم فجأة توقف الباص على جانب الطريق و صعد فيه رجل مسن.
لم أره في حياتي من قبل ثم جلس بجانبي حيث كان الباص ممتلئ بالكامل و جلس يحدثني من أين أنت؟ و ماذا تدرس؟ فأجبته على جميع أسئلته حتى قال لي : (( هل تعرف فلان بن فلان؟)) قلت له : (( نعم )) فحكى لي مواقف من حياته مع تلك الشخصيات التي ذكر أسماءها علي و أستمر يقص علي بعض من مواقفه حتى حان الوقت المنتظر .
حان وقت الوصول وصل الرجل إلى وجهته و مبتغاه فصاح على سائق الباص قائلاً : (( عندك يا طيب )) فتوقف السائق على جانب الطريق في الجهة اليمنى من الشارع و وقف الرجل و قبل أن يتحرك و بينما هو واقف و يتجهز للخروج قال لي : (( أنتبه لنفسك يا عبدالله و أحرص على دراستك فهي سبيلك الوحيد للنجاح في حياتك الدنيويا و الأخروية ....)).
حقاً إخترقت تلك الكلمات فؤادي قبل عقلي و أثرت فيا خاصة بعد أن تلقيت خبر إنتقالي من ثانويتي التي درست فيها سنتين إلى ثانوية أخرى و عندها خرج الرجل و ذهب مع سائق الباص ليخرج أمتعته من الباص .
عندها أخفضت رأسي و الهموم و الأحزان منكبة علي فما لبثت أفكر فيما سافعله حال وصولي إلا أن الباص قد بدء في التحرك و أكملت رحلتي حتى وصلت إلى وجهتي فخرجت من الباص و أتجهت إلى نافذة السائق لأدفع له مبلغ الأجرة و ما إن ناولته المبلغ حتى صدمت بما قاله لي .
حيث قال : (( الأجرة مدفوعة )) قلت له : (( ماذا!! ومن دفعها؟)) قال : (( الرجل الذي خرج قبلك)) فتحرك الباص و ذهب و أنا ما زلت واقفاً وقفة الحيران كنت أعيش لحظة صدمة و ذهول و بدءت في المشي و ما زلت أفكر في هذا الموقف الذي ترك بصمة كبيرة في حياتي .......
منذ ذلك اليوم أدركت بشكل حقيقي أن معدن الإنسان يظهر في المواقف الشديدة و الحرجة و لقد أثبت ذلك الرجل و أظهر لي و لكم ما هو نوع معدنه.
فيا كم من موقف مماثل و شبيه بهذا الموقف قد حصل لأشخاص من قبلنا و حدثوا بهذه المواقف أخذاً للعبرة.
فجدير بي و بك أيها القارئ أن نتعلم من هذا الرجل و من هذا الموقف الذي حدث إيثار الغير على النفس و البذل في سبيل الله قدر المستطاع و الأهم من ذلك كله التيسير و مساعدة عابر السبيل قدر المستطاع.
