امذيب صالح احمد
في عام 1975م دخل أحد صغار أمراء السعودية على الملك فيصل في مجلسه وأغتاله أمام الناس ، والملك فيصل يختلف كثيراً عن اخوانه حكام المملكة العربية السعودية ، بل وحتى عن اخوانه في الدول العربية ، فهو يتحدث الفصحى بطلاقة ، كما أنه ذو ثقافة إسلامية عربية وخبرة سياسية دولية كبيرة بحكم تمثيله المملكة شرقاً وغرباً في العالم ، كما أن ثقافته الإسلامية ومخيلته التاريخية ذات ترجيع بعيد ، مما جعل غيرته على العروبة والإسلام لا تقبل المساومة أبداً مع الأعداء، حتى وأن أصطدم باخوانه العرب في السياسات التحررية داخل الوطن العربي ، لأن القضية الفلسطينية كانت همه الأكبر ، فالكيان الصهيوني يعتبر في نظره أم الخبائَث ومصدر الشرور للعرب .
فقد وقف داعماً للاءات جمال عبدالناصر في مؤتمر الخرطوم ، وحينما انفجرت حرب أكتوبر 1973م سارع بتأليب دول النفط العربية على وقف إمدادات النفط للدول الغربية وعلى رأسها امريكا التي كانت الحليف الأول لإسرائيل وراعيتها وحاميتها ،
باعتبار أن اسرائيل تشكل خنجراً صليبياً مغروزاً في الوطن العربي وقاعدة استراتيجية في المخطط الأمريكي للهيمنة على العالم رغم أن السعودية قد وفرت قواعد عسكرية لأمريكا في (الظهران) و(خميس مشيط ) التي كانت من أكبر القواعد النووية في ذلك الوقت .
أن قرار وقف النفط قد أصاب أمريكا بالذعر لأنها استطاعت قبل عامين فقط الاعتماد على المملكة العربية السعودية ودول النفط العربية في جعل الدولار عملة دولية للاحتياطات المالية باستخدام البترودولار بدلاً من الذهب بعد إلغاء اتفاقية ((بريتون وودز)) لتعزيز الهيمنة الأمريكية والسيطرة في العالم بواسطة الأساليب الاقتصادية والمالية في أمريكا وأوروبا لأن الطاقة المحركة للصناعة خاصة والاقتصاد عامة هي النفط . فاضطراب أسعار النفط أدى إلى اضطراب الأسعار والأسواق في العالم وعدم استقرارها مدة طويلة كما أن أسعار النفط تضاعفت أربع مرات خلال عامين بعد حرب أكتوبر مما أربك الاقتصاد الغربي بكامله.
ولما قررت أمريكا الانتقام رأت أنه لابد من التخلص من بعض الحكام وتأديب البعض الأخر بطرق مختلفة واستخدامهم لتسويق وتنفيذ بعض السياسات الأمريكية ضد العروبة والإسلام .
فبدأت أمريكا تبحت في ماهية القوة الخفية التي دفعت بحكام الدول العربية النفطية إلى وقف إمدادات النفط عن الغرب الاستعماري المهيمن عليها ، فأمريكا بلد رأسمالي استكباري قام على الاستعباد والاستغلال والطبقية والعنصرية ، وفلسفته الاقتصادية والاجتماعية تقوم على المنفعة الفردية والحرية الفردية والبقاء للأقوى ، وتعتبر كافة أنواع الاشتراكية بين الناس عدوها الأكبر ، ولما وجدت أن القوة الخفية التي دفعت العرب لاستخدام النفط كسلاح هو الإسلام قررت الحرب على الإسلام والمسلمين ، وعلى رأسهم العرب .
فالإسلام كما اكتشفته أمريكا هو دين مقاومة للظلم والطغيان والاستغلال ، ودين للتكافل الاجتماعي والمشاركة في الثروة بين الناس ، ودين للحكم بالحق والعدل بين الناس ، وهو منهج ونظام شامل للحياة الإنسانية سياسياً واجتماعياً واقتصادياً بل إنه فلسفة شاملة للحياة البشرية . فبدأت أمريكا تخطط وتتأمر على الدول العربية والإسلامية وعلى الإسلام مستعينين بالخبراء والمستشرقين والإعلاميين الدين تشبعوا بالروح الاستعمارية الصليبية وبالحقد على الإسلام من الصهاينة للبحث عن مداخل وشقوق لأحداث الفتن والتخريب والتفكيك والتحطيم داخل الدول الإسلامية والعربية وداخل المذاهب الإسلامية وعقائدها المختلفة .
ويمكن إيجاز الحرب على الإسلام والمسلمين في النقاط التالية:
(أ) الحرب على ما يسمى بالقاعدة في أفغانستان لحركة جهادية بدأت ضد الغزو الروسي لأفغانستان في عام 1980م وانتهت بالغزو الأمريكي لأفغانستان عام 2001م ، ثم فرخت فروع مشبوهة للقاعدة في مناطق مختلفة من العالم الإسلامي ومنظمات مشبوهة تدعي الجهاد باسم الإسلام كتنظيم الدولة داعش وخلافه.
(ب) الحرب على الدول الإسلامية بالفتن الداخلية والصراعات الإقليمية والحركات الانفصالية والتخريب الاقتصادي .
(ت) وضع الدول النفطية تحت شبح الحرب بعد أن أصبح البترو دولار هو الاحتياطي العالمي للمعاملات المالية بعد إلغاء قاعدة الذهب.
(ث) إثارة الفتن ضد الأقليات المسلمة في الكثير من الدول الأسيوية والأفريقية والأوروبية وخلق حالة من الرهاب الإسلامي.
(ج) استثارة القوى العنصرية والفاشية بالوهابية الإسلامية حتى تصعد أحزاب اليمين المتطرف لرفد الرأسمالية المتوحشة بالجشع والاستغلال وتقطع الطريق أمام عودة الاشتراكية أو التكافل الاجتماعي الإنساني كما هو الحال في النظام الإسلامي .
(ح) محاربة حركات التحرر الوطني أو المعارضة المناوئة للحكومات الموالية لدول الاستعمار الغربي بحجة الإرهاب.
(خ) محاربة كل الحركات السياسية التي تجعل مرجعيتها النظام الإسلامي مهما كانت سلميتها ووصفها بالإرهاب والتحريض عليها بواسطة الأتباع وأعداء الإسلام .
(د) تشويه المصطلحات الإسلامية من خلال تحريفها وسوء استعمالها فبدأت بوصف المجاهدين الذين شارك الغرب الاستعماري في تجنيدهم وتدريبهم ضد الروس في أفغانستان بالإرهابيين عام 2001م بعد حادثة برجي نيويورك المشبوهة ثم جعل الإعلام الغرب أ و إجتماعي أو قطري أو حزبي إو أقليمي .
وأن صور ومظاهر وأحداث الحرب على البلدان العربية والإسلامية التي حدثت وتحدث منذ عام 1973م .فاتخذت هذه الحرب إشكالاً متعددة وفي مجالات مختلفة .وبعض هذه الأحداث تبدو مدفوعة بنوازع محلية أو وطنية أو عربية أو إسلامية غير أنها ستندرج في مجملها ضمن سياسة "الفوضى الخلاقة " التي خططت لها القوى الاستعمارية والصهيونية بقيادة أمريكا لعرقلة التطور الحضاري للأمة العربية والإسلامية وجعلها تدور في خدمة المصالح الاستغلالية لها .
وسنحاول استعراض الأحداث والوقائع حسب سياقها التاريخي كلما أمكن ذلك رغم صعوبة الأمر ، وأول حدث بارز هو أغتيال الملك فيصل عام 1975م كما بيناه سابقاً.
التي ي الإرهاب ملازماً للإسلام في كل الوسائل التابعة له.
(ذ) والحرب ضد العروبة والإسلام فيها ما هو نفسي أو معنوي أو عقائدي أو ديني وما هو اقتصادي أو ما هو عسكري وما هو طائفي.
في عام 76م اشتعلت اشتباكات مسلحة بين الفلسطينيين في مخيم (تل الزعتر) وبين بعض اللبنانيين في شرق بيروت أوعز للحكومة السوريا بإرسال الجيش السوري إلى بيروت لمنع حدوث حرب أهلية بين فصائل لبنان وأخرى فلسطينية . ومن المعلوم أن الفلسطينين لم يتبقى لهم أي جبهة للمقاومة ضد إسرائيل من الخارج إلا جنوب لبنان بعد أن أقفلت الجبهة المصرية بعد الهزيمة سنة 1967م وأقفلت الجبهة الأردنية سنة عام 1969م بعد أصطدامهم بالجيش الأردني ، فغرق الجيش السوري في الفتن الأهلية لأنها توسعت بين الفلسطينيين وبين الفصائل الشيعية في جنوب لبنان ، وبين الفلسطينين وبين بعض الفصائل اللبنائية كذلك ، وفيما بين الفصائل اللبنانية بمختلف تركيباتها الطائفية ..
ارتكبت مذبحة بشعة ضد الفلسطينين العزل في مخيم صبرا وشاتيلا حيث قتل ما يقرب من ستة ألاف فلسطيني من الرجال والنساء والأطفال والشيوخ على يد قوات مشتركة من الكتائب اللبنانية والجيش الإسرائيلي .فنتج عن ذلك أن تكون جيش العميد لحد اللبناني ليحارب من داخل أسرائيل دفاعاًتها ضد المقاومة اللبنانية الصاعدة التي نشأت بعد دخول القوات السورية التي نشأت بعد دخول القوات السورية .
وخلال عام 1977م أشتد لهيب الحرب الأهلية في لبنان بعد تحريك مصادر الفتنة الحزبية والطائفية والأهلية وفي عام 1977م قام ملك المغرب الحسن الثاني بحملة سلمية سميث "بالمسيرة الخضراء " التي سار فيها الملك على رأس مظاهرة تتجاوز نصف مليون مغربي نحو "العين ووادي الذهب" وهي البلاد الصحراوية التي أنسحب منها الإستعمار الأسباني دون إقامة كيان سياسي خلفه ، مدعياً أنه يوجد الأرض المغربية ومعلناً ضمها للمملكة المغربية ، فأتار إعتراضاً عنيفاً من قبل الجزائر التي تقع على حدودها فتشكلت "جبهة البوليساريو" التي أعلنت قيام الجمهورية الصحراوية المستقلة مما أدى إلى نشوب صراع أقليمي بين الجزائر والمغرب حتى الأن.
في عام 1977م شن النظام الماركسي في جمهورية صوماليا حرباً على أثيوبيا الماركسية لإسترداد إقليم "أوجادين" في الجنوب الشرقي لأثيوبيا غير أنه لم ينجح بعد أن واجه جيشه قواتاً مشتركة من القوات الأثيوبية والقوات اليمنية الجنوبية التي كانت قد أرسلت سابقاً لمساعدة القوات الأثيوبيا قي حربها ضد الجبهات الأرتيرية المطالبة بالأنفصال ، فأدت هزيمة الجيش الصومالي إلى تبعثر الدولة الصومالية مناطقياً وقبلياً وإستقلال الصومال بإقليم أرض الصومال .
في عام 1977م قام الرئيس المصري أنور السادات بزيارة مفاجئة لدولة أسرائيل والقى خطاباً في الكنيست الأسرائيلي عارضاً الصلح والسلام مقابل الأرض . فصدم معظم العرب بهذه الزيارة فأستنكرتها بشدة بعض الدول العربية وقررت معارضتها فتشكلت منها "جبهة الصمود والتصدي" من العراق وسوريا والجزائر وليبيا واليمن الجنوبي ، وحدث إنشقاق بين العرب فنقلت الجامعة العربية من القاهرة إلى تونس أعواماً عديدة .ولم يعلم العرب أنذاك أن حرب أكتوبر كانت مجرد تحريك للمياه الراكدة بعد أن ضاق العالم الغربي من إغلاق قناة السويس وتضرر مصالحه الاقتصادية والتجارية.
فحرب أكتوبر كانت مقدمة للحل السياسي بين مصر وأسرائيل فإذا كان الجيش المصري البطل قد أستطاع العبور إلى الضفة الشرقية لقناة السويس في شهر رمضان المبارك فإن القيادة السياسية لم تشارك القيادة العسكرية خططها مما أدى إلى عبور القوات الإسرائيلية قناة السويس لأول مرة وإحتلال جنوب الضفة الغربية للقتال ومحاصرة الجيش الثاني المصري بل والتوغل إلى الكيلو مائة وواحد شرق مدينة القاهرة على طريق السويس حتى تكون المفاوضات التي رتب لها وزير الخارجية الأمريكي كيسنجر بين طرفي لاغالب ولا مغلوب فيهما.
في عام 1977م كان اليمن الشمالي يعيش أزهى سنواته منذ الثورة تحت حكم الرئيس الحمدي الذي أستطاع أن يحكم اليمن الشمالي حكماً رشيداً خالياً من الفساد والفوضى . فالحمدي بحكم ثقافته الإسلامية ونزاهته وأستقامته كان يرى في بعض شعارات اليمن الجنوبي الثورية ما يتفق مع القيم والمبادئ الإسلامية والعربية التي يحلم بها وخاصةً الوحدة التي يأمر بها الإسلام وتحتمها العروبة فلما استدعاه رئيس اليمن الجنوبي للقيام بترتيب مسالة الوحدة وافق سريعاً مع أن الرئيس سالمين كان رغم إيمانه العميق بالوحدة إلا أن اختياره للتوقيت كان مجاملة منه لأنقاد نفسه من انقضاض الحزب عليه بالنقد المرير الذي قد يعجل نهايته . لكن الرئيس الحمدي الذي تغلبت عليه المثل والقيم لم يكن يدرك أن اليمن واقع تحت تأثير القوى الخفية المعادية للعروبة والإسلام فتم اغتياله في مأدبة مزيفة قبيل سفره إلى عدن .
في عام 1978م كانت المملكة الإيرانية بقيادة شاه إيران تمتلك أقوى جيوش المنطقة وأكترها تسليحاً بسبب تبعيتها للهيمنة الأمريكية وانحيازها لإسرائيل ضد العرب فأرسلت إيران الشاه بشحنات أسلحة إلى الجيش الأفغاني في صفقة مشبوهة تبين أثرها في العام التالي حين قام الجيش الأفغاني بالإنقلاب على النظام الملكي وتطور بسرعة ليقع بيد ضباط ماركسيين طالبوا الاتحاد السوفيتي بالتدخل في بلادهم .
في عام 1978م حدث نزاع حدودي بين ليبيا وتشاد تحول فيما بعد إلى معارك مسلحة متقطعة بينهما لحوالي عشر سنوات خسرتها ليبيا بعد أن وقع في الأسر قائد القوات الليبية خليفة حفتر الذي تدخلت المخابرات الأمريكية لفكه وإرساله إلى أمريكا .
في عام 1978م تم اغتيال رئيس اليمن الشمالي (الغشمي) بشنطة ملغومة أرسلت له من القيادة السياسية لدولة اليمن الجنوبي تبدو في ظاهرها انتقاما لمقتل الرئيس (الحمدي) وهي في جوهرها حركة تمويهية أستخدم للتغطية على إنقلاب دموي سيقوده الحزب الحاكم بإشراف روسيا بعد شهور على الرئيس (سالمين) بسبب سياسة الانفتاح التي بدأها مع السعودية وانتقاده الشديد للدعم الزائف من روسيا وحلفائها . وحينما حدث الإنقلاب أعدم الرئيس (سالمين) مع مجموعة من الموالين له كما ضربت القوات العسكرية التي حاولت الوقوف معه وأعلان بعد ذلك قيام الحزب الإشتراكي في ظلال المبادئ الماركسية .
في عام 1979م قام الجيش الأفعاني بإنقلاب على النظام الملكي في أفغانستان وأستطاع بعض الضباط الماركسين أن يسيطروا على الحكم فأستدرج الجيش الروسي إلى إحتلال أفغانستان في نفس الوقت ظناً من القيادة السوفيتية أنها تستطيع توسيع نفوذها دولياً فواجهها الشعب الأفغاني بحرب عصابات شاملة وأستطاعت أمريكا أن تقنع المملكة العربية السعودية بفتح باب الجهاد للشباب العرب الذين تطوع الكثير منهم فكونوا طلائع المجاهدين بقيادة أسامة بن لادن ووصفوا فيما (بالقاعدة) وتحولت أفغانستان إلى ميدان حرب مدة عشر سنوات حتى عام 1989م حين أنسحب الجيش الروسي مهزوماً تشردم بعده الإتحاد السوفيتي .وقد كان للأمريكان دوراً كبيراً في إضعاف الطيران الحربي الروسي .
في عام 1979م قامت ثورة شعبية ضد حكم الشاه في إيران سقطت فيها جميع أجهزة الدولة العسكرية والمدنية كما هرب الشاه وجيئ (بالخميني) من فرنسا كقائد لثورة إسلامية شيعية فأنقلبت الأوضاع السياسية في إيران رأساً على عقب فألغيت الملكية والنظام العلماني الغربي في الحكم وأرست الثورة قواعد الحكم الإسلامي بتطبيق الشريعة الإسلامية وجعل المرجعية الإسلامية أساس النظام السياسي وأبيدت الأحزاب العلمانية وعلى رأسها الحزب الشيوعي كما وضع دستور إسلامي جاعلاً (ولاية الفقيه) بدية عن (المهدي المنتظر) الذي يعتمد عليه المذهب الشيعي في منهج الحكم وبهذا أصبحت إيران أول دولة تقوم على نظام إسلامي بطريقة معاصرة وهو مايستفز الدول المجاورة ذات النظم العلمانية الغربية.
في عام 1979م قام اليمن الجنوبي بشن حرب شاملة على اليمن الشمالي مستهدفاً توحيد اليمن على أسس أشتراكية بعد أن مهد لذلك بتأسيس جبهة وطنية من القوى الثورية الشمالية في الجنوب التي قامت بحرب عصابات ضد النظام في الشمال عدة سنوات غير أنها جوبهت بمقاومة شديدة من الحركة الاسلامية التي حظيت بدعم السلطة في الشمال ، ولما لم تجد القوات الجنوبية التأييد والمناصرة من القوى الفاعلة في الشمال شعرت بالخيبة والفشل فجرجرت أذيلل الهزيمة منسحبة إلى الجنوب فدفع أمين عام الحزب الذي يرأس الدولة أيضاً وبعض موالييه ثمن ذلك بأن أطيح بهم غي عاصفة إجتياح حزبية.
في عام 1979م قامت مجموعة مسلحة من متشددي السلفيين تقدر بمئتي شخص بقيادة (جهيمان) بإحتلال المسجد الحرام . وجهيمان العتيبي هو ضابط متقاعد من الحرس الوطني أطلع كثيراً على المعارف والعلوم الدينية وأستطاع أن يستقطب حوله الكثير من الأنصار بسبب شخصيته الجاذبة ومدعياً أنه المهدي المنتظر. ولم تستطع القوات السعودية إخراج هذه الجماعة السلفية المسلحة من المسجد الحرام بأقل قدر من الدمار إلا بعد أن استعانت بخبراء فرنسيين في طرق إخراجهم .وقد كان لهذه الحركة أثر كبير في تحريض الشباب على الجهاد في أفغانستان وإثارة أضطربات مسلحة فيما بعد عودتهم من أفغانستان داخل المملكة السعودية كادت تقلب نظام حكمها .
في عام 1980م أنفجرت الحرب العراقية الإيرانية التي أستمرت حتى عام 1988م وذهب ضحيتها الألوف من الجانبين والسبب في ذلك أن نظام الحكم في العراق كان علمانياً قومياً بينما نصف سكانه تقريباً من أتباع المذهب الشيعي أما إيران فقد أصبح نظام حكمها إسلامياً شيعياَ وبما أن أمامها الخميني قد أصبح إماماً للشيعة عامة فقد توجس العراق العلماني خيفة أمتداد تأثير إيران على شيعة العراق خاصةً أن حزب الدعوة الشيعي المعارض موجود في إيران .
فكل الفرق الشيعية مثقفة على :"أن الإمامة ركن من أركان الإسلام فمن لم يؤمن بالإمام فهو غير مؤمن".
ولما أستقرت الحرب وقفت دول الخليج داعمة للعراق وحاول العراق تصوير الصراع على أساس قومي بين الغرب والعرب بينما تجار السلاح الأمريكان يعرضون صفقاتهم في بغداد برئاسة (رامسفيلد) الذي أصبح وزيراً للدفاع الأمريكي عند غزو العراق لاحقاً في عام 2004م .
في عام 1981م أعلن قيام (مجلس التعاون الخليجي) وتكون من دول النفط العربية المطلة على الخليج بإستثناء العراق التي كانت منشغلة بالحرب العراقية الإيرانية ، وداخلة في جبهة الصمود والتصدي ضد اتفاقية كامب دافيد بين مصر وإسرائيل التي جلبت الشقاق بين العرب مما أدى إلى نقل الجامعة العربية إلى تونس فجاء مجلس التعاون الخليجي ليوسع الشقاق رغم إنه لايختلف كثيراً عن التكوين الضعيف للجامعة العربية شكلاً ومضموناً. فقد نشأ بعده (مجلس التعاون العربي ) بين مصر والعراق والأردن واليمن الشمالي تم تلاه قيام (مجلس التعاون المغاربي) لدول المغرب العربي ، وهكذا أصبحت الدول العربية موزعة بين محاور إقليمية مختلفة وجامعة عربية هزيلة عاكسة بذلك روح إتفاقية (سايكس بيكو) الإستعمارية.
في عام 1982م دُبرت حادثة في إحدى الكليات العسكرية السورية أدت إلى مقتل بعض الأشخاص مما جعل النظام العسكري الحاكم يوجه التهمة للحركة الإسلامية في مدينة حماة فقام النظام العسكري بحملة عسكرية بقيادة شقيق رئيس الدولة فهاجم مدينة حماة بالطائرات والمدفعية والدبابات مستمرة عدة أيام مما أدى إلى مقتل مالا يقل عن ثلاثين ألف شخص وتدمير المدينة تقريباً ، وهو ما خلق حالة من الشقاق داخل المجتمع السوري في الوقت الذي كانت فيه سوريا غارقة في مستنقع الفتن الأهلية في لبنان .وبعد عدة أشهر قامت إسرائيل من نفس العام بغزو جنوب لبنان حتى حوصر الفلسطينيون بين الجيش الإسرائيلي من الجنوب وبين الجيش السوري في بيروت وتم الضغط على المقاومة الفلسطينية في لبنان حتى أخرجت قيادتها ومقاوميها .فذهبت قيادتها إلى تونس وذهب بقية مقاوميها إلى اليمن الجنوبي . تم أرتكبت مذبحة بشعة في مخيم (صبرا وشاتيلا) الفلسطيني قتل فيها مالايقل عن ستة ألاف شخص على يد القوات الإسرائيلية وقوات حزب الكتائب اللبناني .كما إستطاعت إسرائيل تكوين جيش للعميد لحود اللبناني داخل إسرائيل ليحارب دفاعاً عن إسرائيل المقاومة اللبنانية الصاعدة بقيادة حزب الله اللبناني التي نشأت بعد دخول القوات السورية إلى لبنان.
في عام 1981م أُغتيل الرئيس السادات في مصر بطريقة مسرحية أثناء إستعراض عسكري بمناسبة وطنية بسبب إتفاقية (كامب ديفد) التي تعترف بوجود الكيان الصهيوني على أرض فلسطين في منطقة الشام . وبما أن مصر هي الدولة العربية الوحيدة التي تمتد أراضيها شرقاً في أسيا وغرباً في أفريقيا فقد أدركت قياداتها السياسية طوال العصور أهمية العلاقة الإستراتيجية بين الشام ومصر ، وكان جمال عبدالناصر هو أخر القادة المدركين إدراكاً كاملاً لهذه العلاقة الهامة . فهو بالإضافة إلى وعيه التاريخي فقد شارك في حرب فلسطين عام 1948م وتعرض للحصار من قبل القوات الصهيونية مرتين في فلسطين إلا أن مقاتلي حركة الأخوان المسلمين المشاركة في الحرب إستطاعت فك الحصار عنه ، وحين أستولى على الحكم في مصر كان قطاع غزة تحت الحكم المري حتى خسرت القطاع في حرب 1967م .لذلك كان القيادة السياسية في عهد عبدالناصر هدفها تحرير فلسطين تحريراً كاملاً .أما حين أستلم السادات حكم مصر بعد وفاة عبدالناصر فقد تراجع هدف تحرير فلسطين إلى مجرد عبور قناة السويس وتحرير سيناء فقط . وبما أن الرئيس السادات كان رفيقاً لعبدالناصر إلا إنه كان أكثر رضوخاً للضغوط الغربية في التقاسم مع إسرائيل ولكنه كان متمسكاً بالحفاظ على بعض الحقوق للفلسطينين ضن إتفاقية (كامب ديفد) التي سوف تضييع بعد غيابه .فلما أنتهى حكم السادات تولى حسني مبارك السلطة الذي أنفتح إنفتاحاً كاملاً على السياسات الغربية والتغلغل الإسرائيلي داخل مصر حتى وصل الأمر إلى بناء جدار حديدي بين غزة ومصر حتى لايستطيع الفلسطينيون التواصل مع مصر عبر الأنفاق .فقد خرجت قضية فلسطين لدى القيادة المصرية إلى مستوى الوساطة للتخفيف من عدون الصهاينة المتزايد على الحقوق الفلسطينية من خلال أتفاقية (أسلو) التي تمكن إسرائيل من التلاعب بفلسطين لدى الدول العربية التي كانت تعتمد على مصر في القيادة.
عندما تولى (علي ناصر محمد) رئاسة الدولة في اليمن الجنوبي عام 1980م إستطاع بحصافة تحسين العلاقات مع الشمال ، وحاول الإنفتاح السياسي والإقتصادي وتدرج وأستكانت أحوال الجنوب الداخلية والخارجية .غير أنه جاء في وقت بدأ فيه العد التنازلي لسقوط الإتحاد السوفيتي ومنظومته الإشتراكية .
فبعد حوالي عامين من تولى الرئيس (علي ناصر محمد) الحكم دب الخلاف في الحزب وأتسعت دائرته في الدولة والمجتمع وإذا بمظاهر الخلاف تظهر في الشارع وتختفي وهكذا دواليك فالمخابرات الخارجية لدول كبرى تدير الفتن وتطبخها على مدار ثلاثة أعوام حتى أنفجرت في أوائل عام 1986م .
ويبدو من الأحداث وسيرها أن الجهات الخارجة المؤثرة في هذه الفتنة الكبرى هي روسيا وألمانيا الشرقية من جهة وأمريكا وبريطانيا من جهة أخرى .وكانت الأسباب المعلنة حزبياً هي صراع حزبي حول أساليب النهج الإشتراكي .فلما أنفجرت الفتنة وحدثت مذبحة المكتب السياسي مع عدة مذابح أخرى في أجهزة الحزب والدولة العسكرية والأمنية أنشق الحزب والجيش والأمن والدولة على أسس مناطقية وقبلية وشللية فقتل ألاف الناس وأعتقل وشرد وهرب ألاف أخرى إلى اليمن الشمالي . وقد ظلت أثار هذه الفتنة تسحب نفسها على اليمن الجنوبي حتى اليوم بحيث أستطاع أعداء اليمن أستغلالها في زرع الشقاق والخلاف تحقيقاً لمصالحهم ومصالح القوى الإستعمارية. (ويليه الجزء الثاني ويشمل العراق والكويت والصومال والسودان وباكستان واندونيسيا والبلقان ونيجيريا ومصر وتونس وليبيا واليمن وسوريا وأفغانستان وماينمار والهند).