آخر تحديث :السبت-07 يونيو 2025-05:17م

قراءة في ملف الاتفاق السعودي الإيراني ومخططات حكومة الاحتلال الإسرائيلي

الثلاثاء - 21 مارس 2023 - الساعة 03:12 م
محمد مرشد عقابي

بقلم: محمد مرشد عقابي
- ارشيف الكاتب


يرى الكثير من المحللين العرب على مختلف توجهاتهم السياسية والطائفية بإنه وقبل الحديث عن الدلالات للاتفاق المبرم والذي جرى توقيعه في العاشر من مارس الجاري 2023، في بكين بين المملكة العربية السعودية وإيران، لا بد أن مباركة مثل هذه الخطوات من منطلق قومي وإسلامي، فأي تقارب بين دول المنطقة العربية والإسلامية هو بالطبع ينعكس على استقرار المنطقة بالدرجة الأولى، وإخراجها من ملعب الصراعات الدولية التي ترى في زيادة الاحتقان بينها مطلباً مهماً لتحقيق مآربها ومصالحها وإبقائها في بؤر التوتر والنزاعات، لذلك من المناسب أن نشيد بأية خطوة في المنطقة تقطع حبال المؤامرات وتستثمر في الخلافات بين أبناء الأُمة الواحدة، مشيدين بفعل وزير الخارجية السعودي عندما قال في أعقاب الاتفاق: إن عودة العلاقات بما يجمع دول المنطقة من مصير واحد وقواسم مشتركة.

ورأى محللين، إنه مع مجيء الملك سلمان بن عبدالعزيز وسياسة الأحلاف التي تبنتها الإدارة الأميركية بقيادة السعودية، جعلت منها تظهر بموقف المتصدر كخط دفاع أمامي في مواجهة ما يسمى بالمحور المقاوم للسياسة الأميركية - الإسرائيلية في المنطقة، لكن قيادة المملكة أدركت يوماً بعد آخر أن قوة التيار التي تناهضه تتحرك على الأرض، بخلاف ما يتم تصويره في وسائل الإعلام الغربية هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى أن عداءها ضد معظم المحيط المجاور لها يجعلها داخل حلقة من نار، وأن تماسك ما يسمى بالمحور المقاوم لأميركا وإسرائيل الذي يراد منها مواجهته عصياً على الانكسار، ولا يمكن أن يتفتت، فالنظام السوري يزداد صموداً وتزداد حاضنته الشعبية، وشعب العربية اليمنية يزداد يلتف خلف قيادة ميليشات الحوثي، والتيار الذي كان من المؤمل أن يقسم البيت الشيعي في العراق ويزج به في أتون حرب أهلية ظهر أنه أشبه بكاميرا خفية عندما دقت ساعة الصفر، والدعم المهول للانتخابات في لبنان لم تستطع أن تغير من موازين القوى رغم ما تم بذله من أموال وضغوط سياسية واقتصادية، بالإضافة إلى ذلك ضعف المحور الأميركي الغربي الحليف الرئيسي لها، وإخفاقه في أكثر من صعيد إقليمي ودولي، مع بروز القوة الصينية - الروسية كمنافس قوي للحلف الأميركي الغربي،
كل هذه العوامل جعلت من الرياض تعيد حساباتها بما يتماشى مع مصالحها الإقليمية والدولية.

وبحسب مراقبين، فإن كثير من المؤشرات تدل أن الاتفاق بين السعودية وإيران كان بوساطة روسية بالأَساس، وما الزيارات والوفود التي شهدتها موسكو في الأسابيع السابقة إلا خير دليل، لكن أن يتم التوقيع في موسكو كان له انهيار معنوي للمنظومة الغربية خصوصاً مع النكسات التي تلاحقها في أوكرانيا، فالتحالف الأنجلو أمريكي لديه عقدة راسخة منذ زمن أن يرى روسيا تعود إلى الشرق، لذلك ظهرت الصين التي لا تتمتع بأحلاف تاريخية على مستوى المنطقة هي من ترعى الاتفاق للحد من تأثيراته، لكن اللاعب الحقيقي والخفي هي روسيا، والخلاصة أن دلالات هذا الاتفاق له ما بعده على مستوى المنطقة، وأن توقع السعودية وبتغاض من حلفائها التاريخيين اتفاقاً مع إيران من عاصمة الصين هو من باب مكره أخاك لا بطل وتبقى هذه الخطوة ممتازة وجديرة بالإشادة، طالما وهي تضمن تسوية الخلافات مع المحيط في المنطقة على أساس الاحترام المتبادل وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول، وإقامة علاقات طبيعية معها، بما يكفل حسن الجوار المتبادل، وهذه الخطوة أحرجت وستحرج الكثير من الحلفاء الإقليميين الذين كانوا يدفعون المملكة بقوة لتصدر المواجهة بالنيابة ضد النظام الإيراني بما يعفيهم من حدتها وإيجاد هامش كبير بالبقاء ضمن سياسة التوازنات السياسية، فمن حق السعودية أن تحلحل كومة المشاكل التي تهدد وجودها وأن تعيش في جو من العلاقات الطبيعية مع جيرانها ومحيطها الإقليمي والدولي.

*حكومة نتنياهو تفتح النار على الخارج*

قبل أن يشكل نتنياهو حكومته اليمينية السادسة التي ضم إليها أكثر الأحزاب اليمينية المتطرفة في كيانه وكبل نفسه وقيد حكومته باتفاقيات ثنائية ومتعددة مع شركائه في الائتلاف وكشف فيها عن سياساته المتطرفة ومخططاته الانقلابية تجاه الداخل والخارج أخذ الشارع الإسرائيلي في تنظيم المظاهرات ضد حكومته وأركانها محاولاً تعطيل تشكيلها ولكنها اشتدت وقويت وأخذت أشكالاً منظمة وواسعة بعد نجاحه في تشكيلها وما زالت قوى المعارضة الإسرائيلية بديل نتنياهو تصر على إسقاطه وحكومته وحرمانه من العمل السياسي وتقديمه إلى المحاكمة.

وأمام هذه التحديات التي يدرك أنها صعبة وليست سهلة وأنها جادة وليست عابثة وأنها قد تسقطه وحكومته فعلاً وقد تحرمه وتجرده وتحاكمه، لجأ نتنياهو إلى خداع الشارع وتبنى لعبة الهروب إلى الأمام للتخلص مما يواجهه وحكومته وخلق تحديات أخرى حقيقية ووهمية علها تخفف من حالة الاحتقان التي تعيشها وترفع عنها بؤس الحصار الذي يحدق بها وتعمي عنها عيون المتظاهرين وتشغل الشعب بملفات أخرى تنسيه المطالبة بإسقاطها ورئيسها في محاولة يائسة لكسب الشارع إلى جانبها بحجة التصدي للتهديدات الخارجية التي تستهدفهم جميعاً حكومة ومعارضة وكياناً وشعباً.

ووفقاً لمراقبين، فقد لجأ نتنياهو داخلياً إلى إشعال الشارع الفلسطيني وتوتير الأجواء وتصعيد الأوضاع الأمنية وتهيئة الظروف للمواجهات العسكرية وأقدم إلى جانب قصف مواقع عديدة في قطاع غزة على القيام بإجراءات وأعمال من شأنها دفع الفلسطينيين للثورة والغضب والثأر والانتقام فاجتاح مناطقهم وعاث فساداً في بلداتهم ولاحق أبناءهم واغتال نشطاءهم وهدم بيوتهم وأوحى لمستوطنيه أن حياتهم وكيانهم في خطر وكأنه يقول لهم لا وقت للمماحكة الداخلية ولا للاختلافات البينية فالخطر داهم والعدو قادم.

أما خارجياً فقد أثار نتنياهو من جهة رعب شعبه وأخاف مستوطنيه بحديثه المتكرر عن النظام الإيراني ومشروعه النووي وضرورة الاستعداد لمواجهته والتصدي له، مبيناً أنها العدو الأكبر والخطر الأشد الذي يهدد كيانهم وأن خطره يزداد بقوة وبسرعة بعد أن نجح نظام إيران في تخصيب اليوارنيوم إلى مستوياتٍ متقدمة تتجاوز عتبة ألـ 84-90%، مما يجعلها قادرة فنياً خلال أيام قليلة من قرارها إنتاج أسلحة نووية.

وفي الضفة الأخرى، لم يغفل الجبهة الشمالية وقوة ميليشيات حزب الله اللبناني بل سلط الضوء عليها، واستعرض المخاطر المحتملة منها وأوحى إلى سكان مدن الشمال وقادة المستوطنين فيها أن الخطر الكامن في الشمال كبير وأنه يجب عليهم التعاون مع الجيش والأجهزة الأمنية لإحباط أي عمل إرهابي ومعادي والتصدي له، ولعل الحملة الإعلامية والتحذيرات الأمنية التي أطلقها بعد عبوة مجدو قد ساعدته كثيراً في تعميم فلسفته الخبيثة في أوساط الإسرائيليين عموماً وسكان الشمال على وجه الخصوص.

وضمن هذه السياسة أطلق نتنياهو العنان لشركائه المتطرفين جميعاً وفي المقدمة منهم إيتمار بن غفير وبتسلئيل سموتريتش ووزير الحرب ورئيس الأركان وسمح لهم بترجمة أفكارهم وتنفيذ مخططاتهم والمضي قدماً حتى النهاية في مواجهة الفلسطينيين والتصدي لهم، وأيد سياسة الجيش والأجهزة الأمنية الخشنة ضد الفلسطينيين وسمح لهم باستخدام القوة المفرطة والسلاح المميت ووافق على تغيير تعليمات إطلاق النار بحجة إحباط العمليات وتحييد المنفذين، وسمح لهم بالعمل على توسيع الاستيطان وحماية البؤر العشوائية وأجاز لهم هدم البيوت وطرد السكان وسحب الهويات ومنع الإقامة ومصادرة الأراضي والأموال وفتح الباب واسعاً أمام الكنيست ليشرع قوانين عنصرية وأخرى من شأنها التضييق على الفلسطينيين وتيسير اقتلاعهم من أرضهم وطردهم منها.

كما أيد إجراءات شركائه ضد الأسرى والمعتقلين الذين ضيقوا عليهم وسحبوا كل الامتيازات منهم وأوصوا مصلحة السجون بالقسوة عليهم والمواظبة على تعذيبهم وعدم التهاون في التعامل معهم ولم يعارض تشريع قوانين تجيز إعدامهم وأخرى تجيز طردهم ومصادرة أموالهم وسحب الجنسية منهم.

ويرى مراقبين، بإن نتنياهو لم يترك سبيلاً للهروب إلى الأمام إلا وسلكه ولم يدع وسيلة تحريضية إلا واستخدمها إلا أنه سيفشل ولن ينجح وسيصعد أكثر لكن نحو الهاوية فهو أكثر من يدرك أنه ومركبه غارق وأن مصيره مجهول غامض وأن حكومته لن تصمد طويلاً وهي التي تنازل فيها عن كثير من صلاحياته لشركائه ليسترضيهم ويستبقيهم إلى جانبه ولكنهم زادوه رهقاً ولم ينفعوه وأغرقوه أكثر ولن ينقذوه، وما يزيد في أزمته ويستعصي عليه الخروج منها أنه يعلم يقيناً أن الشعب الفلسطيني لن يصبر عليه كثيراً ولن يسكت على سياسة حكومته طويلاً ولن ينام على الضيم ويرضى به ولن يقبل بالظلم ويتعايش معه ولن يخذل الواثقين فيه والمتأملين به فلا يثأر لهم ولا ينتقم من قاتلهم بل سيواجه عدوانه وخبثه بما يصدمه ويذهله وسيرد عليه بما يؤلمه ويوجعه وما يراه على الأرض في نابلس وجنين وفي القدس وتل أبيب خير دليل وأصدق برهان.