بين حين وآخر يسعدنا أن نقدم لكم موضوعاً شيقاً ومختصراً حتى نحلق قليلاً بأجنحة الشوق في سماء الأدب .. وكما تعودنا أن نكسر روتين المطالعة ( اليومية ) في مواقع التواصل الاجتماعي فنستفيد ونطالع نبذاً أدبية مختارة ومختصرة.
وقد اخترنا في هذه السانحة فقرات من مقال شيق عن ( نشأة الكتابة عند العرب ) ومرجعها: مجلة جامعة أم القرى .. في بحث جميل عن ( فن التوقيعات الأدبية في العصر الإسلامي والأموي والعباسي ) لـ د. حمد بن ناصر الدخيل الأستاذ المشارك في كلية اللغة العربية - جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية .. فهيا إلى القراءة يا كل محب للأدب..
كان العرب في الجاهلية يعرفون الكتابة، ولكنها لم تكن فنًا منتشرًا في جميع بلدانهم وبيئاتهم، بل كان الذين يجيدونها عدد قليل، يقيمون في الحواضر والمدن. ومن المدن والبيئات التي عرفت الكتابة في الجاهلية، الأنبار، والحيرة، ودومة الجندل، ومكة والطائف، والمدينة، والشام ..
ولم يقتصر الأمر على معرفة الكتابة في المدن المذكورة وما ماثلها، بل كانت في الجاهلية مدارس وكتاتيب تتيح للفتيان والفتيات تعلمها.
وكان بعض اليهود في المدينة يعرف الكتابة بالعربية - إلى جانب معرفته الكتاب بالعبرية - ويعلمها للصبيان، فلما جاء الإسلام كان في الأوس والخزرج عدد من الكُتّاب، وبعضهم كان يكتب بالعربية والعبرية، كزيد بن ثابت.
ولم تقتصر معرفة الكتابة في العصر الجاهلي على الرجال، بل كان لبعض النساء معرفة بها، كالشِّفاء بنت عبد الله القرشية العدوية من رهط عمر بن الخطاب، وكانت كاتبة في الجاهلية، وعلمت حفصة زوج الرسول صلى الله عليه وسلم الكتابةَ بأمرٍ منه، كما علمتها رقية النملة فأصبحت حفصةُ كاتبةً.
والعرب في الجاهلية كانوا - كغيرهم من الأمم - في حاجة ماسة إلى معرفة الكتابة، لتدوين كتبهم الدينية، وإثبات شروطهم وعقودهم في معاملاتهم التجارية، وتنظيم شؤون حياتهم ويذهب بعض الباحثين إلى أن بعض شعراء الجاهلية كانوا يحرصون على تقييد أشعارهم كتابة.
ونستخلص مما تقدم أن الكتابة كانت معروفة في العصر الجاهلي .. أما في عصر صدر الإسلام فلا يماري أحد في معرفتها وانتشارها والحرص على تعلمها، والإقبال على حذقها. واعتمد عليها الرسول صلى الله عليه وسلم في بعث رسائله إلى الملوك والرؤساء والأباطرة التي دعاهم فيها إلى الدخول في الإسلام.
واعتمد عليها الخلفاء الراشدون في تبليغ أوامرهم وتوجيهاتهم إلى الولاة والقادة والقضاة، ومهدت السبيل إلى نشأة التوقيعات في وقت مبكر من نشأة الدولة الإسلامية. وكانت هذه النشأة إرهاصًا لتطورها في العصر الأموي، وازدهارها في العصر العباسي الأول، والعصر العباسي الثاني اللذين تمخضا عن إنشاء ديوان خاص بها، لا يعين فيه إلا كبار الكتاب والبلغاء.