آخر تحديث :الثلاثاء-06 مايو 2025-02:29ص

هل فوائد البنوك ربوية؟

الثلاثاء - 04 أبريل 2023 - الساعة 02:44 م
أمذيب صالح احمد

بقلم: أمذيب صالح احمد
- ارشيف الكاتب


 

امذيب صالح احمد

جاء في كتابنا (التنميه البشريه في المفهوم الإسلامي) الصادر عام 2006عن دار عبادي مايلي:

"ان العمل ينتج الخيرات المادية من خلال استغلاله للطبيعة ومواردها. وهذه الخيرات المادية تتحول في صورة سلع تارة وفي صورة ممتلكات عينية او نقدية تارة اخرى وإذا كان استثمار المال يصنع المال فينبغي علينا ان نتذكر جيدا ان المال من صنع العمل الإنساني كما ان المال لا يصنع المال الآخر الا بواسطة عمل الانسان ذاته فالإسلام حرم اكتناز المال وحذر من دوران المال بين الاغنياء فقط الناشئ أيضاً عن السياسات الاقتصادية الخاطئة المؤدية الى إفقار الفقراء وإغناء الأغنياء التي تطبقها بعض الدول الرأسمالية وفقاً للمذاهب النفعية الخاصة والفردية. يقول تعالى: كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاء (الحشر/7). كما حرم استثمار الأموال في الأعمال الربوية وذلك للأسباب الهامة التالية: (1)إن اكتناز المال يعني عدم استثمار المال فيما يفيد المجتمع وأفراده من خلال توفير فرص العمل والرزق للآخرين لان حبس المال هو تجميد لنشاط الآخرين وعملهم السابق الذي تحول الى مال مكتنز. وحينما يستثمر المال فإنه يتحول الى عمل ونشاط إنساني متجدد بحركة الآخرين وبركتهم. (2)ان كثرة استثمار الأموال في الإقراض الربوي يقلل من اهتمام المستثمر في دفع أموال الزكاة وفي دفع أموال الصدقات التي تعتبر من ركائز التزكية والتطهير في مجتمع التكافل والتضامن الاسلامي. (3)ان اعمال الربا الناشئة عن الاستثمار في الإقراض والاقتراض (ربا النسيئة) وأعمال الربا الناشئة عن اختلال المبادلات التجارية (ربا الفضل) بين الأفراد او الهيئات او الدول التي تتسبب في إلحاق الظلم او الباطل او الاستغلال لأحد الطرفين تعتبر حراماً كاملاً وليس في شروط الإقراض او الاقتراض التي لا تلحق بأحد الأطراف ظلماً او باطلاً او استغلالاً لان علة التحريم وحكمته في الإسلام كانت تهدف الى تخليص الناس من أحكام الجاهلية الربوية التي كانت تؤدي اما الى الإفقار والإفلاس او تؤدي الى بيع الأملاك والأعراض او تؤدي الى استعباد الناس او تؤدي الى الفقر والإفقار كما ان اكتناز المال وعدم استثماره يؤديان الى منع الصدقة والزكاة وإضعاف التكافل الاجتماعي. وهي نفس الأسباب والنتائج للمعاملات الربوية التي تعاني منها الشعوب والدول الفقيرة. ولنا ان نتذكر عدم قدرة دول الجنوب الفقيرة من مجموعة الـ(77) على سداد فوائد الديون وخدماتها للدول الكبرى ومؤسساتها المالية كالبنك الدولي وصندوق النقد الدولي في العقود الأخيرة من القرن الماضي حينما أعلنت البرازيل وبعض دول الجنوب الاخرى عن رفضها سداد ديونها الربوية التي أثقلت كاهلها اقتصادياً حتى إنها عجزت عن سداد الديون للآخرين لان سدادها كان سيؤدي الى إفقار اجتماعي للشعب البرازيلي وانهيار اقتصادي لدولتة.

ان الربا المحرم يكمن في الشروط المجحفة بين الأطراف سواء كان بين الأفراد او المؤسسات او البنوك او الدول التي تجلب على احد أطرافها ظلماً او باطلاً او استغلالاً. فبيع الممتلكات العامة وبيع السيادة والكرامة وسياسات الإفقار والبطالة وسياسة تقوية المصالح الخاصة والفردية على حساب المصالح العامة والجماعية هي من نتائج​ المعاملات الاقتصادية الربوية. ان الربا هو ليس في فائدة مصرفية معروفة سلفاً او لاحقاً بل هي في كل معاملة مالية تقتل عمل الانسان ونشاطه وحياته وتؤثر على مجتمعه ودولته. فإذا كان ربا الجاهلية يؤدي الى إفقار المدين وإفلاسه وبيع أملاكه وبيع عرضه واستعباده أحياناً مقابل سداد قرضه الربوي فإن الله عزل وجل استنكره بقوله: وَلَا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاء إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّنًا لِّتَبْتَغُوا عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا (النور/33). وهذا الربا لا يختلف عما يجري اليوم للدول الضعيفة على المستوى الدولي حين تُفرض عليها شروطٌ جائرة من الجهات الدائنة وترضخ لها سواءً فيما يمس سياساتها او مصالحها او سيادتها او حياة شعوبها. فالاستعباد وبيع الكرامة والحرية وبيع الممتلكات العامة السيادية "الخصخصة" وفرض سياسات الإفقار هي علل ونتائج لهذه الشروط الجائرة. فقد جاء في القرآن الكريم بشأن تحريم الربا: الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لاَ يَقُومُونَ إِلاَّ كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُواْ إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا (البقرة /275) يَمْحَقُ اللّهُ الْرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ (البقرة/276) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَذَرُواْ مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ (البقرة/278) فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ فَأْذَنُواْ بِحَرْبٍ مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ وَإِن تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ لاَ تَظْلِمُونَ وَلاَ تُظْلَمُونَ (البقرة/279). يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَأْكُلُواْ الرِّبَا أَضْعَافًا مُّضَاعَفَةً (آل عمران/130). وَأَخْذِهِمُ الرِّبَا وَقَدْ نُهُواْ عَنْهُ وَأَكْلِهِمْ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ (النساء/161). وَمَا آتَيْتُم مِّن رِّبًا لِّيَرْبُوَ فِي أَمْوَالِ النَّاسِ فَلَا يَرْبُو عِندَ اللَّهِ (الروم/39). وبما ان البنوك والمصارف تلعب دوراً كبيراً في الحياة الاقتصادية والاجتماعية والمعاملات المالية للناس فقد انقسم علماء الفقه والاقتصاد في الأمة الإسلامية الى فريقين بين مُحللٍ ومُحرِم لفوائد البنوك والمصارف وكلاهما على حق، لان فوائد البنوك والمصارف هي حرام إذا أضرت بمصلحة الناس والمجتمع وهي حلال إذا نفعت مصالح الناس والمجتمع حتى ولو كانت علة الفائدة المصرفية تبدو ربوية شكلياً في حكمها الفقهي الظاهر. ان أحكام الفقه الإسلامي المتعلقة بالعقود تنص صراحة في بعض قواعدها الفقهية كالتالي: (الأمور بمقاصدها) و(العبرة في العقود للمقاصد والمعاني) انسجاماً مع قول رسول الله (r) في حديثه الشهير "إنما الأعمال بالنيات وان لكل إمرءٍ ما نوى" وليست بالشكليات كما يحلو لبعض الفقهاء. وإذا كانت الشريعة الإسلامية قائمة على مقاصدها فإن المعاملات في العقود الربوية وغير الربوية لا يمكن ان ينظر الى عللها بل الى مقاصدها وحكمتها التي قد تبدو أحياناً في علتها. وعليه فإن الربا هو كل معاملة مالية ينشأ عنها ظلم او باطل او استغلال ضار بالإنسان."

ان فوائد البنوك نوعان : فوائد يدفعها البنك للمودعين أموالهم لديه , و فوائد ياخذها البنك من الذين يقترضون أموالا منه لأغراض تجاريه او اجتماعيه . و البنك شخصية اعتباريه يشتغل بالتجارة​ بوسائل مختلفة ,فهو قد يمتلك شركات تجاريه و قد يكون مساهما في شركات تجارية أخرى كما انه يقدم تسهيلات ائتمانيه لبعض التجر او الشركات بالإضافة الى القيام بالتحويلات المالية بين الأطراف المعنية و المتاجرة بالعمولات المختلفة . فلذين يودعون أموالهم في المصارف يريدون الحصول على دخول ثابته تعينهم في معايشهم الناقصة ولا يستطيعون الاشتغال بها في التجارة اذ ان معظمهم من ذوي الدخول المحدودة الذين اختاروا طريقة توظيف اموالهم لدى المصارف بنظام الإيداع. ونظام توظيف الاموال منهج إسلامي جربه بعض التجار في مصر في تسعينيات القرن الماضي ونجح نجاح باهرا بعد ان اقبل عليه الناس شعبيا لما كان يمنحه من فوائد كبيره تصل الى 25% بسبب استثماراته السريعه في قطاعات اقتصاديه رائجه. ولما كان تأثيره سيئا على البنوك التي جفت سيولتها بسبب هروب الوداع منها الى شركات توظيف الأموال فقد تداعت القوى المالية في البنك والصندوق الدوليين ومن ورائهما القوى الرأسمالية الربويه التي تامرت على هذه الشركات ولفقت لها التهم فصودرت أموالها و قتلت اعمالها و سجن أصحابها ووئدت هذه التجربة في مهدها.

وتقوم البنوك باستثمار أموال الودائع في اعمال تجاريه بطريقه مباشره او غير مباشره لتحصل على ربح منها اكثر من الفائدة التي يدفعها للمودعين والمودعون لم يفرضوا على البنك شروطا معينة بل هو الذي يفرض شروطه عليهم ولذلك فهم لا يستطيعون استغلال البنك استغلالا سيئا ويستطيعون سحب أموالهم منه, متى ما شاؤا​ فشبهة الربا منعدمه هنا تماما. اما الفوائد التي يأخذها المصرف من المقترضين لأغراض تجارية أو اجتماعية فان شبهة الربا قد تكون في القروض الاجتماعية التي لا يعود فيها أي عائد مادي على المقترض بل قد تؤدي فوائد القرض وغراماته الى اعسار المقترض وافقاره، ولمثل هذه الحالات على الدولة انشاء بنك خاص للتسليف الاجتماعي حينما تكون الضمانات الاجتماعية لا تفي بحقوق الانسان الاجتماعية. اما فوائد القروض لأغراض تجارية فهذه تختلف باختلاف الأحوال التجارية في المكاسب والخسائر التي لا يمكن التكهن بها لأن المقترض هو من يخاطر القيام بذلك ويتحمل عواقبها حسب علاقته بالمصرف. ولذلك لا يمكن الجزم بشبهة الربا فيها في بادئ الامر.

ان كل عمل ربوي يتكون من ثلاثة اركان هي:

ان تكون المعامله الربوبه بين طرفين غير متكافئين احدهما يستغل الاخر.
ان يتولد عن المعامله الربويه مال من مال نقدا او عينا دون ان يقابله انتاج من المواد او الخدمات الحقيقيتين في الاقتصاد.
ان​ تؤدي المعامله الربويه الى افقار او اضعاف المدين بإحدى الوسائل التاليه :(أ) مضاعفة الدين بدفع فوائد لخدمة الدين الأصلي (ب) الغاء الدعم لسلع او خدمات يستفيد منها المواطنون و خاصتا الفقراء (ج) طبع أوراق نقديه دون ان يقابلها زياده في الإنتاج و الخدمات فتنخفض قيمة العمله بمقدار كمية المطبوع الى المتداول (د) زياه في الأسعار بسبب تخفيض قيمه العمله تعويما او مضاربة او مقامرة او تدخل مقصودا من اقتصادات مؤثره (ه) هيمنه سياسيه و اقتصايه للدائن على المدين (و) بيع​ عرض المدين للدائن و العرض هو الوطن بسيادته​ و كرامته و حريته .
ان الدائن والمدين في (ب) و (ج) و(د) هما الحكومه كدائن والشعب كمدين في المعامله الربوية.

ان أمريكا هي الدوله الوحيده في العالم التي تطبع الدولار بكميات كبيره دون ان يقابل ذلك انتاج حقيقي مع الحفاظ على قيمته عالميا بسبب هيبتها الاقتصاديه التاريخيه​ و قوتها​ العسكرية و سيطرتها المالية على أسواق المال و البورصات في الدول التي تدور بنوكها المركزية وسياساتها المالية في فلك النظام المالي الأمريكي الذي جعل الدولار احتياطيا للعملة الصعبه بدلا من الذهب في تلك الدول من ما جعل أمريكا تتحول من الرائسماليه الانتاجيه الى الرائسمالية الماليه التي تعتمد على الاعمال الربويه في النشاط الوهمي للاموال كما يقول خبراء الاقتصاد.