ما بين قراءة ومطالعة في كتاب تاريخ الجندي، والمعروف باسم ( السلوك في طبقات العلماء والملوك) لمؤلفه القاضي والمؤرخ بهاء الدين محمد بن يوسف بن يعقوب الجندي السكسكي الكندي المتوفي ما بين (730-732هـ) رحمه الله، وقفت على مادة تاريخية جيدة عن البلد ( دثينة) وأعلامها من فقهاء ومحدثين وقضاة وأهل تصوف ووجاهة ورياسة، وما يميز تاريخ الجندي أنه سجل أخبار وتراجم هؤلاء الأعلام وأماكن تلقيهم العلم وارتحالهم في طلبه خلال ثلاثة قرون هجرية ( السادس، السابع، الثامن )، وربما لن تجد في غيره من المصادر تراجم لأعلام دثينة خلال هذه الفترة الزمنية، وهي فترة حافلة بالمتغيرات قامت فيها دول عديدة باليمن منها الصليحية والأيوبية ودولة بني مهدي وأخيراً الدولة الرسولية (626-858 هـ) والتي عاصرها المؤلف، وهي من أحفل فترات التاريخ - كما يذكر محقق الكتاب- ( بالعلماء والفقهاء، والكرماء والأمجاد خصوصاً بالقسم الأسفل من اليمن وبتهامته وملحقاتها، وكان مليئاً بالمدارس ودور العلم والخزائن العلمية غاصاً بحلقات التدريس ومجالس العلم والمناظرات، والتأليف وغير ذلك من أسباب العلم والمعرفة والثقافة الواسعة) ().ولمّا كانت هذه التراجم والأخبار عن دثينة وأعلامها مفرقة وعبارة عن نتف مشتتة حرصت على جمعها وضم شتات هذه النتف بعضها إلى بعض بما قد يعطي القارئ صورة واضحة للموضوع، ويسهل أيضاً البحث والمطالعة للمشتغلين بدراسة تاريخ دثينة وأعلامها.وجدير بالذكر أن هناك مادة تايخية لا بأس بها أيضاً عن أبين وقرية الطرية، والتي نسب إليها جماعة من أهل العلم والقضاء، إذ كانت هذه القرية من المراكز المهمة لمجالس العلم والتدريس، ووردها كثير من طالبي العلم والأخذ عن الشيوخ وخرج منها جماعة من أعيان العلماء والقضاة والصلحاء. وقد ذكر مؤرخنا الجندي أبين فقال: (( ومن البلد أبين وهو مخلاف أوسع عملاً من مخلاف لحج وأصح جواً وأعدل هواءً، ولأهلها شرف النفوس وعلو الهمة ولم أدخلها ولكن أخبر بحالها ثقات كثيرون )) ()، ولعل الله أن ييسر لي الكتابة عن ذلك في مقالة ثانية، وسأقتصر هنا على دراسة ما يختص بدثينة وأعلامها.دثينة البلد:وفيما يتعلق بتعريف مؤرخنا الجندي للبلد (دثينة) وضبطها يقول: (( دثينة بلد ضبطها بفتح الدال المهملة وخفض الثاء المثلثة وسكون الياء المثناة من تحت وفتح النون وسكون الهاء، وهي بلد للعرب الذين يعرفون بالجحافل)) ().ويضيف محقق الكتاب العلامة المؤرخ القاضي محمد بن علي الأكوع فيقول: (( الدثينة ويقال لها دثينة: مقاطعة معروفة شرقي أبين وقبائلها من مذحج أهل نجدة وجلد )) (). وكلام الأكوع هنا يتفق مع ما ذكره العلامة المؤرخ والأديب النابه أحمد حسين شرف الدين في كتابه ( اليمن عبر التاريخ ) عن دثينة وأهلها إذ يقول: (( وأهل دثينة لهم شجاعة ومنعة، ولا تزال قبيلة دثينة أكثر احتفاظاً من غيرها بحريتها واستقلالها وأحرص على الابتعاد عن الإنجليز، وتحكم دثينة بواسطة مجلس شورى يتألف من مجموعة من الأعيان وأهل الرأي ومن قبائلها السعيدي، والميسري والحسني، ومن قراها الخديرة والجبلة والقليتة ومودية )) ().وقد كان لدثينة وقبائلها من الجحافل في عصر الدولة الرسولية الأثر الكبير سواء في اضطراب الدولة أو استقرارها، وكذلك في معارضة أو مساندة ملوك وأمراء الدولة الرسولية في إطار نزاعهم الداخلي وصراعهم على السلطة والملك. ولهذا لما بلغ الأمير شمس الدين أبو الحسن علي بن يحي العنسي- وهو أحد أعيان الفضلاء والأمراء والكرماء- قبض المماليك على فخر الدين وأخذه إلى المظفر أسيراً، وكان العنسي يميل إلى أولاد عمه أسد الدين وأخيه فخر الدين، كتب إلى الأمير أسد الدين بأبيات من شعره يحثه فيها على القتال واستنقاذ أخيه من الأسر، وطلب النجدة من ( دثينة ) وغيرها، والأبيات هي():أتـراك تعلـم يـا محمد ما جـرى فتقودهـا شعث النواصـي ضمّرا جرداً تراهـا في الأعنـّة شـزّبـاً تفري السباسب واليباب المقفـرا قدهـا عراباً من تريـم ومرخـة ودثينـة حقّاً ودع عنـك المـرا واقصد بها دربي زبيد على الوجـا لتقيم عذراً أو تشيـّد مفخـرا واجنح إلى الملك المفضل لـذ بـه شاوره حقاً قـل لـه ماذا تـرى أضحى ابن عمك في القيود مكبّـلا حاشا لمثـلك أن تنـام ويسهـراونشرع الآن بذكر أعلام دثينة ممن وقفت على تراجمهم في تاريخ الجندي من العلماء والفقهاء والصلحاء والأعيان، محاولاً قدر الإمكان مراعاة الترتيب الزمني.فقهاء النخع في القرن الأول الهجري :حين شرع مؤرخنا بذكر من دخل اليمن من فقهاء الصحابة رضي الله عنهم، وكان منهم معاذ بن جبل رضي الله عنه، وذكر أصحابه فقال: (( وكانوا هم المقدّمين بالكوفة على فتوى الحلال والحرام، وتنفيذ الأحكام، وكان معظمهم من النخع حتى كان بعض أكابر التابعين يقول: إني لأعرف سمت معاذ في أذواء النخع (). فممن صحبه من أهل اليمن واشتهر بالعلم والعمل، جماعة منهم عمرو بن ميمون الأودي، فأصله من حضرموت وقيل من الدثينة ()، كان معدوداً من الأولياء والعباد. ثم ذكر منهم الأسود بن يزيد بن قيس النخعي وعمّه علقمة بن قيس النخعي )) (). ومن ذكرهم الجندي هنا تغني شهرتهم عن التطويل بذكر سيرهم، ومن أراد التوسع في ذلك فليرجع إلى الكتب المشهورة في التراجم والتاريخ والسيّر.الفقيه مقبل بن عثمان العلهي الدثيني ورحلته في طلب العلم ( ت555 هـ ) :ثم يذكر الجندي طبقة أخرى من علماء اليمن من أصحاب الفقيهين اليفاعي وابن عبدويه، ويذكر منهم الفقيه مقبل العلهي الدثيني والذي رحل لطلب العلم إلى مخلاف الجند وتزوج بها، فيقول: (( ومنهم أبو محمد مقبل بن عثمان بن صنديد بن زيد بن أسعد العلهي نسباً عله بضم العين المهملة وفتح اللام وسكون الهاء()، وإليه ينسب جماعة من دثينة، ولذلك يقال له الدثيني إلى صقع من اليمن يعرف بدثينة، خرج هذا الفقيه منها فقصد بلاد الأعروق وسكن معهم في قرية الظفر وكان معه دنيا فتزوج امرأة منهم وكانت بلدهم يغلب عليها البداوة وعلى أهلها الجهل فانتقل عنهم بامرأته إلى ذي أشرق فلم يزل بها، وأولدت له امرأته ولدين محمد وأحمد وكانا قد تفقها ببلده بعض تفقه ولما طلع ذا أشرق أخذ عن الحافظ العرشاني وغيره، ثم في سنة خمس وخمسين وخمسمائة (555 هـ) حج ومعه ولده محمد فلما عادا توفي لثمان بقين من الحجة سنة خمس وخمسين وخمسمائة (555 هـ)، وتوفي ولده محمد بعده بيسير وانتقل ابنه الآخر أحمد إلى قرية عرج وتديرها )) (). وترجم للفقيه مقبل أيضاً العلامة المؤرخ بدر الدين الحسين بن عبدالرحمن الأهدل ( 779-855 هـ) في كتابه (( تحفة الزمن في تاريخ اليمن)) وقد انتخبه من تاريخ الجندي وزاد عليه زيادات حسنة، وذلك عند ذكره لطبقة من فقهاء اليمن فقال: (( ومنهم أبو محمد مقبل بن عثمان العلهي نسبة إلى جدّه عله بضم العين وفتح اللام، الدثني نسبة إلى دثينة بفتح الدال وكسر المثلثة وسكون المثناة تحت وفتح النون، صقع من اليمن تفقه ببلده، ثم طلع ذي أشرق وأخذ عن الحافظ العرشاني وغيره )) (). والحافظ العرشاني المذكور: هو أبو الحسن علي بن أبي بكر بن حمير بن تبّع بن يوسف بن فضل الفضلي، نسبته إلى هذا المذكور ثم الهمداني، مولده سنة أربع وتسعين وأربعمائة ( 494هـ ) ووفاته في ذي القعدة سنة سبع وخمسين وخمسمائة ( 557 هـ )، كان غالب فنّه الحديث، وهو شيخ المحدّثين وعمدة المسترشدين، وأخذ عنه جماعة منهم الإمام يحي بن أبي الخير العمراني، وكان يجلّه ويبجّله ويقول: ما رأيت أحفظ من هذا الشيخ في الحديث ولا أعرف منه. قيل ولا في العراق قال: ما سمعت. قال الجندي: وممن أخذ عنه طاهر بن يحي ومقبل الدثيني(). إذا عرفت هذا أخي القارئ بان لك بأنّ الفقيه مقبل الدثيني لم يكن فقيها عادياً، بل كان مهتماً بالحديث وفنونه وقريناً في الأخذ للإمام الشافعي الكبير شمس الشريعة يحي بن أبي الخير العمراني مصنف كتاب ( البيان ) وهو من أهم كتب الشافعية وأوسعها، وكذلك ولده القاضي الأجل العلامة أبي الطيب طاهر بن الإمام يحي بن أبي الخير، وقد خلف والده في حلقته ومجلسه، وأجاب على المشكلات في حياته كما ذكره القاضي المؤرخ ابن سمرة المتوفي بعد سنة ( 586 هـ ) (). ومما يدل أيضاً على علم وفضل الفقيه مقبل الدثيني أنه خلف لنا جماعة من ذريته كان منهم الفقهاء والقضاة والخطباء والأعيان في ناحيتهم، وسيأتي الكلام عنهم تباعاً.الفقيه الحافظ ( قاضي عدن ومؤسس قرية عرج ) أحمد بن مقبل بن عثمان الدثيني ( 556 – 630 هـ ) :ويكثر مؤرخنا من ذكر الفقيه أحمد بن مقبل في تاريخه، إذ يعتبر من أبرز شخصيات دثينة العلمية في عصره، فهو الحافظ والمحقق صاحب التصانيف في أصول الفقه والفقه الشافعي، كما أنه مؤسس قرية ( عرج ) من أعمال ذي السّفال بلدة على مرحلة من قبلي الجند في سفح جبل التعكر وعلى نصف مرحلة من سهفنة. يقول الجندي في هذا الشأن: (( فأما أحمد فهو ابن الفقيه مقبل الدثيني مقدّم الذكر، مولده سنة ست وخمسن وخمسمائة ( 556 هـ ) بذي أشرق، وهو أول من أسس قريته وتفقه بالإمام سيف السنة ويزيد بن عبدالله الزبراني وغيرهما، وكان فقيهاً حافظاً محققاً مدققاً وتصنيفه لكتاب ( الجامع ) يدل على ذلك، وبه تفقه جماعة منهم عمر بن الحداد والشكيل وابناه محمد وأبوبكر، وكتابه الذي صنفه موجود مع ذريته بالموضع المذكور، وله في أصول الفقه كتاب سماه ( الإيضاح ) وله ( شرح المشكل من كتاب اللمع ) ، وكتابه الجامع في أربعة مجلدات كبار يزيد حجمه على المهذب،... وامتحن هذا أحمد بقضاء عدن وعاد بلده فتوفي بها سنة ثلاثين وستمائة (630 هـ ) )) (). وذكره قبل الجندي الفقيه القاضي المؤرخ عمر بن علي بن سمرة الجعدي مولده(547هـ) ووفاته بعد سنة (586 هـ ) في كتابه (طبقات فقهاء اليمن ) في سياق ذكره للفقيه يحي بن أبي بكر بن أبي اليقظان فقال: (( كان يدّرس في المسجد الصغير بذي السّفال، مات بها سنة تسع وسبعين وخمسمائة ( 579هـ )، وقبر هنالك، وتفقه به جماعة منهم: الفقيه عبدالله بن زيد بن مهدي العريقي، وأحمد بن مقبل، في خلال المدة التي استداه الشيخ عبدالله بن عبدالوهاب إلى الظّفر، وذلك سنة تسع وستين وخمسمائة 569 هـ )) (). لكن الجندي يذكر أنه تفقه بأبي اليقظان جماعة منهم أحمد بن مقبل الدثيني سنة سبع وسبعين وخمسمائة (577 هـ ) فيقول: (( وكان يدرّس بالمسجد المعروف عند أهل القرية بالمسجد الصغير، وقد سأله بعض مشايخ الأعروق أن ينتقل إليه إلى الظفر ويدرّس عنده ففعل ذلك، فأقام عنده أياماً يدرّس وتفقه به جماعة منهم أحمد بن مقبل الدثيني ببلده سنة سبع وسبعين وخمسمائة ( 577 هـ )، وكان الشيخ الذي استدعاه من الأعروق هو الشيخ عبدالله بن عبدالوهاب العريقي والد الشيخ أحمد وعمران وصاحب العودرية)) (). وأما عبارة العلامة المؤرخ البدر الأهدل فعلى هذا النحو: (( ومن ذي السفال جماعة منهم: أبو الحسن يحي بن أبي بكر بن محمد بن أبي اليقظان، أخذ عن محمد بن موسى العمراني، درس بالمسجد الصغير، ثم انتقل إلى الأعروق فدرس فيها وتفقه به جماعة، منهم أحمد بن مقبل الدثني )) (). وذكر الأهدل أيضاً الفقيه أحمد بن مقبل الدثني في مواضع أخرى من كتابه ( تحفة الزمن في تاريخ اليمن)، وستأتي الإشارة إلى ذلك في الحاشية.وقد أشار أيضاً مؤرخنا الجندي للفقيه الحافظ أحمد بن مقبل الدثني في مواضع عدة من تاريخه منها عند ذكره لشيخه سيف السنة أحمد بن محمد فقال: (( فمن أهل الطبقة أبو الحسن أحمد بن محمد بن سلمة بن يوسف بن إسماعيل البريهي ثم السكسكي ثم الكندي المعروف بين فقهاء اليمن المعتبرين سيف السنة، أثنى عليه ابن سمرة ثناءً مرضياً وقال عند ذكره ومنهم الإمام الأوحد سيف السنة زين الحنبلية أحمد بن محمد سكن إباً، وأفضت إليه الرئاسة فيها، جمع بين الزهد والورع والفقه والحديث)) (). ثم ذكر أنه حج سنة ثمانين وخمسمائة ( 580 هـ ) وقرأ صحيح مسلم على الشيخ أبي عبدالله محمد بن عبدالله الهروي إمام الحنابلة بالحرم، ولما عاد إلى بلده- أي مدينة أب- أقام بها إلى رجب ( سنة 581 هـ ) ثم نزل الجند فلازمه جمع كثير وسمعوا عليه من أعيانهم أحمد بن مقبل الدثني() . كما يسجل الجندي في هذه المرحلة الدور الكبير الذي قام به الفقيه أحمد بن مقبل الدثني وأصحابه في نشر الفقه في مخلاف الجند، فيقول: (( وكان الإمام سيف السنة من عظماء علماء المسلمين، وأصحابه أكثر من نشر الفقه بناحية المخلاف وكانوا أعياناُ. منهم محمد بن مضمون، ويحي بن فضيل، وأحمد بن مقبل)) () .ويشير الجندي للفقيه أحمد الدثني مع المؤرخ المشهور عمر بن علي بن سمرة الجعدي صاحب كتاب ( طبقات فقهاء اليمن ) ومزاملته له في طلب العلم، وذلك عند ذكر شيخهما الفقيه زيد بن عبدالله الزبراني فيقول: (( ومن ناحية الجند ثم من قرية زبران أبو أسامة زيد بن الفقيه عبدالله بن أحمد الزبراني مقدّم الذكر، مولده سنة ست عشرة وخمسمائة ( 516 هـ )، به تفقه جماعة منهم عمر بن سمرة مؤلف طبقات فقهاء اليمن، ومحمد بن أحمد الصعبي، وأحمد بن مقبل الدثني )) () .ويسرد الجندي أيضاً من شيوخ الفقيه الدثني: (( حسان بن الفقيه محمد بن موسى مولده سنة تسع وعشرين وخمسمائة ( 529 هـ ) وكان فقيهاً درّس بحصن الظفر لبعض مشايخ الأعروق وبه تفقه جماعة منهم أحمد بن مقبل الدثني )) () .ويذكر الجندي أيضاً الفقيه أحمد بن مقبل الدثيني في الجزء الثاني من تاريخه فيقول: (( ثم جهة المخلاف بحرانة كان بها جماعة منهم أولاً الفقيه أحمد بن مقبل الساكنين بعرج قد مضى ذكرهم، وبناحيتهم أحمد بن محمد الشكيل بن سليمان بن أبي السعود الطوسي مولده سنة ثمان وخمسين وخمسمائة ( 558 هـ ) بتاريخ موت صاحب البيان تفقه كما قدمنا بأحمد بن مقبل من عرج )) () .كما يذكره مع أحد أبرز طلابه في الجزء نفسه فيقول: (( ومنهم أبو الخطاب عمر بن علي الحداد كان فقيهاً زاهداً خيّراً، وأصله من سهفنة ونسبه صعبي قرأ في بدايته على أحمد بن مقبل بعرج ثم نزل تهامة فقرأ بها على الفقيه محمد بن إسماعيل الحضرمي وطلع الجبل فلبث بسهفنة وطلع إلى أحمد بن مقبل الدثيني إلى عرج )) () .الفقيه محمد بن أحمد بن مقبل الدثني ( 576- 640هـ ) :يشير المؤرخ الجندي بأن الفقيه محمد بن أحمد بن مقبل الدثني تفقه بأبيه وخلفه، وذلك في سياق ترجمته لأبيه الحافظ أحمد بن مقبل الدثيني، فيقول: (( وخلفه ابنه أحمد، مولده سنة ست وسبعين وخمسمائة ( 576 هـ ) تفقه بأبيه كما قدّمنا، وهو أحد مدرسي المدرسة المنصورية بالجند وتفقه به جماعة من أهلها، وعاد بلده فتوفي بها سنة أربعين وستمائة (640 هـ ) فقبر إلى جنب قبر أبيه)) () .وحين يأتي مؤرخنا لذكر الواردين إلى الجند من الفقهاء لا يهمل ذكر الفقيه محمد بن أحمد الدثيني فيقول: (( ومن الواردين إليها أبو عبدالله محمد بن منيع النميري كان فقيهاً كبيراً متأدباً شاعراً وكان يصخب الرؤساء من أهل الدولة ويمتدحهم... وبهذا النميري انتفع جماعة من البلد أخذوا عنه المقامات وغيرها من كتب الأدب وإليه ينتهي سندنا بالمقامات، ومنهم محمد بن أحمد بن مقبل الدثيني مقدّم الذكر في ذريته أهل عرج )) () . وفي مواضع أخرى يشير الجندي أيضاً إلى أن الفقيه محمد بن أحمد بن مقبل الدثيني ممن ورد الجند وتديرها ودرّس بها().خطيب زبيد الفقيه أبي بكر بن أحمد بن مقبل الدثيني ( 575- 642 هـ ) :لم يورد لنا الجندي تفاصيل كثيرة عن هذا الخطيب والفقيه الدثيني بالرغم من توليه خطابة زبيد لسنوات، وهذا سبب كافي لشهرته عند الخاصة والعامة، واكتفى بقوله: (( هو أبو بكر بن أحمد بن مقبل الدثيني، مولده سنة خمس وسبعين وخمسمائة ( 575هـ) وكان فقيهاً فاضلاً وخطيباً كاملاً ولي خطابة زبيد سنين ثم توفي بها سنة اثنين وأربعين وستمائة ( 642 هـ ) )) () .عبدالله بن أبي بكر بن أحمد بن مقبل الدثيني ( 608- 681 هـ ) :أشار إليه الجندي عند ذكر أبيه خطيب زبيد أبي بكر بن أحمد الدثيني ، فقال: (( ثم خلفه بقريتهم ابن له اسمه عبدالله بن أبي بكر مولده سنة ثمان وستمائة ( 608 هـ )، وتفقه بجدّه أحمد وزميله في الدرس عمر بن الحداد، وعرض عليه بنو عمران أن يتولى قضاء عدن حيث كان جدّه فكره وامتنع، وكانت وفاته بقريته المذكورة في رمضان سنة إحدى وثمانين وستمائة ( 681هـ ) )) () .الفقيه علي بن عيسى بن محمد بن مقبل النخعي الأبيني ( القرن السابع الهجري ) :وفي سياق ذكره لفقهاء الجند يقول مؤرخنا: (( وممن وردها علي بن عيسى بن محمد بن مقبل النخعي ثم الأبيني، سبب مصيره الجند أنه دخل عدن وحضر مجلس القاضي محمد بن أسعد وهو يلقي على الفقهاء مسائل فكان يتصدر لها، فأعجب به القاضي وكتب له إلى قاضي القضاة، فرتبه مدرّساً بالمنصورية فلم يزل عليها ثم نقل إلى مدرسة بتعز فلم يزل بها حتى توفي)) ().ولم يذكر الجندي تاريخ مولده أو وفاته، لكنه ذكر في موضع آخر وفاة معاصره وأستاذه القاضي محمد بن أسعد العنسي، فقال: (( كان فقيهاً عارفاً بالفروع والأصول وله بكل كتاب منها تصنيف، ولي قضاء عدن برهة من الدهر،... وكانت وفاته بثغر عدن سنة إحدى وستين وستمائة (661هـ) وقبر بالقطيع )) (). وعلى هذا فالظاهر أنّ الفقيه علي بن عيسى النخعي من فقهاء القرن السابع الهجري.الفقيه عمر بن إبراهيم الأفعوي الشبوي ( القرن السابع الهجري ) : وحين ذكر الجندي شبوة قال: (( وهي قرية قديمة بين جردان وبيحان منها فقيه الآن اسمه عمر بن محمد يلقب أبا مدرك وصله صاحب شبوة وأهدى إليه ابنته لما فيه من فضل وورع فقيهاً مقرئاً خرج منها جماعة علماء أكابر منهم عمر بن إبراهيم بن عيسى بن مفلح بن زكريا الأفعوي الشبوي نسبة إلى الأشتر الملقب بالأفعى() أحد أكابر أصحاب علي كرم الله وجهه ، والشبوي بلداً نسبته إلى هذه القرية المذكورة آنفاً، كان هذا عمر رجلاً كبير القدر شهير الذكر تفقه بابن الصوفي وبعلي بن الحسن الوصابي وارتحل إلى تهامة فأخذ بها الفرائض عن ابن معاوية... وهذا الفقيه سكن في أول أمره بموضع يقال له الظفر على قرب من بلد الرغب وأتاه الناس من مواضع عدّة. وامتحن بقضاء السحول فكان فيه الزاهد المعروف والورع الموصوف، دخلت السحول غير مرة فسمعت أخبار أهله يذكرون من نزاهته وصيانة عرضه وورعه ما يطرب المسلم وينكره المجرم... ولم أقف له على تاريخ واجتمعت بولد له اسمه هارون تفقه بفقهاء جبلة فوقف بها مدّة وكان فقيهاً فاضلاً بالفقه والنحو واللغة )) (). الفقيه أحمد بن محمد المعروف بابن الدويح ( القرن الثامن الهجري )، والشيخ عمر بن سعيد ( الولي المشهور بدثينة ) :كما يسجل الجندي من فقهاء دثينة فقيهاً آخر، وأيضاً الولي المشهور في دثينة ونواحيها ( عمر بن سعيد ) فيقول: (( ومن دثينة فقيه اسمه أحمد بن محمد يعرف بابن الدويح وهو ظرف الماء بلغة اليمن وقد يستعمل في غيره، تفقه بالإمام إسماعيل الحضرمي، وهو فقيه ناحيته يذكر بالورع والزهد وإجادة نقل الفقه، وبلغني أنه الآن على قدم التصوف ومسكنه قرية تعرف ( بقاعة الرمان) على قرب من مدينة ( الفرط ) إحدى مدينتي دثينة إذ الأخرى ( فويلع ) وضبط الفرط بضم الفاء بعد ألف ولام وضم الراء وسكون الطاء، وهي مدينة كبيرة بها تربة الشيخ عمر بن سعيد الجعدي الأيوبي نسباً وكان كبير القدر شهير الذكر )) (). الشيخ محمد بن أبي بكر صاحب ظفار وولده أبو بكر ( القرن السابع / الثامن الهجري ) :وقد ذكره الجندي عرضاً عند ترجمته للشيخ أبي الحسن علي بن عبدالله المعروف بصاحب ( المقداحة ) ()، وكان هذا الشيخ من أعيان الزهاد والعباد، بني له رباطاً ومسجداً بالموضع المذكور، ثم توفي سنة ( 668 هـ ) ودفن بطرف الرباط، وقام بعده الشيخ سليمان بن يحي بالرباط وكان من أكابر مشايخ الشوافي وممن صحب الشيخ، ثم توفي وخلفه ولداً للشيخ اسمه صالح ولما توفي هذا بقي الرباط فارغاً عن قائم. وكان للشيخ ولد كبير اسمه محمد خرج في أيام أبيه وساح في البلاد فبلغ مدينة ظفار الحبوظي وقعد ينظر شيخ فيها يعرف بمحمد بن أبي بكر فلما رأى عقلاء أصحاب الشيخ حاجتهم إلى قائم يقوم بأمرهم بعثوا رسولاً إلى ظفار يكتب إليه وإلى الشيخ يعلمونهما بشدة الحاجة إلى قائم يقوم بالموضع ولا يوجد له غيره، فحين وصل العلم إلى ظفار جهزه الشيخ محمد وألزمه أن يعود إلى موضع أبيه، فقدم وابتنى الرباط على صفة ربط ظفار ومساجدها بناءّ موثقاً وقام بالموضع قياماً مرضياً إلى أن توفي سلخ جمادي الأولى سنة عشر وسبعمائة (710 هـ )، وكنت ممن حضر دفنه وقرأته واجتمعت به مرة بالجند فرأيت رجلاً لبيباً عارفاً بالطريق، وخلفه ابن له اسمه يوسف كان إذ ذاك صغيراً وهو باق على القيام بالموضع إلى عصرنا سنة ثلاث وعشرين وسبعمائة ( 723 هـ ) (). ثم يضيف الجندي: (( وقد عرض معه ذكر الشيخ محمد فهو أبو عبدالله محمد بن أبي بكر أصله من دثينة سكن رباطا خارجاً من ظفار يذكر له كرامات كثيرة ويده للشيخ مدافع، توفي على الطريق المرضي سنة خمس وسبعمائة ( 705 هـ ) ثم خلفه ابن له اسمه أبو بكر يذكر بالدين والطريق المرضي )) ().الجندي في ضيافة صاحب المكارم والرياسة محمد بن عبدالله بن أبي بكر الدثني ( القرن الثامن الهجري ):وهو أحد الكرماء الفضلاء والأعيان النبلاء، ومن يرجع إلى قوله في بلده ونواحيها، ولم يذكر الجندي تاريخ ولادته أو فاته، لكن مؤرخنا نزل عنده في سنة ( 717هـ ) واستعان بما وجد عنده من مخطوطات أهله والذي سبق ذكرهم فيما سبق وذلك في كتابة تاريخه المعروف باسم ( السلوك في طبقات العلماء والملوك )، وهذا يعني أنه معاصر للجندي.يذكر ذلك مؤرخنا عند ترجمة أبيه عبدالله بن أبي بكر بن أحمد بن مقبل الدثيني، فيقول (( وخلفه ابن له اسمه محمد هو عين أهله ديناً وعقلاً ورياسة، فقدمت بلدهم سنة سبع عشرة وسبعمائة ( 717هـ) فوجدت له مكارم أخلاق وليس فيهم من يشتغل بالفقه فأذكره لكن محمداً هذا من أعيان الناس وعقلائهم، وأهل بلده ونواحيها يرجعون إلى قوله، وهو الذي أخرج لنا شيئاً من كتب أهله تتبعت منه التاريخ )) ().وقد أكد الجندي قبل ذلك وعند ترجمة الجد الثاني لمحمد هذا ، وهو الفقيه الحافظ أحمد بن مقبل الدثني مقدّم الذكر انشغال ذريته بالزراعة عن الفقه والعلم، مع كرمهم وحسن ضيافتهم للوارد إليهم، إذ يظهر أن الجندي كتب ترجمته بعد نزوله ببلدهم ورؤية أحوالهم، فقال: (( وهو أحد الفقهاء الذين ذكرت ذراريهم بحيث أن ذريته الآن تزيد على الأربعين رجلاً سوى النساء، وهم مجتمعون بالموضع فيهم خير يقومون بالوارد إليهم، لكن شغلوا بالازدراع وغيره من أمور الدنيا )) ().فقهاء أحور:وأحور: صقع كبير شرقي أبين، وأبين شرقي عدن انظر صفة جزيرة العرب ()، ولمّا كانت أحور جزء من دثينة التاريخية كما يرى بعض الباحثين ذكرت هنا أعلامها ممن وقفت عليه من فقهاء ومفتين وحكام شرع ممن ذكرهم الجندي في تاريخه، ويظهر من كلام الجندي أن أحور كانت من البلدات المشهورة بالفقه والتدريس والأخذ عن الشيوخ، وربما ساعد في ذلك توسطها الطريق بين عدن وحضرموت. ونشرع الآن بذكر هؤلاء الأعلام، فمنهم: محمد بن علي الأحوري ( ت 679 هـ ) :يورد الجندي في الجزء الثاني من تاريخه من فقهاء البلد أبين في القرن السابع الهجري الفقيه محمد بن علي الأحوري ويذكر أنه مات طالباً سنة تسع وسبعين وستمائة ( 679هـ )().الفقيه أبي الخير بن منصور بن أبي الخير الشماخي ( ت 680 هـ ) :وممن ورد أحور وأخذ عن شيوخها الفقيه أبي الخير بن منصور بن أبي الخير الشماخي السعدي نسباً والحضرمي بلداً، قال مؤرخنا الجندي: (( أدرك جماعة من الأكابر وأخذ عن أصحاب السلفي بمكة كابن الحميري وغيره وأخذ بأحور البلد التي يأتي ذكرها عن أبي عبدالله بن أحمد بن عراف عن يحي بن أبي قصير الظفاري عن الإمام القلعي الآتي ذكره، وتضلع من علوم كثيرة منها الفقه والنحو واللغة والفرائض والحديث والتفسير وصنّف كتباً في ذلك... وكانت وفاته بزبيد لسبع بقين من جمادي الآخرة سنة ثمانين وستمائة ( 680 هـ ) بعد أن بلغ عمره سبعين سنة )) (). الإمام المحدّث الفرضي محمد بن منصور النصيف ( ت 697هـ) :ومن علماء أحور يذكر الجندي ناقلاً عن المؤرخ ابن سمرة الجعدي: (( ومن أحور محمد بن منصور النصيف، كان فقيهاً مجوداً في علم الفرائض والحساب، إماماً في الحديث))(). حاكم ومفتي أحور إبراهيم بن محمد بن أحمد الخرف ( ت 711هـ ) :وفي سياق كلام الجندي على فقهاء الطرية بأبين في الجزء الثاني من تاريخه يذكر حاكم ومفتي أحور فيقول: (( ومنهم محمد بن أحمد بن أبي بكر بن موسى عرف بالخرف تفقه بابن الرسول الآتي ذكره وولي قضاء بلده وتوفي بها لسبع بقين من رمضان سنة أربع وسبعين وستمائة ( 674 هـ ) عمره نيفاً وستين سنة، وخلفه ابنه إبراهيم تفقه به وبشيخه ابن الرسول وولاه بنو محمد بن عمر قضاء الكدراء فقرأ في أثناء ذلك على الفقيه علي بن إبراهيم مقدّم الذكر بشيخه، ثم انتقل إلى أحور فأقام بها حاكماً ومفتياً حتى توفي بسلخ جمادي الآخرة سنة إحدى عشرة وسبعمائة ( 711 هـ ) وخلفه ابنه أحمد تفقه بأبيه وبابن السبتي في الشحر وبعلي بن إبراهيم بشجينه وولي قضاء ذبحان من قبل الأديب وبلغني سنة ثلاث وعشرين وسبعمائة ( 723 هـ) أنه انفصل عنه )) (). الفقيه أبي عبدالله محمد بن أحمد بن عراف اليافعي ( القرن السابع الهجري ) :وفي موضع آخر من الجزء نفسه يذكر الجندي الفقيه أبي عبدالله اليافعي فيقول: (( ومن أحور قد ذكر ابن سمرة منها جماعة فيما مضى وذكرتهم وكان فيها آخر جماعة منهم أبو عبدالله محمد بن أحمد بن عراف اليافعي وهو أحد شيوخ أبي الخير الحضرمي أخذ عنه الفايق في الوعظ لأخذه له عن ابن قيصر الظفاري عن القلعي، ومنهم محمد بن أحمد بن إبراهيم الخرف() ثم ابنه أحمد قد ذكرتهما في أهل أبين ولم أتحقق غيرهما وهما من الواردين إذ أصل بلدهما أبين كما تقدم ذكرهما مع أهل أبين ))(). محمد بن سنان الأحوري القادري طريقةً ( القرن السابع الهجري ) :ذكره الجندي في سياق ترجمة أحد أعيان المشايخ من أهل الكرامات والإفادات، فقال ما ملخصه: (( هو أبو الحسن علي بن عمر بن محمد الأهدل، كان كبير القدر شهير الذكر، نشأ نشواً حسناً واختلف فيمن أخذ عنه اليد فقيل مجذوب، وقيل بل صحب رجلاً سائحاً من أصحاب الشيخ عبدالقادر الجيلاني يقال له محمد بن سنان الأحوري، وسمعت أصحابه وذريته يقولون: كان الشيخ يميل إلى تبجيل الأحوري، وبالجملة فكراماته وأحواله أكثر من أن تحصى، وكانت وفاته تقريباً سنة تسعين وستمائة ( 690هـ) )) ().لكن يبقى الأمر محتمل في هذا الأخير محمد بن سنان الأحوري كونه من أحور أبين المشهورة، إذ جاء في كتاب ( مجموع بلدان اليمن وقبائلها ) للعلامة المؤرخ القاضي محمد الحجري زيادة لأخيه القاضي عبدالله الحجري وذلك بعد ذكر المصنف بأن أحور واد فيه قرى شرقي أبين ونقله لكلام الهمداني في صفة الجزيرة في ذلك، أضاف القاضي عبدالله الحجري هذه الزيادة: (( وأحور: واد في آنس بين جبل الشرق وحمير. وأحور قرية في آنس أيضاً بجبل إسحق )) ().وبهذا انقضى ذكر من تحققته أهلاً للذكر من علماء وفضلاء دثينة في تاريخ الجندي، ويتضح مما سبق إيراده أنه كان هناك مجموعة من العلماء والفقهاء والصلحاء والأعيان من أبناء دثينة في هذه المراحل المبكرة، ساهموا في نشر علوم الفقه والحديث والتصوف وشاركوا في حركة التأليف وحفظ المخطوطات، ومن جهة أخرى كان لهؤلاء دور فاعل في أوساط المجتمع في التربية والإرشاد فتولّى بعضهم وظيفة القضاء والخطابة والتدريس، وقد كان ذلك على مستوى بلاد اليمن عامة ولا سيما مخلاف الجند وعدن و زبيد و ظفار ودثينة.