آخر تحديث :الثلاثاء-12 أغسطس 2025-09:34م

المساواة في الظلم عدالة ..!!

الأربعاء - 09 أغسطس 2023 - الساعة 12:00 ص
إبراهيم ناصر الجرفي

بقلم: إبراهيم ناصر الجرفي
- ارشيف الكاتب


لم يترك الفكر السياسي والديني والإجتماعي البشري شيء من أمور الحياة إلا وتطرق لها بصورة أو بأخرى ، فقد يتطرق لها بصورة مثل شعبي ، أو بصورة قاعدة قانونية ، أو على شكل حكمة أو شعر ، أو بصورة عرف أو تقليد متوارث ، أو حتى بصورة نكتة ...الخ ، هذا بالإضافة للشرائع والأحكام الواردة في الأديان السماوية ، والتي تناولت الكثير من جوانب الحياة على شكل قواعد وأحكام عامة ، ومن القواعد القانونية التي اجتهد الفكر الديني البشري واستنبطها من التشريعات والأحكام الإلهية ، القاعدة العظيمة الماثلة بين أيدينا وهي ( المساواة في الظلم عدالة ) ، فقد يضطر راعي أو مسئول سواء على المستوى الأسري أو المجتمعي أو الشعبي لممارسة الظلم على رعاياه مكرهاً ومجبراً ، لأن ممارسة الظلم بشكل إختياري أمر مرفوض ومكروه ومحرم على كل المستويات ، لكن قد تجبر الظروف والأحوال رب أسرة أو رب عمل أو سلطة حاكمة على ممارسة الظلم على رعاياهم ، وفي حال حدث ذلك فإن الراعي والمسئول والسلطة الحاكمة ملزمة بتوزيع الظلم على الجميع بالتساوي ، حتى يغير الله الحال وتزول الغمة التي أجبرتهم على ممارسة الظلم ..!!

وتتجلى الحكمة من هذه القاعدة القانونية في أن توزيع الظلم بالتساوي على جميع الأفراد سوف يكون له دور كبير في تخفيف وطأة الظلم المفروض عليهم ، فعندما يتوزع الظلم بعدالة وبالتساوي بين الكل حتما وبدون شك سوف تكون آثاره ونتائجه السلبية أخف وأقل ضرراً ، ويتطابق هذا الكلام مع المثل الشعبي ( ما تحاملته الرقاب خف ) ، بعكس الحال عندما يتحمل جزء فقط أو طرف واحد أو جهة واحدة ذلك الظلم ، فإن الحمولة ستكون عليهم ثقيلة ، ونتائج ذلك الظلم ستكون كارثية على ذلك الجزء أو الطرف أو الجهة ، فكيف الحال لو أن هناك أطراف أخرى أو جهات أخرى لا تتعرض لأي من ذلك الظلم بل تعيش في حالة من الرفاهية ورغد العيش ، وذلك على حساب معاناة ومآسي ذلك الطرف أو الجزء أو الجهة التي تتحمل ظلما فادحا ينال منها ويفتك بأفرادها ويذيقهم المر والهوان والذل والجوع والخوف والفقر والحرمان ، من أجل ذلك تم استنباط هذه القاعدة ( المساواة في الظلم عدالة ) ..!!

والشاهد من ذلك ما يتعرض له فئة من أفراد الشعب اليمني من الظلم الفادح وهم الموظفين اليمنيين الذين تم حرمانهم من مرتباتهم وحقوقهم ، والذين تحملوا بذلك كل الظلم الذي فرضته الأحداث وظروف الحرب والاقتتال ، ليتحملوا كل الظلم دون غيرهم فهم وحدهم من حرموا من مرتباتهم وحقوقهم لسبعة اعوام على التوالي ، وهم من يتجرعون مرارة ذلك الظلم المهول والغير مسبوق في تاريخ البشرية ، وما يزيد الأمر فداحة وكارثية هو أن هناك قيادات ومسئولين وجهات حكومية لا ينطبق عليهم ما ينطبق على الموظف اليمني البسيط ، فمرتباتهم وحوافزهم ومكافآتهم وعمولاتهم ونثرياتهم وصرفياتهم مستمرة وبشكل باذخ ، بل لقد وصل الحال بواحد منهم إلى تناول وجبة الغداء مع مرافقيه في العاصمة صنعاء بمليون ريال في وضع يعكس حالة البذخ والترف التي يعيشها المسئولين والقيادات الحكومية ، وهو ما يؤكد بأن قاعدة المساواة في الظلم غير مفعلة في اليمن ..!!

ويؤكد أيضاً بأن طرف معين هو من يتحمل كل الظلم الناتج عن قطع المرتبات وهم الموظفين اليمنيين البسطاء الذين لا حول لهم ولا قوة ، وإختلال قاعدة المساواة في الظلم هو اختلال في ميزان العدل ، لأن طرف واحد هو من يتحمل كل الظلم بينما اطراف أخرى بعيدة كل البعد عن ذلك الظلم ، وهذا الوضع المختل يترتب عليه تحمل الموظفين اليمنيين لظلم فادح كونهم الطرف الوحيد الذي تحمل الجزء الأكبر من إفرازات ونتائج الحرب السلبية ، فهم وحدهم من قطع مصدر رزقهم ومن حرموا من حقوقهم ومرتباتهم القانونية ، كل ذلك قد ترتب عليه تحملهم لأحمال ثقيلة من الظلم تسببت في تدمير حياتهم وتحطيم نفسياتهم ، وضياع حاضرهم ومستقبلهم ومستقبل أبنائهم ..!!

وما يزيد من مرارتهم وحزنهم وكدرهم هو عدم قيام السلطة الحاكمة بأي مبادرات أو معالجات للتخفيف من الظلم الفادح النازل بهم دون غيرهم رغم مرور سبعة أعوام منذ بداية تعرضهم للظلم . ومشاهدتهم لتلك الصرفيات الباذخة من مسئولين وقيادات وجهات حكومية ، وكأن الوطن يمر بطفرة إقتصادية كبيرة ، وكأن الشعب يعيش في بحبوحة من العيش ، هذا الإختلال في الميزان يفاقم من نتائج الظلم النازل على الموظفين بدون رحمة أو شفقة ، ويضاعف من معاناتهم ويحطم معنوياتهم ويضرب نفسياتهم المنهارة في الصميم ، كل ذلك يستدعي تدخل عاجل من السلطات الحاكمة ومن المجتمع الإقليمي والدولي للتخفيف من الظلم الكبير الذي يتجرعه الموظف اليمني دون غيره والذي قد زاد عن حده وتطاولت سنينه ، ولا حياة لمن تنادي ، واستمرار السلطة في تجاهل صرف مرتبات وحقوق الموظفين وفي سكوتها عن حالة البذخ والترف عند بعض القيادات والمسئولين والجهات ، واستمرارها في تحصيل المليارات من الايرادات والجبايات ، قد يدفع بالكثير من الموظفين إلى القول بأن الظلم الفادح النازل بهم مقصود ومخطط واختياري وليس اضطراري كما تسعى السلطة إلى تصويره ..!!

أين المسئولين القائمين على السلطة أين شعورهم بالمسئولية أين ضميرهم أين إنسانيتهم أين دينهم ، وهم يشاهدون موظفي الدولة المحرومين من مرتباتهم لسبعة اعوام على التوالي ، وهم لا يحركون ساكناً ولا يقومون بأي معالجات أو مبادرات وكأن الأمر لا يعنيهم ، ما هذا البرود في المسئولية واللامبالاة ، مجرد كلام وشعارات ومزايدات لا تقدم حلاً ولا تخفف ظلماً ، أين الأمم المتحدة أين المجتمع الدولي أين الضمير الإنساني مما يتعرض له الموظفين اليمنيين وأفراد أسرهم من ظلم فادح ومهول وغير مسبوق منذ سبعة أعوام ، هل ماتت الضمائر هل انتهت الإنسانية وتلاشت من قلوب البشر ..!!