يبدو ان الكثيرين سعداء ويتباهون بجهود إنهاء الحرب وإحلال السلام، في الوقت الذي ربما فيه لم يبذلوا جهد ساعات لدراسة مآلات انهاء الحرب، وما ستتمخض عنه مخرجات السلام الشامل، فالمفاوضات الحقيقية للحل الأخير تدار بين المملكة والحوثيين، وعندما يتوصلون إلى نتائج عامة للحل ترضاها المملكة والدول الراعية للحوثيين ويؤيدها المجتمع الدولي، سيتم على إثرها عمل حوار صوري كما حدث في مشاورات الرياض لكن هذه المرّة تحت مسمى مفاوضات، وبوجود الحوثيين كطرف، وطرف يمثل الشرعية، بصفتهما طرفي النزاع المحليين، ونحن الجنوبيين في المعادلة مجرّد شركاء لأحد الطرفين.
نحن نطمح ان يكون لقضية الجنوب تمثيل معيّن وإطار تفاوضي خاص، وهذا ما لا ترضاه السعودية من جهة والحوثيين من جهة أخرى وهو الحال ذاته مع طرف الحكومة الشرعية، الذي سيكون تمثيلنا فيه على الهامش كما تسعى القوى كافة لذلك الأمر.
والواضح ان أول نقاط الاجماع الأساسية والأولى بين طرفي التفاوض الذي يقام برعاية مسقط تتمثل بابعاد الجنوب والجنوبيين عن المشهد الاساس في العملية السياسية القادمة، وهذه التضحية التي تقدمها السعودية بالحليف الجنوبي تأتي في إطار التنازلات الممنوحة للحوثي، فالحوثيين يريدون هيمنة أكيدة على الكامل اليمني شمالاً وجنوباً، ووجود إطار تفاوضي خاص لقضية الجنوب ومجلسه الانتقالي سيحد من ذلك، ويعرقل اتفاقية صرف المرتبات من ثروات الجنوب، هذا على المستوى القريب، لكن في الإطار العام فإن حضور قضية الجنوب في المفاوضات بقيادة المجلس الانتقالي بإطار تفاوضي خاص سيبدد منطق الوحدة أو الموت بالنسبة للحوثي وسيوجد دولة جنوبية تخشاها المملكة لأسباب تاريخية، وسينهي هيمنة شمالية واحتلال متكامل الأركان واستئثار بالثروة والمقدرات طيلة ثلاثة عقود من الزمن، ويعني أشياء أخرى أكبر وأهم.
وبالنسبة للجنوب فإن هناك ثمة أقدار سماوية تذهب بقضيته إلى محافل أكبر يوماً عن آخر، بإرادة الله وبسبب مظلمة ومؤامرة محلية واقليمية دفع ثمنها شعبنا، ومايزال يدفع ثمنها، وما تحوّل صوت الجنوبيين من مسيرة راجلة في ساحة الهاشمي عام 2007م إلى حضور الجلسة ال 78 للأمم المتحدة إلا خير دليل على ذلك، لكن هل يعمل الجنوبيين وفق المطلوب في منهج السياسية وتقديراتها للخروج بورقة المنتصر في تالي المطاف أم ان المجريات ستكون مخالفة لتطلعات الشعب، وتضحيات الشهداء!
ان المعضلة تكمن في صعوبة فهم المزاج الأقليمي والتماشي معه، بشكل يعزز الثقة، في ظل وجود مبادى خطها المجلس الانتقالي لنفسه وحملها كأمانه خالصة من على اعناق الشعب، ان يمضي قدماً بالدور السياسي والعسكري لتحقيق الخلاص للجنوب أرضاً وإنسانا باستعادة الدولة، وعندما يكون الطرف الأقليمي لا يحمل رؤية ثابته ولا تقدير واضح لتضحيات الحلفاء، بقدر ما ينظر لمصالحه الخالصة وتأمين حدوده، لضمان السلام الداخلي لبلادهم، بغض النظر عن ما سيحصل بعد ذلك شمالاً وجنوباً، فهنا تتضاعف المعضلة.
ولذلك فإن وضع المجلس الانتقالي سيكون أصعب خصوصاً ومراكز دراسات العدو قد لعبت من داخل الحكومة الشرعية على تعذيب الشعب وافقاره وخلق حالة تذمر بين صفوف الشعب، وهذه الحالة ليست نتيجة صدفة بل لعبة سياسية خطط لها بعناية لاضعاف قوة المجلس الانتقالي عند اشتداد الأزمة، فالشعب كان ورقة الضغط الأولى بيد المجلس لكن بعدما أثقلت الأحوال المعيشية كاهل الناس فإنه ليس بمقدروه التحرك بسبب اوضاع نفسية ومعيشية وغيرها
وبالنظر إلى العامل الآخر لقوة المجلس المتمثل بالقوات المسلحة الجنوبية، فلا يخفى على أحد ما يعانيه ابطالنا في الجبهات والمعسكرات وكيف تم احباط معنويات القوات المسلحة بسبب قطع المرتبات وأشكال الحرب المختلفة، وهذا خلق حالة تذمر كبرى، وصلت لانسحاب الكثير من الجنود وذهابهم للعمل في ألوية أخرى أو قطاعات خاصة وهذا بحد ذاته تحدٍ كبير جداً.
وعلى الرغم من كون حكومة الشرعية محسوبة على الشمال والجنوب بشكل عام، إلا انها من منطلق الواقع تمثل نموذج الجنوب، فيما حكومة الانقلاب في صنعاء تمثل نموذج الشمال، وكانت حكومة الشرعية في الجنوب تعمل بشكل متعمد على الإساءة لنفسها وان تظهر بمظهر هزيل وركيك، ونموذج يجعل العالم ينظر للجنوب بنظرة العجز عن التقدم وتأسيس دولة، وهذا أمر لا يخفى على أحد.
وبما ان المزاج الاقليمي والدولي لم يقتنع بشكل قطعي بفكرة جنوب مستقل قادر على النهوض للأسباب آنفة الذكر، ولعوامل أخرى، فإننا بحاجة إلى ابتكار وسائل جديدة تدرس المزاج الدولي والأقليمي وتتماشى معه في متطلبات كسب الثقة، وذلك إلى جانب ورقة مكافحة الإرهاب التي يشدد عليها المجلس الانتقالي بشكل مستمر ويعمل عليها في الواقع بشكل نوعي، لكن هذه الورقة وحدها لا تكفي!
وبالنظر إلى الجهود التي بذلها فريق الحوار الجنوبي الداخلي والخارجي في تقارب وجهات النظر بين القوى السياسية الجنوبية، والخروج بالميثاق الوطني الجنوبي كمرجع عام وعامل تطمين وضمان لمختلف القوى والشرائح الجنوبية، فإن وجود جهود مماثلة على المستوى الدولي، تشرح رؤية المجلس الانتقالي لاستعادة الدولة، وتضمن مصالح العالم وتوطّد العلاقات والشراكات بشكل يستحق الثقة، ربما قد يساعد في نيل دعم أقوى للجنوب، في استعادة دولته المستقلة، بمباركة دولية ودعم إقليمي!
وبلا شك فإن رجالات الدولة لن يغفلون عن مثل هذه الأمور