يأتي الصباح واذهب بها الى الطبيب ، كانت بذلك اليوم جميله رغم شحوب وجها ، وتعب عيناها من السهر، لبست وتعطرت وتجملت وكانت كـ الملاك ، ونزلنا معاً وكان أخي ينتظرنا في السياره ، كانت بين يدي، ورأسها على حجري ، وتنظر لي بنظرات لم انساها ، لتخبرني بانها ساعتها الأخيرة ، هي ترى بعينها الموت وأنا أرى طريقي الى المستشفى طويل ، امسكت بيدي تشد عليا كانت تحتضر- ولم افهم! او لانني لم استوعب فقدانها هكذا بمنتهى السهوله ، سرعان ما وصلنا لينزل اخي يحملها ، وندخل بها الى المستشفى ، ونحن كـ المجانين ، نتخبط يمين ويسار، الموت يأتي من هنا ، ونهرب بها نحن من هنا ، ادخلوها العناية المركزة ، ولم تستغرق وقتاً حتى الجاهز توقف ، ليخبرنا بأن الحكاية انتهت لتبدأ حكاية مؤلمة ، عنوانها الفقد ، ماتت جميلتي بسلام خفيفه كانت سكرات موتها ، بل لم أشهد بأن هناك سكرات من الأساس.
لا اعلم من اين اتت لي تلك القوة ، والصبر، لكي اتحمل فقدها ، يخبرنا الدكتور انها توفيت ، والبقاء لله ، كانت الصدمة اكبر من ان ابكي ، واصرخ ، وانهار احتضنت اخي بشعور الوجع الذي مغلف بغلاف الغربة .
لا نعلم ماذا سوف نفعل ، وكيف سوف نخبر الناس بالفاجعة التي مثل الصاعقه حلت علينا، لم نكن نعلم بأن القدر سوف يوجعنا،لم نستوعب بأنه سوف ينتهي بنا المطاف هكذا،
لحين إجراءات السفر احتضنتها الحضن الأخير ، ولا اريد ان انهض بكيت بحضنها كالطفل الذي يودع أمه وداعه الأخير .
ادخلت الى ثلاجة المستشفى ، عدنا انا واخي نقلب كفينا يمين ويسار، خرجنا بها سويا ، وعدنا من دونها ، بالامس تبات جنبي ، واليوم تبات بثلاجه بمفردها ، كانت ليله صعبه موحشة طويلة ، كانت ليله اسمع صوتها ، ولا استطيع ان اكلمها ،اشعر بروحها قربي ، نمت على سريرها ، اشم ريحتها ، لبست ملابسها ، قطعه من القلب تبات في مكان بعيد عني ، ماهي الا ساعات لتأتي مهمة صعبة ، مهمة ان ادخل مع التي تغسل الميت ، ونغسلها معا ، ونلف عليها الكفن ، وتصبح كـ العروس الطاهره ، التي يبث النور من وجهها ، وتدخل التابوت ، وتسبقني الى المطار، وعدت الى البيت لكي أودع اقاربي بالغربه بحزن ، و يستقبلني أهلي في بلادي بحزن أكبر.
في حكايتي مع الزمان !
عجزت ان اكتب حكاية جميلتي ، رحلة العلاج الذي مدته عام ونصف في كفه ، وفقدانها ، وموتها في كفه اخرى، والكفتين اصعب مما يتخيل أحدكم
لله ما أعطى، ولله ما أخذ، وكل شيءٍ عنده بقدر!
دفنت جميلتي ونامت بسلام ، وتحتضن تلك المقابر اطهر واجمل جسد ، وتقرأ عليها الفاتحة ، وتلك الأقدام تسمع صوتها ، وهي تذهب وتبتعد الاصوات شيئا فـ شيئاً ، وينتهي المطاف انها تنام بقبر متر في متر، كلا من عليها فان ، ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام.
ريتها تلك المقابر تخطفني لـ نام بجوارها فعذاب الفقد صعب ، والاعتياد اصعب مما نتخيل ،هناك من يخبرنا ان الحياة تستمر، وأن الحزن لا جدوى منه ،لا يعلم أحدهم ما هو شعور الفقد ، شعور العجز أن العضد والعكاز والأساس رحل !
فقدان الأب ، والأم في كفه
فقدان الاخ والاخت في كفة أخرى
كلا الكفتين موت بطيئ يصعب أن نتخطى فقدانهم
وحده الله يعلم صعوبات الكلمات في سرد تفاصيل جميلتي ، ووحده الله يعلم حجم الوجع الذي يسكن قلبي ، وحده الله يعلم بإصابتي وعجزي ، وحده الله يعلم أن ذلك المشهد مازال بمخيلتي اينما ذهبت ، وحده الله يعلم ما بي وما امر به وما أعيشه ، ووحده الله يغفر لي ان اعترضت بقضائه وحكمه .
سلاماً على روحاً رحلت، واوجعنا رحيلها سلاماً على روحاً تحت الثرى
سلاماً على روحاً فارقتني ، ولم اكتفي من حبها
سلاماً على روحاً يلازمني الحنين لها
سلاماً على روحاً كانت ترافقني في كل تقلبات مزاجي
سلاماً على روحاً لم تجرحني ، ولم تؤلمني ، ولم تؤذيني
سلاما على روحا كانت الملاك الطاهر
سلاما على روحا رحلت ، ولكنني أشعر بها قربي.