آخر تحديث :الثلاثاء-06 مايو 2025-02:29ص

خطورة استعمال اللهجات العامية على اللغة العربية الفصحى

الخميس - 14 مارس 2024 - الساعة 01:18 م
أمذيب صالح احمد

بقلم: أمذيب صالح احمد
- ارشيف الكاتب




أمذيب صالح أحمد

الانحراف اللغوي و الماهية الخسيسة للهجات العامية

ان تطور وسائل الاعلام والثقافة وتنوعها المكتوبة والمسموعة والمرئية قد أثر تأثيرا عظيما على وعي الناس وثقافتهم في جميع مناحي الحياة.وهذا التاثير الكبير لوسائل الاعلام والثقافة قد يكون ارشادا للعقول وتصحيحا للفهوم في بعض الاوقات وقد يكون تضليلا للعقول وتحريفا للفهوم في اوقات اخرى.واللغة العربية التي هي الحاضنة والقاعدة لمنظومة القيم التي تكون هوية الامة في العروبة والاسلام تتعرض للتاثيرات الاعلامية والثقافية سلبا وايجابا حسب مقاصد السياسات الاعلامية والثقافية السليمة منها والمشبوهة.وبما ان وسائل الاعلام والثقافة تستخدم اللغة العربية كاداة رئيسية في معظم اعمالها فان هذه اللغة التي تستخدم تتأرجح بين صفاء اللغة الفصحى البسيطة وبين لوثة اللهجات العامية المتداولة حسب ثقافة المستخدمين وادواتهم وكأن اللغة العربية الفصحى ليست لغة العزة والحياة والثقافة والعلم والحضارة فتسمع رطانة اللهجات العامية في افواه المتشدقين بها ليلا ونهارا في كل مكان يستوي في ذلك المتعلم والامي بينما الفصحى العربية لاتسمع الاقليلا وفي مجالات محدودة.
وقبل الخوض في مشكلة انتشار اللهجات العامية ومخاطرها لابد من التعرف على ماهيتها وتعريفها.ولم اجد احسن من وصف شيخ الادب العربي الدكتور شوقي ضيف في كتاب له عنها بعنوان: (تحريفات العامية للفصحى في القواعد والبنيات والحروف والحركات)اي انها لهجة منحرفة غير سوية والكتاب عبارة عن دراسة تطبيقية على تحريفات العامية المصرية للفصحى وجميع التحريفات التى درسها توجد في جميع اللهجات العامية في الاقطار العربية بحذافيرها غير انها قد تختلف قليلا في بعض انواع التحريف للفصحى ولما كانت اللهجة العامية المصرية النموذج الاكثر فهما وتقبلا لدى الناطقين بالضاد فسوف نستعرض مدى تحريفاتها للفصحى كما لخصها شيخ الادب العربي د.شوقي ضيف:
(ا) اهمال الاعراب:
تهمل اللهجة العامية الاعراب.هو تغيير الحركات في اواخر الاسماء والافعال المعربة وهو من اهم خصائص الفصحى.ومما لايختلف فيها اثنان ان الاعراب كان ولايزال جزءا لايتجزا من النطق بالعربية سواء في القران العظيم او الحديث النبوي او في الشعر او في كلام البلغاء والخطباء وهو جوهر راسخ فيها لم يزايلها الى اليوم. وكما نعلم فان تشجيع اللهجات العامية في البلاد العربية من قبل الدوائر الصليبية المعادية للاسلام اصبح امرا مخططا ضمن سياستهم لان الاعراب كما يقول الدكتور فاضل صالح السامرائي في كتابه(الجمله العربية والمعنى)هو مزية للقران الكريم.فالاعراب سمة من سمات العربية وميزه من مزاياها وله فوائد واغراض حرمت منها اللغات الاجنبية ان من اهم اغراض الاعراب (ا) التعبير عن المعاني المختلفة (ب)السعة في التعبير(ج)الدقة في المعنى،ولذلك فان تشجيع اللهجات العامية في اقطار الوطن العربي هدفها اساسا محاربة الاسلام اولا من خلال محاصرة القران وتراثنا العظيم باللهجات العامية حتى لاتفهمه الاجيال الحالية والقادمة على المدى الطويل وضرب التواصل اللغوي والوحدوي بين العرب الذين ستتباعد بهم لهجاتهم العامية حين تصل الى صور واشكال غير عربية.فاللهجات العامية تقوم تدريجيا بتغيير نطق الكلمات وتحطيم قواعد الفصحى ونحوها وقتل الملكة اللغوية وتعطيل جهاز النطق حتى تصل الى مرحلة من الرطانة قابلة للافتراس اللغوي الافرنجي من اللغات السائده.
(ب)التحريف في الافعال والمشتقات:
1- التحريف في صيغة الفعل الماضي الثلاثي الناقص اليائي،واعلال الماضي المضعف ،وزيادة ياء مع تاء المخاطبة المتصلة بالماضي،واسكات التاء في صيغ معينة.
2-التحريف في صيغ المضارع بكسر احرف المضارعة،وادخال الياء على المضارع لتاكيد حدوثه،وادخال الحاءعلى المضارع للدلالة على الاستقبال،وادخال "ما" على المضارع حثا عليه،وحذف نون الرفع مع المضارع المقترن بواو الجماعة وياء المخاطبة.
3-التحريف في صيغ مشتركة بين الافعال فلا تلحق الف التثنية ونون النسوة بالافعال،والحاق علامة الجمع بالماضي والمضارع مع ذكر الفاعل،وقلب" واو" الفعل الناقص"ياء" والحاق الشين بالماضي والمضارع المنفيين،استخدام صيغة انفعل في الماضي والمضارع في البناء للمجهول.
4-تسهيل الهمزة في الافعال وحذفها.
5-التحريف في المشتقات كاسم الفاعل واسم المفعول والصفة المشبهه واسم الالة.
(ج )التحريف في صيغ الاسماء المتنوعة والقصر والمد:
1-التحريف في المفرد وبعض صيغه.
2-التحريف في المثنى والجمع وانواعه.
3-التحريف في التذكير والتانيث وفي الاسماء الخمسة.
4-التحريف في بعض الاسماء المبنية.
5-تسهيل الهمزة في الاسماء وحذفها.
6-القصر بحذف الالف في صيغ كثيرة ومد الحركات.
(د)التحريف في الضمائر وحروف المعاني وابواب من النحو والصرف:
1-التحريف في الضمائر المتصلة البارزة والضمائر المرفوعة والمنصوبة.
2-التحريف في حروف المعاني.
3-التحريف في بعض ابواب النحو والصرف.
4-قلب الحروف في الكلمة.
(هـ)التحريف في بنيات الكلم:
1-التحريف في هيئة الكلمات.
2-نحت الكلم.

(و) ابدال الحروف والحركات:
1- ابدال الحروف:تبدل العامية في كثير من كلمات الفصحى بعض حروفها وخاصة الاحرف الاولى كما يلي:
(الهمزة)تبدل في العامية عينا وهاء وواوا.
(الباء)تبدل في العامية فاء وميما.
(التاء)تبدل في العامية طاء وكافا.
(الثاء)تبدل في العامية تاء ودالا وسينا وشينا وطاء.
(الجيم)تبدل في العامية همزة وهاء.
(الحاء)تبدل في العامية عينا.
(الخاء)تبدل في العامية حاء وغينا
(الدال)تبدل في العامية تاء وزايا.
(الذال)تبدل في العامية ذالا وزايا وظاء.
(الراء)تبدل في العامية لاما ونونا.
(الزاي)تبدل في العامية سينا.
(السين)تبدل في العامية زايا وشينا وصادا وظاء.
(الشين)تبدل في العامية سينا وصادا.
(الصاد)تبدل في العامية زايا وسينا.
(الضاد)تبدل في العامية دالا وظاء.
(الطاء)تبدل في العامية تاء.
(الظاء)تبدل في العامية دالا وضادا.
(العين)تبدل في العامية همزة وحاء وهاء.
(الغين)تبدل في العامية عينا.
(الفاء)تبدل في العامية باء وطاء وواوا.
(القاف)تبدل في العامية همزة وجيما.
(الكاف)تبدل في العامية همزة ونونا.
(اللام)تبدل في العامية راء ونونا.
(الميم)تبدل في العامية باء ونونا.
(النون)تبدل في العامية راء ولاما وهاء.
(الهاء)تبدل في العامية همزة وباء وحاء.
(الواو)تبدل في العامية ياء.
(الياء)تبدل في العامية نونا.
(الالف الممدودة)تبدل في العامية عينا.
2-ابدال الحركات:تبدل العامية حركات الكلم في الفصحى وخاصة الحرف الاول منها على النحو التالي:
ا-فتح الاول والعامية تكسره.
ب-فتح الاول والعامية تضمه.
ج-ضم الاول والعامية تفتحه.
د-ضم الاول والعامية تكسره.
ه-كسر الاول والعامية تفتحه.
و-كسر الاول والعامية تضمه.
وبعد هذا التشويه الشامل للابجدية الفصحى نطقا وسماعا ماذا تبقى لها من سلامة حروفها فاذا ترك الحبل على الغارب للهجات العامية في تحريفاتها للفصحى في القواعد و البنيات و الحروف و الحركات فماذا سيكون حالها ومصيرها في هذا الانفلات اللغوي ان اللغة الفصحى محكومة بنظم وقوانين في نطقها ومبانيها وتعبيراتها وقواعدها اما اللهجات العامية المنحرفة فلاتحتكم الى قوانين وقواعد واعراف دائما وانما تحكمها الفوضى الخلاقة في طمس الهوية الاصيلة وصناعة الهوية المزدوجة.


اسباب ومجالات انتشار اللهجات العامية في الاقطار العربية

تختلط الاسباب المعاصرة لانتشار اللهجات العامة ومجالاتها في كثير من الاحيان.فما قد يكون مجالا لها فهو في نفس الوقت قد يكون سببا لها ولذلك لابد من جمعها تحت عنوان واحد ،ومن هذه الاسباب والمجالات مايلي:
(1) تفشي الامية والجهل في الاسرة ومحيطها:
ان انتشار الامية والجهل لقرون طويلة بين افراد الاسرة العربية وخاصة الام
التي يتربى في احضانها كل انسان له اثر بالغ على لسان الطفل الذي يكتسب
لغته منها ومن افراد اسرته الاخرى ومن دائرة البيئة الاجتماعية التي يعيش ويتحرك فيها فاللغة يتعلمها الانسان ويتقنها بالسماع والمحاكاة.فالطفل الذي يقضي سني حياته الاولى في التقاط مفردات لغته الاولى لايسمع الا لهجة عامية تترسخ في عقله ووجدانه وتتحكم في ملكته اللغوية مستقبلا وحين يجد فرصة للتعليم فان هذه اللهجة العامية لايمكن اكتساحها الا بتعليم قوي للفصحى مدة طويلة. ولذلك فان عملية احلال الفصحى في لسان الطفل لايمكن ان تتوفر لها فرص النجاح في ظل منهج ضعيف كما وكيفا للغة العربية الفصحى. وقد اثبت القران الكريم والعلوم الشرعية الاخرى قدرتها على ترسيخ الفصحى في السنة الذين درسوها وتعلموها اكثر من اي منهج اخر.
(2)الانعزالية السياسية والقبلية:
تحتوي الاقطار العربية على العديد من القبائل والكيانات الاجتماعية الصغيرة التي نشات فيها منذ قديم الزمان كما نشات في كل المجتمعات الانسانية.وطبيعة القبائل والكيانات الصغيرة جعلها تعيش اجتماعيا في تكتلات داخلية وانعزال خارجي عن بقية القبائل والكيانات الاخرى. وقد نشأت عن الانعزال الاجتماعي لكل قبيلة مفردات واصطلاحات وتركيبات لغوية ضمن لهجة متداولة بينهم لايفهمها غيرهم بسهولة رغم انها نابعة من جذور للغة العربية. وكلما اوغلت المجتمعات القبلية في الانعزال تكرست لهجاتهم. اما حين تذوب القبائل اقتصاديا وثقافيا في كيان اكبر فان اللهجات الصغرى تختفي وتحل محلها لهجة اعم وتتوحد المصطلحات اللغوية. اما الفصحى فلا تطغى الابالتعليم والقران والثقافة الادبية والدينية وهو ان حدث فلا يكون الافي نطاق محدود جدا. اما الانعزالية السياسية الناشئة عن تقطيع الغرب الاستعماري لأوصال الخلافة الاسلامية والوطن العربي فقد خلقت كيانات سياسية صغيرة ووضعتها تحت العناية المركزة للأفتراس الغربي الذي يقوم اساسا على قوة الحماية والتغريب وتشجيع النزعة الاقليمية اللسانية والتاريخية والجغرافية ومن ضمنها حصار الفصحى وخنقها حتى يرتفع هدير اللهجات العامة في جميع المجالات. وقد رافق ذلك محاولات استشراقية تخريبية في مهاجمة اللغة العربية والحط من قدرها مع رفع شان العاميات لخلافة الفصحى على لغة القران الكريم وديوان الشعر العربي العروضي. وتتعزز هذه الحملة دائما بافواج الوافدين الاجانب من غير العرب الذين يقيمون ويزورون هذه الاقطار لفرص العمل والتجارة وحين تختل النسب السكانية وتتغلب اللهجة السكانية لغير العرب فإنها ترفد اللهجات العامية المنحرفة بكلمات دخلية اجنبية من مختلف لغات العالم فتزيدها انحرافا.
(3)السياسة الرسمية البائسة في الاقطار العربية نحو اللغة الفصحى:
يمكن تحديد السياسات الرسمية في الاقطار العربية نحو تعليم واستعمال اللغة العربية في ثلاث مجالات هي:
(ا) التعليم العام والتعليم الجامعي:
منذ القرن التاسع عشر الميلادي والغرب الاستعماري الصليبي يزحف على الوطن العربي احتلالا وتجزئة وسيطرة على وسائل ثقافته وتعليمه فحارب اللغة العربية الفصحى والقران الكريم والشريعة الاسلامية بوسائل شتى لحرمان الناس من تعليم وتعلم اللغة الفصحى وساعد على نشر اللغات الاجنبية وتشجيع اللهجات العامية. وعند سماحه بتعليم اللغة العربية وضع لها مناهج ملتوية وضعيفة تتقلب كل حين وصاغ لها طرقا لاتينية لتعليم اصولها للمبتدئين بحيث تفضي بهم الى عدم تملك السليقة اللغوية. فساعات تدريس الفصحى قليلة ومدرس اللغة لايعتني به والمنهج هزيل. والمشكلة ان إنعدام السليقة اللغوية لازمت الدارسين والمدرسين في المستوى الجامعي حتى بلغت مرحلة مناقشة اطروحات الدكتوراة باللهجة العامية في اعرق الجامعات العربية.
اما تعليم العلوم في المستوى الجامعي فقد جعلوه باللغات الاجنبية وكأن الحضارة الاسلامية التي قامت على العلوم الطبيعية ايضا لم تكن موجودة حتى يترك المجال مفتوحا للمدرس ان يستخدم اللهجة العامية عند الضرورات لانه فاقد للخلفية اللغوية الفصيحة في مجالات العلوم والاخطر من كل ذلك هو ان المدارس الخاصة والجامعات الاجنبية بدأت تتأسس في كثير من الدول العربية على نطاق واسع هدفها الاساسي وضع اللغة الانجليزية واللغات الاوروبية في مناهجها كلغة اولى وليست ثانوية والتعليم بها حتى تنتشر على حساب الفصحى.

(ب) اهمال اللغة الرسمية للدولة:
تدعي الاقطار العربية في دساتيرها ومبادئ حكمها ان اللغة العربية هي لغة الدولة الرسمية. ومعنى هذا ان قوانينها يجب ان تنص على استخدام اللغة العربية في جميع المعاملات التي تنشا او تتم بمقتضى قوانين الدولة وسياستها وخاصة تلك التي تكون اجهزة الدولة طرفا فيها التزاما او اشرافا او توجيها او رقابة أو تنفيذا. فمثلا جميع وسائل الاعلام والثقافة التي تمولها الدولة من صحافة وتلفزيون واذاعة وسينما ومسرح وخلافه. كما ان الذين يشاركون في العملية التعليمية والتدريبة من مدرسين وامثالهم ملزمون بإستعمال اللغة الفصحى. اما اعضاء المؤسسات الدستورية الثلاث وافراد اجهزة الدولة الادارية العسكرية والمدنية فهم ملزمون ايضا باستخدام الفصحى في معاملاتهم الرسمية المكتوبة والمنطوقة. ان التراخي والاهمال في استخدام اللغة العربية الفصحى قد جعل اللهجات العامية وتشويهاتها اللغوية تتغلغل في المحافل الرسمية والمدارس والمعاهد والجامعات وكافة وسائل الاعلام و الثقافة الحكومية. كما ان اللافتات التجارية في الشوارع والاسواق قد تجاوزت ذلك باستخدام اللغات الاجنبية. غير ان ماابتليت به الاقطار العربية بعد خروج الاحتلال الاستعماري الغربي المباشر هو انه استطاع بنفوذه المتنوع ان يجعل الحكم والادارة تتداولهما الجيوش بضباطها الانقلابيين او ممثلي الاحزاب العلمانية او القادة التقليديين منهم وهذه الفئات الثلاث واقعة تحت الفكر التغريبي بدرجات مختلفة غير ان مايجمعها وتشترك فيه هو الميل عن مقاصد الاسلام والميل نحو مصالح الغرب والجعجعة الخطابية باللهجات العامية عبر وسائل الاعلام عن اعمالهم وانجازاتهم. لقد انقضى عهد الخطابة بالفصحى لزعماء الامة الذين تربوا على النهج الاسلامي ولغة القران قبيل النصف الثاني من القرن العشرين وجاء عهد تلويث الاسماع بالخطابة العامية.
(ج) استخدام وسائل الاعلام والثقافة للعاميات:
اصبحت وسائل الاعلام والثقافة ذات تاثير قوي للغاية على الناس في كل أنحاء العالم غير ان تاثيرها السلبي يشتد ويقوى كلما كان الانسان اميا وجاهلا او ضعيفا في اخلاقه. وبما ان الادوات التي تستخدم في مجال الاعلام والثقافة كثيرة ومتنوعة فانها حين تطغى عليها اللهجات العامية على حساب اللغة الفصيحة وتلوث المحيط الاجتماعي صوتا وصورة تكون كارثية في نتائجها الانية ووخيمة في عواقبها البعيدة. وادوات الاعلام والثقافة كثيرة, منها المطبوعات بمختلف اشكالها واغراضها والصحف والمجلات والاذاعة والتلفزيون والسينما والمسرح وشبكة الاتصالات المسموعة والمرئية ومنابر الخطابة في المساجد والمحافل الاجتماعية العامة والخاصة وسوف نستعرضها بإيجاز كما يلي:
1- الصحف والمطبوعات: بدات اللهجات العامية تتسلل الى الصحف وسائر المطبوعات في شكل أشعار عامية او اعلانات دعائية او كتابات خفيفة او نكت للدعاية واسباب ظهور هذه العاميات مطبوعة في صحف او كتب يختلف من حال الى اخر. فاحيانا يكون الدافع فنيا وشعبيا واحيانا يكون الدافع مشبوها ومشوبا بالانعزالية والتغريب الثقافي الذي تبدا سياساته بمزاحمة الفصحى على كل المستويات وتطبيع وتطعيم اللهجات العامية ببعض الكلمات الاجنبية التي تتسلل ايضا الى اللغة الفصحى واخصب المجالات للتغلغل هو الأزجال الشعبية والشعر العامي الذي يدفع به مكتوبا الى صفحات الجرائد والكتب والمطبوعات الاخرى بعد ان كان يتداول شعبيا بالسماع في كل حقبة تاريخية حتى ينقرض.
2- الاذاعة والتلفزيون والسينما والمسرح والغناء: منذ اواخر القرن التاسع عشر المسيحي تاثر العرب ببعض الفنون الاوربية في اوروبا من رواية ومسرحية وقصة وماتبعها بعد ذلك من مسرح وسينما وافلام ومسلسلات اذاعية وتلفزيونية وغناء مذاع ومصور نتيجة الهيمنة السياسية للغرب على الساحة الثقافية. فكانت اللغة الفصحى تتصدر العامية في بادئ الامر غير ان العاميات زحفت ببطء في مختلف الميادين لاسباب كثيرة تتعلق بمستوى المؤلفين وحاجة السوق التجارية وبمحاولة جذب وتوسيع قاعدة المتلقين من الجمهور والنزول الى مستواهم وفقا لبعض النظريات الاوربية المتعلقة بالفكر الواقعي والدعوات الاستشراقية التغريبية الهدامة لاصالة اللغة العربية الفصيحة والمؤيدة لانتشار اللهجات العامية رسميا كبديل حضاري حسب زعمهم للرقي والتقدم واللحاق بالغرب الاوربي كما يوهمون به السذج من الناس او ماقد يجد تقبلا في نفوس الانعزاليين واعداء العروبة والاسلام. ونظرية الواقعية في الادب تدعو الى استخدام العامية كلما كان ذلك ممكنا ومقبولا حتى تنزل الى مستوى الجماهير العريضة في القضايا الاجتماعية لتكسب نصرتها لها سياسيا. ونحن نعلم ان الرقي والتطور لايكون الا برفع الناس وتطويرهم لغويا وثقافيا وحضاريا. فالوسيلة النبيله تستخدم لبلوغ الغاية النبيلة ، اما استخدام وسيلة خسيسة للوصول الى غاية نبيلة فان التجارب التاريخية والمعاصرة تثبت عكس ذلك.
واليوم بعد ان تطورت وسائل الاعلام المسموعة والمشاهدة فان طغيان استخدام العامية الملوثة قد اصبح وباء ضارا على اسماع المتلقين من الصغار والكبار المتعلمين والذين يتعلمون. فهذه الوسائل تسمع وتشاهد في البيوت من خلال المسلسلات والافلام والمسرحيات والحوارات والغناء باللهجات العامية. وبما ان معظم الغناء يدور حول موضوع الحب الذي ينشغل به معظم الناس فان شعراء العامية يسيطرون على الساحة الغنائية بحيث جُعل الغناء باللغة الفصيحة امرا صعبا بعد ان عملت حركة الحداثة التغريبية في النقد الأدبي على الاقلال من شان الشعر العربي العمودي والموزون الذي تغنى به بعض عمالقة الغناء العربي من الرجال والنساء في القرن الماضي.
3- المحافل الاجتماعية العامة والخاصة: حيثما رايت او سمعت مكرفونا فاعلم انه لمحفل عام او خاص. فالاجتماعات السياسية المغلقة والمفتوحة تسيطر على خطاباتها وحواراتها اللهجات العامية كما ان العامية تسيطر على المؤتمرات والندوات والمنتديات. اما الاحتفالات الشعبية لاغراض اجتماعية فحدث ولاحرج بل ان منابر المساجد في بعض الاحيان قد داخلتها العامية للوعظ والارشاد والتفسير. والسبب الرئيسي في كل ذلك هو ضعف التعليم عموما وسيطرة الانظمة العسكرية على شؤون الحكم والادارة مدة طويلة في البلدان العربية. ومعظم القادة العسكرية يكثرون من الخطب الرنانة والطويلة بالعامية وتكرارها في وسائل الاعلام التابعة لهم على اسماع شعوبهم طوال الوقت غير عابئين بلوثة العامية على اسماع الناس.
4- شبكة المعلومات والاتصالات الالكترونية: دخلت حديثا شبكة المعلومات الالكترونية والتلفونات المنقولة ضمن وسائل الاعلام المختلفة. ومعظم المتعاملين فيها من اجيال الشباب الذين تتراوح معرفتهم باللغة العربية الفصحى بين شبه الامية والتعليم العالي.غير ان اللهجات العامية تسيطر على عقولهم عند الحديث او الكتابة فتراهم يتحاورون ويدونون باللهجات العامية كتابة وقولا على التلفونات المنقوله وعلى شاشات الشبكة والمعلومات الالكترونية وخصوصا ان كثيرا من البرامج المخططه للنزعات الانعزالية والترفيهية تستخدم اللهجات العامية من خلال مناظر الاغواء والغواية ومن خلال ايهام الشباب التائه بالسطوع في نجومية معينة. والهدف الاساسي لهذا النوع من الانشطة هو حرف الشباب عن قضاياهم العربية والاسلامية باستخدام اللهجات العامية للترفه والانعزال والابتعاد عن لغة القرآن والجهاد.
(5)المؤامرات الغربية على لغة القرآن والاسلام والعروبة:
منذ دخول الاستعمار الغربي الى الوطن العربي محتلا في القرن التاسع عشر المسيحي ومحاولات فرض الحصار الثقافي على اللغة العربية والقضاء عليها تدريجيا كجزء من تحطيم اسس الاسلام والعروبة القائمة على القران والسنة والشريعة لم تنقطع حتى الان. ففي بلدان المغرب العربي حوربت اللغة العربية ومنع تعليمها من الاساس وتم استبدالها باللغة الفرنسية رسميا وفي مصر ولبنان والعراق ظهرت دعوات للكتابة بالحرف اللاتيني بدلا من الحرف العربي ثم ظهرت دعوات لاحقة في بعض الدول لاستخدام العامية واللهجات المحلية بدلا من اللغة العربية الفصيحة وقد قام بذلك المسؤولون الاوربيون والمستشرقون وساندهم في ذلك بعض الشخصيات الثقافية في الوطن العربي احيانا لاسباب تتعلق بعاهاتهم الثقافية أو احوالهم الانعزالية. ثم تستر المتامرون بعدائهم على الفصحى(لغة القران)بدعاوي اخرى مثل اصلاح اللغة او تطوير التعليم او اثارة الشبهات حول اصالة اللغة العربية او صلاحيتها كلغة للحضارة واستخدام اللغات الاجنبية في تدريس العلوم وغير ذلك من الاساليب الاستعمارية والتغريبية والانعزالية في قتل هوية الامة.
اما اليوم فان التآمر على الفصحى ينصب اساسا على الاهتمام الكبير باللهجات العامية المحلية وتشجيع استخدام اللغات الاجنبية في التعليم والتجارة والخدمات الاخرى. واذا كانت جميع الوسائل التي استخدمها اعداء اللغة العربية قد نجحت جزئيا في بعض المناطق من العالم الاسلامي مثل كتابة بعض لغاتها بالحرف اللاتيني بدلا من الحرف العربي في اسيا وافريقيا فانهم الان قد اقتنعوا اقتناعا تاما بان خير وسيلة وابسطها لمحاربة اللغة الفصحى هي نخر اللغة العربية الفصيحة وتدميرها من الداخل بواسطة استخدام اللهجات العامية المحلية في الوطن العربي وخارجه. ففي مقابلة مع الدكتور عبد السلام المسدي مع مجلة العربي الكويتية في عدد اكتوبر لعام 2007م وهو استاذ في علم اللغة ووزير ثقافة سابق في تونس يقول: "ولايخفى ان وضعا دوليا اصبح يساعد على الزهد في اللغة العربية الفصحى، واصبح يشجع على ان تنمو حقول التداول بالعاميات، لتحل العاميات محل العربية الفصحى. وهذا ليس من باب المؤامرة لانه لم يعد شيئا مسكوتا عنه، وانما اصبح شيئا مرسوما في سجلات الخطط الاستراتيجية الدولية سواء الاوروبية منها او الامريكية". ثم يذكر مثالين لما تمارسه الدوائر الغربية والامريكية من التامر على الفصحى بتشجيع العاميات. الاول انه جاء منها فريق الى الاسكندرية في مطلع 2003م وعرض تمويلات سخية في انجاز مسلسلات جديدة للاطفال شريطة ان تكون المسلسلات بالعامية لابالعربية الفصحى والثاني اصدار تشريعات تربوية جديدة في الدول الاوروبية مثل فرنسا تلغي اختيار اللغة العربية الفصحى كلغة اجنبية في البكالوريا وتحل محلها مجموعة من العاميات. فقسمت العامية العربية في النظام التربوي الفرنسي الثانوي الى ثلاث مجموعات: العامية المتصلة بشمال افريقيا ثم العامية المصرية ثم العاميات الشرقية. بينما نحن نعامل اللغة الفرنسية ونتعلمها حسب أصولها اللغوية التي وضعتها الأمه الفرنسية إحتراما لثقافة الشعوب.
وحينما بدا هجوم الغرب الاستعماري على الوطن العربي في القرن التاسع ارفق سياساته اللاحقة بمحاربة اللغة العربية الفصحى وتشجيع العاميات حينما وجد ان الاسلام يقف عائقا امام تنفيذ سياساته. فاهتم المبشرون والمستشرقون بدراسة اللهجات العامية في مختلف البلدان العربية كما اهتموا بجمع الامثال والازجال الشعبية والاعتناء بها وقاموا بتاليف الكتب للتعليم باللهجات العامية المحكية وشجعوا استخدام اللهجات المحلية في كافة المناحي الثقافية والاجتماعية. واليوم وفي ظل الهجمة الجديدة للغرب الاحتلالي تنتشر القنوات الفضائية المنوعة التي تتصدرها المذيعات الفاتنات باللهجات العامية وتدار معظم البرامج فيها من حوارات وغناء ومسلسلات واحتفالات باللهجات العامية ويكرر نفس الشيء في الاعلانات وتقام المهرجانات وتكتب بها على مختلف الشاشات المرئية التي نستخدمها من تلفزيون وحاسوب وتلفون. قد تكون اسباب ذلك تخلف وضعف ثقافي وانحطاط حضاري غير ان ترتيب الامور الاساسية لقواعد انطلاق العاميات وعرضها على حساب الفصحى في وسائل الاعلام والثقافة وراءه خطط واضحة مقصودة من التأمر على قتل الهوية العربية الاسلامية للامة.





مساوئ استخدام العامية وآثارها السلبية على العروبة والاسلام

للهجات العامية سلبيات كبرى ومساوئ عظمى عند استخدامها كاداة تعبيرية قولا او كتابة على اللسان والعقل والاخلاق والثقافة والعلم والدين والهوية. وسوف نحاول ايجاز اهمها فيما يلي:
(1) تعطيل وظائف جهاز النطق:
ان فصاحة اللغة العربية كما يرى الاستاذ العقاد تنبع من اللفظ الفصيح الذي هو اللفظ الصريح الذي لالبس فيه ولااختلاط في ادواته فلالبس بين مخارج الحروف ولااهمال لمخرج منها ولاحاجة فيه الى تكرار النطق من مخرج واحد. وجميع المخارج الصوتية مستعملة ومتميزة باصواتها ولو لم يكن بينها غير فرق يسير في حركة الاجهزة الصوتية. فالفصاحة هي امتناع اللبس وهذه هي الخاصية النطقية التي تحققت في اللغة العربية لمخارج الاصوات كما تحققت للحروف ولايلزم ان يكون لكل حرف مخرج مستقل في جهاز النطق الذي يشترك فيه الحلق والحنك واللسان واللثة والشفتان ،بل كل مايلزم فيها ان يكون جوهر الحرف سليما في مجراه من الجهاز الصوتي وفي موقعه من السمع لحسن استخدام ذلك الجهاز وحسن التمييز فيه بين الاصوات المتشابهة او المتقاربة.
ولما كانت اللهجات العامية تقوم بتحريف الحروف والحركات وتغييرها فان ذلك يؤدي الى تغييرمخارج الحروف وحركاتها في جهاز النطق وتغيير اصواتها ونبراتها ومواقعها من السمع وهو مايعني ان الوظائف الصوتية للحلق والحنك واللسان واللثة والشفتين في اللهجة العامية قد تختلف عن وظائفها في اللغة الفصيحة من حيث المخارج والاصوات والاسماع بالنسبة لذات الكلمة المنطوقة. وعندما تستخدم اللهجة العامية جهاز النطق مدة طويلة اكثر مما تستخدمه اللغة الفصيحة فانها تحتكر جهاز النطق بالتعود فيصبح عبدا للهجة العامية وسوف يشق عليه ان ينطق بماتقتضيه الفصحى من المخارج والاصوات والحركات, فحروف اللغة العربية تختلف صفاتها الصوتية وتتباين فيما بينها عند النطق كالجهر والهمس والرخاوة والشدة والصفير وغيرها كما يقول علماء اللغة والتجويد. فبعضها يجري النفس عند النطق بها.
وبعضها ينحبس جري النفس عند النطق بها لقوة الاعتماد على مخارجها. وبعضها ينحبس جري الصوت عند النطق بها لكمال الاعتماد على المخرج.
وبعضها يجري الصوت عند النطق بها لضعف الاعتماد على المخرج.
وبعضها يرتفع اللسان عند النطق بها الى الحنك الاعلى.
وبعضها يحط اللسان بها عند النطق بها من الحنك الى قاع الحلق.
وبعضها تلاصق مايحاذي اللسان من الحنك الاعلى عند النطق بها.
وبعضها ينفتح مابين اللسان ويخرج النفس مما بينهما عند النطق بها.
وبعضها يعتمد الى طرفي اللسان والشفتين عند النطق بها.
وبما ان اللهجة العامية تغير الحروف جميعها في الفاظ اللغة الفصيحة عند النطق بها بالعامية التي تعودت ذاكرة متحدثها وناطقها على استحضار مفرداتها اكثر من استحضار مفردات الفصحى نتيجة استدامة السماع والحديث بها فان جهاز النطق يتعطل عن الفصاحة بالتكرار الدائم الذي هو في الواقع تعليم وتدريب على النطق بالعامية ناهيك عن تحريف بناء الجمل والعبارات او تحطيم قواعد اللغة البسيطة. الامر الذي يؤدي في مجمله الى اضعاف وتدمير السليقة اللغوية للفصحى بعد ان سلقت لسانه اللهجة العامية.
(2) انتشار العامية مزاحمة للفصحى واضعاف لها:
يتعلم الانسان اللغة بوسائل عديدة غير ان اهمها في التاثير على تكوين الفصاحة في لسانه هو السماع والمحاكاة الصوتية. فنطق الحروف والكلمات والعبارات بحركاتها المختلفة التي تقتضيها معاني اللغة العربية لايمكن تجويدها على لسان الطفل الا بالسماع والمحاكاة الصوتية. فاذا كانت كل اللغات تحتاج لهذه الطريقة في تعلمها مع ان معظمها ذات كلمات صامتة شانها شان اللهجات العامية فان اللغة العربية الفصحى التي هي لغة حركية في حروفها وكلماتها وعباراتها هي اكثر حاجة لهذه الطريقة. ولما كانت اللهجة العامية تطرق اسماع الناس صغارهم وكبارهم في البيت والمدرسة والشارع والعمل فماذا نتوقع غير سيطرتها على الألسن.
ان اللغة الام "الفصحى" تكتسب في المرحلة الاولى من حياة الانسان. فالطفل حينما يتربى في حضن والديه على سماع لهجة عامية فانه يقلد مايسمعه بين اهله وفي محيطه الاجتماعي. وحينما يلتحق بمرحلة التعليم الاساسي فان معظم ما يسمعه في بيته ومدرسته ومحيطه الاجتماعي هو باللهجة العامية. فاذا كان في بيته فان والديه واهله يتواصلون معه بلهجة عامية واذا شاهد او سمع برامج اطفال وغيرها فانها تكون في معظمها باللهجات العامية واذا خرج الى الشارع مع رفاقه فانه يسمع اللهجة العامية طوال الوقت الى حد الابتذال. واذا كان في المدرسة فانه معظم الوقت يتلقى دروسه في اطار العامية الى حد كبير.ؤاما مقررات اللغة العربية الفصحى فانها تعلم للصغار با"الطريقة الكلية" المدسوسة على فصاحة اللغة العربية التي تحول حروفها وكلماتها المتحركة الى حروف وكلمات صامته ضمن مخطط التآمر الاستشراقي الغربي.
اذا كان الانسان يكتسب السليقة اللغوية للفصاحة بالسماع والتكرار والمحاكاة فان الطفل الذي يتربى سمعه على اصوات اللهجة العامية التي تطرق اذنيه ليلا ونهارا وفي كل مكان يصعب عليه اكتساب السليقة اللغوية للفصحى مادامت العامية تزاحم الفصحى مزاحمة غير متعادلة بكل وسائل التعلم والتعليم والتلقي والتلقين بحيث اصبحت الاذان والاسماع مصبا للملوثات الصوتية من اللهجة العامية. ومن ابرز الآثار السيئة ان جامعة عريقة كجامعة القاهرة قد اصبحت اطروحات الدكتوراه في اللغة العربية تناقش باللهجة العامية ناهيك عن الميادين الاخرى.
واذا كان من خصائص اللغة العربية الفصيحة انها لغة موسيقية لانها لغة للاذن والسماع قبل ان تكون للعين والكتابة فان العاميات تقتل موسيقاها وتخدش الاسماع. يقول الدكتور سامي الالفي في كتابه عن اللغة العربية: "ويذهب العالم والبحاثة د. ابراهيم انيس في معرض حديثه عن نواحي الجمال في اللغة العربية الى القول بان العرب القدماء قد عنوا بموسيقا الكلام لانهم لم يكونوا اهل كتابة وقراءة بل اهل سماع وانشاد. والموسيقا لازمة لمن يصغي فيحسن الاصغاء، او ينشد فيحسن الانشاد ويستحوذ على الاسماع. فهي إذن لغة أذن وليست لغة عين. ولغة الاذن تخاطب دائما الجوانب الموسيقية في النفس وتعتمد على الجرس, جرس الكلمة واللفظ وجرس الجملة او العبارة وهو ذاته مااكده عميد الادب العربي د. طه حسين حيث اوضح ان ادبنا العربي لايهمل السماع اهمالا قليلا او كثيرا وإنما يعنى به اشد العناية ، فهو ادب منطوق مسموع قبل ان يكون ادبا مكتوبا مقروءا، وهو من اجل ذلك حريص على ان يلذ اللسان حين ينطق به، ويلذ الاذن حين تسمع له، ثم يلذ بعد ذلك النفوس والافئدة حين تصغي اليه. وليس ادل على ذلك من ان العرب في جميع عصورهم لم يعنوا بشئ قط قدر عنايتهم بفصاحة اللفظ وجزالته ورقة الاسلوب ورصانته وقد جعلوا الاعراب واصطفاء اللفظ والملاءمة بين الكلمة والكلمة في الجرس، الذي ييسر على اللسان نطقه، ويزين في الاذن وقعه-اساسا لكل هذه الخصال".
(3) تعويق الترجمة وتسلل مفردات اللغات الاجنبية:
ان انتشار اللهجات العامية وطغيانها على اللغة الفصيحة في الحياة الخاصة والعامة للناس على كل المستويات قد ادى الى اضعاف للغة العربية الفصحى في عقول والسنة ابنائها مما اوجد بيئة لغوية مستضعفة تتسلل اليها مفردات اللغات الاجنبية السائدة وتشيع على السنة ابناء العربية الذين افترستهم اللهجات العامية فافسحت الطريق امام المصطلحات الاجنبية البلهاء. فالعامية لغة خسيسة منحرفة لاتستطيع ان تكون ندا للغات الاجنبية في غياب لغة شريفة قويمة كالفصحى. بل ان الامر امتد الى ان يرغب ابناء العربية من ضحايا عامية العقل واللسان الى الميل تحت مختلف المؤثرات نحو تعلم اللغات الاجنبية واجادتها بدرجات متفاوتة. ووصل الامر في بعض الأحيان الى ان ينتشر تعلم اللغات الاجنبية في السنين الاولى من حياة الطفل المدرسية التي يجب تربويا على الاقل ان تكون خالصة لغرس السليقة اللغوية العربية الفصيحة في لسانه وتقوية ملكتها في عقله ووجدانه.
ان انتشار اللهجات العامية على حساب اللغة الفصيحة قد بدا يظهر في النصف الثاني من القرن العشرين المسيحي بعد ان ظهرت اثار منهج تعليم اللغة العربية بطريقة لاتينية الذي وضعه المستشرقون الصليبيون في الدول العربية قبل ذلك بزمن قليل. كما ان بروز قيادات عسكرية بعد تحرر الدول العربية من الاحتلال الاجنبي وهي تخاطب الشعوب كثيرا بارتجال اللهجات العامية كان له تاثير كبير على اضعاف اللغة العربية خاصة اذا عرفنا ان القيادات المدنية السابقة لهم التي تربت على الثقافة العربية الاسلامية كانت تخطب بالفصحى لغة القران والسنة في كل المناسبات الرسمية والشعبية. وهذا الوضع العام للفصحى اضعف قدرة وكفاءة المتعلمين في ترجمة العلوم الطبيعية خاصة والترجمة بصفة عامة ولذلك وجدت المؤسسات العلمية الجامعية في الدول العربية صعوبة في وضع خطة لتعريب تعليم العلوم الطبيعية بالاضافة الى عوائق يفتعلها التغريبيون واعداء العربية في الحكم والادارة من المتخاذلين. ان الترجمة بصفة عامة لايمكن ان يقوم بها الا مثقف متمكن من اللغة العربية الفصحى ومتمكن في نفس الوقت من اللغة الاجنبية التي يترجم منها. ومعظم الترجمات القليلة الجيدة التي تمت هي في حقول العلوم الانسانية وخاصة في مجال الفنون الادبية التي جاءتنا من الغرب بتشجيع من الحركة الاستشراقية في بداية القرن العشرين المسيحي. وبما اننا في العصر الحديث بحاجة الى احدث العلوم المادية والفكرية وليس الى حداثة في مجالات سبق العرب والمسلمون غيرهم فيها. واذا ظللنا فريسة لمخطط اضعاف الفصحى الشريفة بالعاميات الخسيسة فسنبقى في اخس مستوى حضاري في العصر الحاضر. لقد كان العرب قبل الاسلام بلغات ولهجات مختلفة فتطورت بعد ذلك في لغة واحدة هي لغة القران الكريم. كما حدث لجميع اللغات الحية التي تطورت في لغة واحدة من عدة لغات ولهجات مختلفة ،غير ان العرب يراد لهم التمزق والانحطاط من قبل اعدائهم بالعودة لغويا الى ماقبل الاسلام من العجمة والشتات في اللسان.
(4) اطفاء للغة القران وطمس لشريعة الاسلام:
يقال ان العملة الرديئة تطرد العملة الجيدة. فاللهجات العامية حينما تحتل مساحة كبيرة من التعبير والتواصل والسماع في كافة مناحي الحياة الاجتماعية فانها تدريجيا تكون عامل طرد للغة الفصيحة من مجال التعبير والتواصل والسماع. ولن يقتصر الامر على اللسان والسماع واستمرار الحال في التلوث اللغوي السماعي بل سيتعداه الى مجال الكتابة والقراءة كما هو الحال في بعض الاعلانات والشاشات وحينئذ سيبتعد الانسان في المجتمع العربي عن تراث الامة العقدي والديني والفكري والعلمي والادبي والشعري وفي مقدمتها القران والسنة والعلوم الشرعية الاخرى وهذا هو بيت القصيد كما يقولون.
ان طغيان العاميات سيؤدي حتما الى الابتعاد عن اللغة الفصحى التي تصلنا بتاريخنا وبتراثنا وباسلامنا وعقائدنا وهويتنا العربية الاسلامية كما سيؤدي الى تعلقنا بلغات اجنبية اخرى لان العاميات كائنات مارقة منحرفة ليس لها هدف او قرار فهي خارجة على القانون. إن اللهجات العامية طفيليات تعيش على الفصحى ويوم تموت الفصحى فلن يبقى لها أثر.
ان العربي لايستطيع الاعتماد على لهجة عامية في الاطلاع على القران الكريم والسنة النبوية والعلوم الشرعية الاخرى او علوم اللغة العربية او المعارف التي جاءت بها الحضارة الاسلامية بالفصحى . واذا استخدم لغة اجنبية اخرى فان اهداف التامر الغربي الصليبي قد تحققت في قتل الاصاله والهوية واشاعة التغريب لكسر شوكة الاسلام والعروبة. فسيطرة العاميات وطغيانها على اللغة العربية الفصحى سيؤدي ايضا الى تنوع في اللهجات ونموها بطريقة سرطانية لانها غير محكومة بقوانين وقواعد واعراف وتراث عريق. فالمزاجية الفردية والمناطقية العشوائية والامراض الاجتماعية تصنع مفردات العامية كل يوم وخاصة في مبتذل الظروف .
ان هذه اللهجات العامية في البلاد العربية التي نسمعها اليوم بشكلها الحالي مرهونة ببقاء اللغة العربية الفصحى فهي السقف التي تستظل به ويمنع خروجها عن اطار مفردات اللغة العربية الفصحى. اما حين تختفي الفصحى كما يخطط لها الاعداء وينجرف وراءهم البعض عن قصد او غير قصد فان اللهجات العامية ستتغير وتتبدل كل يوم حتى تصبح بلاجذور موحده او متقاربة وحينئذ ستكون فريسة سهلة لهجمة شرسة من اللغات الاجنبية عليها بمفرداتها الغربية وتركيباتها المختلفة في كل قطر ومنطقة مابين الخليج والمحيط فتتكرس بذلك التجزئة اللغوية والثقافية ثم تتمزق الوشائج والروابط بين ابناء العروبة والاسلام فيتحقق احد ألاهداف الكبرى للإستخراب الاوربي في الوطن العربي.
(5) الانعزالية والتجزئة القومية:
يدعو كثير من الانعزاليين والتغريبيين الى اهمية احياء التراث الشعبي كمكون اساسي من ثقافة الامة وتراثها ، وهذه من قضايا الحق التي يراد بها باطل. فكل تراث لايؤثر سلبا على هوية الامة وثقافتها لاغبار عليه. ولكن الحركة الاستشراقية الصليبية كانت تدعو رسميا للعامية والى احياء الشعر العامي وازجاله المختلفة كجزء من مخطط نشر العامية على حساب الفصحى. فشعر العامية هو وليد البيئة الانعزالية المتخلفة الجاهلة باللغة العربية, فالشاعر والمستمع يستويان في ذلك, وموضوعات هذا الشعر محلية مناطقية حتى ولو كانت فيها لمسات انسانية. ان انتشار الشعر العامي في وسائل الاعلام والثقافة المكتوبة والمرئية والمسموعة واقامة المهرجانات له ليس انتشارا بريئا من حركة الانعزالية التي يوسوس بها شيطان التمزيق والتفريق بين ابناء الامة العربية. لان استخدام الشعر العامي غرضه توسيع استخدام دائرة اللهجة العامية وتنمية و تقوية الانتماءات العصبية والاقليمية على المدى البعيد التي قد تؤدي الى التفكيك والتنافر.
إن الشعر العامي يجب ان يظل محصورا ومرويا في بيئته المناطقية فقط ولايشجع خارجها, كما ينبغي عدم إذاعته او اشاعته على أسماع الناس من خلال وساثل الاعلام الكبرى لأننا بهذا نزاحم اللغة الفصيحة ونلوث به الاسماع التي تلاحقها العاميات المختلفة بسبب الجهل باللغة العربية أو تجاهلها في البيوت والشوارع والاماكن العامة. إن تقوية العاميات بالشعر او خلافه هو سياسه معادية للغة الفصيحة وللقرآن وللعروبة والاسلام على المدى الطويل.
ان انتشار اللهجات العامية وطغيانها على اللغة العربية سيترتب عليه تدريجيا انسحاب الفصحى وتواريها من شتى مناحي الحياة وانقطاع سبل الاتصال الصحيحة والحيويه بثقافتنا وعقائدنا وتراثنا وتاريخنا، اي ان اتصالنا بالعصر سيكون بانفصالنا عن ماضينا ولن يكون ثمة شيء يوحد بين ابناء العروبة او يقرب بينهم سوى الجوار الجغرافي شانهم شان اقاليم القارات الاخرى. وعندئذ ستنشا لغات جديدة اما بالاحتلال اللغوي للاجانب او بالتهجين اللغوي حسب درجة افتراس اللغات الاجنبية الاخرى للعاميات المناطقية.
وحين تتمزق الوحدة اللغوية القائمة على الفصحى فان التباعد والتنافر الاجتماعي سيتقوى في نفوس الكيانات الاقليمية حتى تصبح فاقدة لعروبتها المؤسسة على اللسان الفصيح وهذا التباعد والتنافر احيانا سيولد العزلة والانعزالية فتصبح المجتمعات المجزأة بكياناتها الاجنبية الهزيلة خاضعة وتابعة لاعدائها الاستكباريين بعد ان يتعزز التغريب الفكري والثقافي والاجتماعي على انقاض حاملة العروبة والاسلام لغة القران المجيد.
وسائل حماية اللغة الفصيحة وطرق تقويتها ونشرها
سوف نحاول الان عرض بعض الوسائل الممكنة لحماية اللغة العربية وبعض الطرق التي قد تساعد على نشر اللغة الفصحى في مختلف اوساط الناس. فالفصحى التي ننشدها تختلف مستوياتها باختلاف الاحوال الاجتماعية لاستخدامها. ففصاحة لغة الشارع غير فصاحة لغة وسائل الاعلام او السياسة وفصاحة لغة الشعر والادب تختلف عن بقية المستويات, غير ان الحد الادنى المطلوب لفصاحة اللغة العربية هو نطق الحروف العربية نطقا صحيحا دون تحريف او ابدال والحد الثاني هو نطق كلمات الفصحى نطقا سليما ثم يلي ذلك سلامة العبارات والجمل واخر حد لفصاحة اللغة العربية التي ننشدها هو الالتزام بقواعد اللغة ونحوها الى الحد الممكن اما البلاغة اللغوية للفصحى فهي من شان كل من يحب لغته ويطرب لسماعها ويتذوق حلاوتها. إننا نستطيع ان نحدد بعض وسائل وطرق حماية الفصحى وتقويتها ونشرها على النحو الاتي:
(1) معالجة القدماء لتحريفات العامية:
بعد انتشار الاسلام وتوسع دولته ودخول شعوب كثيرة غير عربية فيه بدا تحريف العامية لنطق الالفاظ العربية وحينما تكاثر التحريف في النصف الثاني الهجري بدأ علماء العربية يؤلفون الكتب اللغوية التي تحاول تصحيح نطق العامة لالفاظ اللغة العربية. يقول الدكتور شوقي ضيف في مقدمة كتابه(تحريفات العامية للفصحى): وكل هذه المؤلفات تحاول تصحيح نطق العوام لالفاظ العربية في البلدان المختلفة بحيث تخلصها من كل مادخل عليها من تحريف وتصوب كل ماشابها من اللحن. ونمضي مع الزمن فيعني بعض ائمة العربية بتبيين وجوه الصواب فيما يظن ان العامية لحنت فيه او حرفته عن صورته الاصلية. "وقد ذكر الدكتور شوقي ضيف اسماء بعض الكتب ومؤلفيها التي صدرت منذ القرن الثاني الهجري واولها كتاب(ماتلحن فيه العوام) للكسائي مؤسس مدرسة النحو الكوفية واحد القراء السبعة المشهورين للقران الكريم ثم كتاب(اصلاح المنطق)لابن السكيت (وادب الكاتب)لابن قتيبة وكتاب(الفصيح)لابن ثعلب في القرن الثالث الهجري ثم يذكر بعض الكتب الهامة في القرن الرابع ومابعده مثل(لحن العوام) للزبيدي الاندلسي (وتثقيف اللسان)لابن مكي عن لحن العامة في صقلية وكتاب(درة الغواص في اوهام الخواص)للحريري صاحب المقامات و(تكملة اصلاح ماتخلط فيه العامة) للجواليقي و(المدخل الى تقويم اللسان وتعليق البيان)لابن هشام اللخمي الاندلسي و(تقويم اللسان)لابن الجوزي في لحن عامة بغداد .ثم تتوالى المؤلفات الى العصر الحاضر.
(2) نموذج معالجة تحريفات العامية المصرية في العصر الحاضر:
كان الدكتور شوقي ضيف يرى انه يمكن معالجة المشكلة بعد اقتناعه بالجهود الخصبة التي بذلها الاسلاف والمعاصرون وخاصة في القرن العشرين لتقويم ألسنة العامة المصرية بوضع الصور المتعددة كما احدثت العامية من تحريفات مختلفة في قواعد العربية وصيغها وهيآت كلماتها فيقول:"لا ارتاب في ان العامة اذا وقفت على تلك التحريفات في الفاظها وصيغها وعرفتها معرفة بينة وعرفت معها مقاييس العربية المطردة وتبينت بصور دقيقة وجوه التصويب والتصحيح لنطقها بحيث يصبح نطقا عربيا سليما فانها ستبادر تلقائيا الى تلافي تحريفاتها للكلم العربي وتخلص مما شاع فيه من آفات اللحن والخطأ ،لانها دائما تانس الى الفصحى لغة القران الكريم التي تقرؤها صباح مساء في الصحف اليومية وتتطلع الى اللحاق بركبها، وتشركها الامة وناشئتها وشبابها في هذا التطلع، اذ هي لغة التعليم الاساسي والجامعي في الامة وعماد هويتها وقوميتها وشخصيتها الخالدة على مر الزمن".
ويتمنى الدكتور "ان تكتب في مواد كتابه كتب تعليمية للناشئه وللمذيعين والمذيعات وان يتاح لأن تعرض عرضا حسنا على افراد الجماهير المصرية في الصحف والتلفزيون حتى تسرع الخطى في محو الفواصل وطمس الفوارق بين العامية المصرية والعربية الفصيحة. ويصبح جميع افراد الشعب المصري يستطيعون النطق الصحيح بالعربية السليمة في التخاطب والتفاهم بينهم في المنزل والمدرسة والسوق والمصنع والحياة اليومية العاملة".
ولما كانت اراء الدكتور شوقي ضيف رئيس مجمع اللغة العربية بالقاهرة قد صدرت في اوائل تسعينات القرن العشرين وقبل اعاصير العولمة الغربية بمغازيها السياسية والاعلامية والاجتماعية والاقتصادية فان مقترحاته لوحدها لن تكون كافية لمعالجة تحريفات العاميات بعد ان تعددت جبهاتها الاعلامية والثقافية.
(3) التوعية بأهمية اللغة العربية الفصحى في الحياة:
إن اللغة العربية هي الهوية كما يؤكد علماء اللغة. واللغة العربية الفصحى هي هوية الامة العربية الاسلامية . فهي وعاء تاريخها وحضارتها ودينها وعلومها وفنونها، وهي اداة الامة لتحصيل العلوم والمعارف والحضارة في المستقبل. واذا كانت اللغة العربية الفصحى لاتختلف عن لغات العالم الاخرى في هذه المعاني السابقة فانها تختلف جذريا عن جميع لغات العالم في انها لغة عقيدة وشريعة انسانية عادلة كانت سببا في مناعة وقوة وصلابة ابناء العربية. يقول الدكتور اسامة الالفي في كتابه(اللغة العربية): "لقد ذهبت دراسات علمية حديثة الى ان اللغة العربية كانت من اسباب قوة العرب وصلابتهم. ونشرت جريدة الاهرام على لسان الباحثة سهير السكري وهي باحثة مصرية تعمل في مجال اللغويات بجامعة "جورج تاون"الامريكية نقلا عن كتاب(الاسلام المقاتل) للكاتب الانجليزي"ايه جانسر" ان الباحثين الانجليز والفرنسيون تحيروا في اسباب صلابة الانسان العربي التي مكنته من فتح ماحوله من بلدان وحتى حدود الصين والهند. فاجروا دراسات مكثفة اسفرت عن الوصول الى ان تحفيظ الطفل العربي القران الكريم بمافيه من فصاحة تراكيب وصيغ بلاغية قد حمى الانسان العربي عن ازدواجية اللغة والوقوع في براثن العامية، فضلا عما اكسبته قراءته للقران الكريم وحفظه له من طاقة نضالية وصلابه خلقية".
ان اللغة العربية الفصحى تمتاز عن بقية لغات العالم بخصائص عديدة ولايمكن مضاهاتها باية لغة حية او ميته وهو ليس موضوعنا في هذا السياق ولكن المطلوب الان حمايتها والاعتناء بها والتوعية باهميتها على مستوى الاسرة والمجتمع والدولة. وهذا الواجب يقع على عاتق كل المتعلمين بها داخل الاسرة وخارجها كما يقع على الدولة باجهزتها المختلفة الاعلامية والثقافية والتعليمية, كما ان المنظمات الاهلية والجمعيات الثقافية تتحمل مسؤولية كبرى في هذا الشان.
(4) استخدام القران الكريم لمحو الامية في الاسرة والمجتمع:
تعاني الاقطار العربية في الغالب من انتشار الامية فيها بنسب كبيرة التي هي احد اسباب ضعف اللغة الفصحى. ومعظم محاولات محو الامية التي قامت بها الاجهزة التعليمية فشلت في تحقيق اهدافها لضعف التمويل بصفة عامة في مجال التعليم وقلة المشاركين في تنفيذه وأسوأ من كل ذلك اتباع منهج عقيم في تعليم الاميين, فتعلم اللغة العربية الفصحى منذ ثباتها ارتبط بالقران الكريم عند العرب والمسلمين وهذا الارتباط بين القران الكريم وبين تعلم اللغة الفصحى هو الذي حفظ للغة العربية بقاءها منذ اكثر من "14" أربعة عشر قرنا في الزمان كاقدم لغة حية في العالم كما جعلها اقدر على البقاء والتطور. ان اللغة العربية والدين الاسلامي متلازمان فكل منهما يعرف بالاخر ويطوره، ولهذا فان قوى التغريب والاستعمارالاستخرابي تعمل على محاربة مدارس الدين الاسلامي والقران الكريم كجزء من محاربة اللغة الفصحى والهوية والفكر. فالقران الكريم هو الذي ثبت اللغة العربية كتابة وقراءة وحفظ بها الاسلام عقيدة وفكرا وعلما وحضارة.
ان القران الكريم كتاب مقدس عند العرب والمسلمين وحين يتعلمون به اللغة العربية فانهم يجيدونها اجادة تفوق اللذين يتعلمون اللغة بمناهج اخرى. وقد ابتدع القدماء طريقة(القاعدة البغدادية)البسيطة التي تعتمد على الموسيقى والسماع في تعلم مبادئ اللغة العربية القرانية. ولما كانت المساجد في الاسلام تستخدم كمدارس علمية ومراكز سياسية واجتماعية فلابد من اعادة استخدامها في برامج محو الامية لتعليم اللغة العربية بالمصحف الشريف. ان اقفال المساجد معظم الوقت وعدم استخدامها فيما ينفع الناس هو جزء من السياسات التغريبية والحكومات الاستبدادية التي تفصل بين الدين والدنيا وتنشر الجهل والتخلف بمحاربة اللغة العربية والدين الاسلامي. فالقران الكريم هو الاداة التي كانت تمحى بها الامية طوال التاريخ الاسلامي لان المساجد كانت مفتوحة فتحا دائما للتعلم والتعليم.
ولما كانت الامية متفشية اكثر بين النساء وخاصة الامهات في مجتمعاتنا فان محاربة الامية داخل الاسرة باسهل الطرق واوفرها يمكن تنفيذها بان يقوم افراد الاسرة المتعلمون بتعليم الاميين فيها بالقران الكريم. وفي هذا الشان فان التلفزيون يمكن ان يستخدم ايضا بطريقة منهجية معينة ضمن برنامج تعليمي لمحو الامية بالطريقة القرانية.
(5) تقوية اللغة العربية في التعليم العام والجامعي:
من الملاحظ ان المثقفين والمفكرين والعلماء العرب الذين يجيدون التعبير عن افكارهم بلغة سليمة فصحى هم اولئك الذين حفظوا القران الكريم في صباهم بل انهم يتميزون احيانا عن اقرانهم فالقران الكريم كتاب ضروري لتعليم اللغة الفصحى في جميع مراحل حياة الانسان. انه ليس كتاب عقيدة وشريعة بل كتاب لغة وبلاغة وبيان يتعلم به الانسان اشرف اللغات. ولذلك لابد من جعله جزءا اساسيا من منهج تعليم اللغة العربية في كافة المستويات التعليمية العامة والجامعية حسبما يتقضي كل مستوى.
أ- تعليم اللغة العربية في المستوى العام:
تقوم مناهج التعليم في البلاد العربية على قاعدتين تخالف قواعد مناهج العلم والتعلم في الحضارة الاسلامية, اولاهما فصل الدين عن التعليم بحيث يبعد القران الكريم عن منهج التعليم والتعلم به وثانيهما تعليم لغة العرب بمنهج لاتيني وعدم اعتبار اي خصائص لغوية او دينية للفصحى العربية. وهاتان القاعدتان وضعتهما السياسات الاستشراقية والتربوية للغرب الاستعماري في اوائل القرن العشرين المسيحي واستقرتا ضمن المناهج التربوية كجزء من الفكر القومي والعلماني الذي ساد المنطقة نتيجة تلك السياسات التغريبية التي اندفع فيها بعض الناس عن تدبير وبعضهم عن جهل وغفلة فظهرت ثمار تلك السياسات اللاتينية واللادينية للتعليم في إنتاج أجيال من ابناء العروبة الاسلامية لاتمتلك طاقة نضالية او صلابة خلقية بعد ان وقعت في براثن العامية وازدوجت لغتها" حسب راي(اية جانسر)في كتابه "الاسلام المقاتل".
ان منهج تعليم اللغة العربية للاطفال عند التحاقهم بالتعليم الاساسي والعام يجب ان يقوم على ركائز مستمدة من خصائص اللغة العربية وهي:
1- ان المران بالتكرار في النطق والسماع والقراءة والكتابة بطرق صحيحة وموسيقية هو اساس تعلم اللغة العربية وليس الادراك الكلي لصورة الكلمات الصوامت.
2- ان الحرف هو الاصل في اللغة العربية وليس الكلمة كما في اللغات اللاتينية.
3- ان الحرف العربي يتغير رسمه في الكتابة اما الحرف اللاتيني فثابت رسمه في الكتابه.
4- ان الكلمة في اللغة العربية يختلف لفظها ويختلف معناها باختلاف رسمها بينما الكلمة في اللغات اللاتينية لها رسم واحد ولفظ واحد.
5- ان معظم الفاظ اللغة العربية تتوالد توالدا خصبا عن طريق الإشتقاق بعشرات المفردات ذات المعاني المختلفة بينما الفاظ اللغات اللاتينية ضعيفة في توالدها الاشتقاقي بسبب عقمها بحيث ان احسن لفظه تقل مفرداتها بالتوالد عن اصابع اليدين.
6- ان رسم الحروف في العربية يتحكم في الاملاء والنحو والصرف ولذلك يجب ان تكون جميع الكتب الدراسية المقررة مطبوعة كلماتها بالتشكيل الكامل لعلاماتها بحيث تظهر جميع علامات اعراب الكلمات والعبارات والجمل حتى تنطق وتقرا وتكتب حسب اعرابها فيتعود اللسان عليها طوال المرحلة الاساسية والثانوية في التعليم العام فيسهل تعليمها من المدرس وتعلمها من الطالب.
7- ان اللغة العربية لغة موسيقية تعتمد على فصاحة اللفظ وجزالة ورقة الاسلوب ورصانته فينبغي ان تتواءم النصوص المختارة سمعيا مع هذه الخاصية. ولذلك فان ايات القران الكريم وروائع الشعر العربي العمودي هي التي تصنع السليقة اللغوية في متعلم العربية بالاضافة الى ماشابه ذلك من النصوص البلاغية الاخرى في المتون الاخرى.
8- يجب تعليم الطفل في هذه المرحلة الاسماء العربية الفصيحة لما في بيئته من جميع انواع النباتات والزهور والثمار والحيوانات البرية والبحرية بالاضافة الى اسماء جميع اعضاء جسم الانسان الخارجية والداخلية الهامة بالتفصيل.
9- يجب ان يقضي الطفل عند التحاقه بالدراسة العامين الاولين في تعلم اللغة العربية دون ان تنافسها اي لغة او مواد اخرى غير الحساب والرسم والموسيقى إن أمكن ذلك.
10- إن القران الكريم يجب ان يقرر ككتاب للتربية الوطنية في جميع المراحل فهو خير من يعلم مبادئ حقوق الانسان واحترامها ويامر بمقاومة الطغيان والمظالم والمفاسد والشرور ويعلم الاخلاق والقيم الانسانية وفعل الخيرات وتجنب المنكرات بالاضافة الى مايناسب ذلك من مختارات السنة النبوية وبذلك تتقوى صلابة الطالب الاخلاقية وسليقتة اللغوية في آن واحد.
11- يجب ان يتعلم الطالب في المرحلة الثانوية نصوصا علمية مختاره من مؤلفات علماء المسلمين القدامى في مختلف العلوم الطبيعية ومثلها من مختارات في العلوم الشرعية.
12- لابد ان تكون حصص اللغة العربية بمايكفي لاستيعابها كما انه يجب تكريم مدرسيها ماديا ومعنويا بما يليق بمكانة اللغة الهوية.
ب- تعليم اللغة العربية في المستوى الجامعي:
اذا كان ضعف اللغة العربية في المستوى الجامعي يعود للاسباب المختلفة التي ذكرناها بصفة عامة إلا أن السبب الرئيسي هو ضعف اللغة العربية منهجا وتدريسا في التعليم العام وعليه فان تقوية وسائل تطوير اللغة العربية تستدعي على المستوى الجامعي:
1- بما ان اللغة العربية هي اللغة الرسمية للدول العربية فيجب على مجالس الجامعات الزام مدرسي الجامعات بطريقة قانونية بالحديث والحوار والنقاش في قاعات التدريس باللغة الفصحى وتحريم استخدام اللهجات العامية المنحرفة التي تعطل اللسان والفكر. فنحن نعرف قوة العلاقة العضوية بين اللغة والفكر في هوية كل شخص فاللغة الشريفة السامية تسمو بالفكر والاخلاق اما اللهجة المنحرفة فانها قد تجر لسان صاحبها حين يكثر منها وينفعل بها الى لهجة سوقية مبتذلة في المحتوى والشكل. ان اللغة الفصيحة المطلوبة للتدريس الجامعي هي مايستطيعه كل مدرس حسب ثقافته غير ان الممنوع على من في مستواه ووظيفته الجامعية هو تحريف نطق الحروف او نطق الكلمات مع الحفاظ على حد ادنى من لفظ الكلمات بمايقتضي اعرابها حسب قدرته اللغوية.
2- ان اهمية اللغة العربية تفرض علينا تقريرها كمادة اجبارية في كل الفروع الدراسية واقسام الكليات الجامعية بحيث يشتمل مقررها الدراسي على مختارات نصية من كتابات علماء المسلمين في كل الدهور في مجالات العلوم الشرعية والعلوم الطبيعية والعلوم الادبية وخاصة قصائد الشعر العمودي الشهيره لفحول الشعر العربي في مختلف العصور الجاهلية والاسلامية والحالية.
ج- تعريب تعليم العلوم والتقانات في الجامعات:
تتطور الامم بقدر ماتكتسب من العلوم الطبيعية. فجميع الدول المتطوره تدرس العلوم الطبيعية بلغتها الوطنية اي اللغة الام باستثناء الهند التي لم يمكنها الاحتلال البريطاني من الاتفاق على لغة وطنية للدوله في الهند . اما الدول العربية فمعظمها تدرس العلوم الطبيعية بغير اللغة العربية باستثناء سوريا الرائدة التي لحقت بها العراق في اواخر القرن العشرين قبل ايقاعها في شراك الامبرالية الامريكية بالعدوان على الكويت وليس هناك سبب وجيه لتاخير تعريب التعليم الجامعي سوى العجز والضعف في الاداره الجامعية والاراده السياسية. ان الكيان الصهيوني الذي زرع في المشرق العربي بعد استقلال دوله العربية استطاع ان يعزز هويته الصهيونية بالدين واللغة بعد ان احيا اللغة العبرية وعلم بها جميع العلوم الطبيعية والانسانية في التعليم العام والجامعي في حين ان العرب عجزوا عن استخدام اللغة العربية في تعريب العلوم رغم ان علماء المسلمين القدامى استخدموها ببراعة في كتابة العلوم الطبيعية ايام الحضارة الاسلامية.
ان العلوم الطبيعية في المستوى الجامعي تكاد تكون مستقره في معارفها وقوانينها ولذلك فلابد من اكتسابها وتعلمها باللغة الام مع الحفاظ على المصطلحات الاجنبية للغات العالمية التي عرفت بها مع عدم التخلص من اللغات الاجنبية في البحث والمراجعة. غير ان الدراسات العليا في مختلف مجالات العلوم ستظل باللغات الاجنبية حتى يتمكن العرب بعد ان يتطوروا علميا وتكنولوجيا من الولوج الى عالم الاكتشافات والاختراعات. ان المصطلحات العلمية ستظل باللغات التي كتبت بها حتى تصبح المعرفة مستقرة بها وحين يتخطاها التطور المعرفي للعلوم فان التعريب الكامل يمكن ان يشملها .ان اهمية التعريب لاتقتصر على التعليم الجامعي الذي ستصبح فيه العلوم سهلة وميسورة على الطلاب من حيث الكم والنوع بل ان دائرة استيعاب المعارف العلمية ستتسع لتشمل الاخرين في الجامعة وفي المجتمع. فآراء العلماء ومعارفهم لايمكن لها ان تتطور مالم تجد مساندة من المحيط الواعي علميا بنشاطات علمائه وجهودهم الخيره. ان تعريب العلوم يعني نشر الثقافة العلمية وتقوية دوائرها وخلق مجتمع قابل للفكر العلمي والتطور التقني. ان عدم تعريب العلوم سيؤدي الى توسيع دائرة الامية العلمية التي لاتساعد على التطور.
اذا كانت اللغة هي اصوات منطوقة او مرموزه يعبر بها الناس عن اغراضهم فان اللغة العلمية هي لغة جزئية تعبر عن بعض اغراضنا. فهي لغة موضوعية ووصفية وبسيطة. واللغة لاتتطور الا بالاستخدام والممارسة ومالم تستخدم اللغة العربية في تعليم العلوم فان اللغة العلمية في العربية لن تتطور وبما ان الجهات العلمية في الاقطار العربية كمجامع اللغة العربية ومكتب التعريب التابع للجامعة العربية في المغرب قد اصدرت الكثير من المعاجم اللغوية للمصطلحات العلمية الاجنبية فان الترجمة والنقل والاقتباس قد اصبح في متناول الجامعات العربية وان ايسر طريق للجامعات المتعثره او المتعسره هو الاتفاق مع الجامعات السورية لنقل تجاربها في تعليم العلوم مادة ومنهجا بدل التردد مدة طويلة كما حدث لكلية الطب في جامعة القاهرة منذ اربعينات القرن الماضي حتى اليوم. ان عدم تعريب العلوم الجامعية قد ادى الى انتشار لهجة افرنجية وعامية بين مدرسي الجامعات العلمية لاتساعد على وضع اسس للتعريب. ومن سخرية القدر ان المستعربين الروس قد قاموا بتعريب علوم العصر الحالي في مختلف الفروع العلمية بلغة عربية سليمة واضحة ،دقيقة طيعة ميسرة لاتتوقف ولاتتعثر في اواخر الستينات من القرن الماضي كما تقول الدكتورة عائشة عبد الرحمن "بنت الشاطئ"في كتابها لغتنا والحياة وكما اطلعنا على بعضها في عدن في اوائل السبعينيات من نفس القرن في حين ان تخاذل علمائنا المهيمنين على ادارة الجامعات قد جعلتهم يتحججون بمختلف الذرائع.
(6) حماية اللغة العربية رسميا في الدولة والمجتمع:
ان دساتير الاقطار العربية تنص على ان اللغة العربية هي اللغة الرسمية للدولة ولكن معظمها لم يضع هذه القاعدة موضع التنفيذ القانوني المنظم مما جعلها عرضة للاختراق والتحريف في مجالات عديدة لان الفصحى لم تجد الحماية القانونية تشريعا او تنفيذا الا في القطر التونسي في عهد الرئيس زين العابدين بن علي الذي عمل على ان تكون اللغة العربية هي لغة كل نشاط او خطاب يلقي داخليا وخارجيا وفق سياسة التعريب الشاملة التي يقودها بنفسه. ان حماية اللغة العربية الفصحى تقتضي اتخاذ حزمة من السياسات والاجراءات القانونية والادارية وفي جميع هيئات الدولة والمجتمع الرسمية والاهلية, بحيث يتم اصدار قانون بانشاء مجلس لحماية ورعاية اللغة العربية تخطيطا ومشاركة وتنفيذا ورقابة في جميع المجالات السياسية والاجتماعية والاقتصادية بما يوجب سلامة استخدامها وحفظها وحسن تطويرها ومنع تحريفها او تشويهها او تبديلها قولا او فعلا في النطق او القراءة او الكتابة وخاصة في هذه الحقبة التاريخية من العولمة الساحقة الماحقة للضعفاء والمتخلفين والفارضة عليهم ثقافة الاخرين. ان اللغة العربية الفصحى هي بالنسبة لابناء العروبة كالماء والهواء. فبدونها سيختنقون ثقافيا وتموت هويتهم وبما اننا في عصر يقنن قطريا واقليميا وعالميا لكل شيء يمس حياة الفرد والجماعة في المجتمع والبيئة فان اللغة العربية جديرة بقانون يحفظها ويرعاها ويحميها من عوادي الزمن وغوادر الأعادي. لم تكن هناك في العصور الماضية قوانين تحمي الفكر والهواء والماء من التلوث أو السطو. أما اليوم فان الاقوياء قد فرضوا اتفاقيات دولية حتى لحماية الملكية في الفكر فكيف بنا لانحمي هويتنا اللغوية بالقانون مادمنا لانستطيع حمايتها بقوة حضارتنا علما وثقافة. ان الاقوياء يفرضون تاثيراتهم بقوتهم الحضارية اما نحن فليس لدينا مايسعفنا الان الا الاحتماء بالقانون كبقية الضعفاء بل ان دولة كبيرة كفرنسا قد فعلت ذلك حينما رات ان الثقافة الانجلوسكونية بدات تؤثر وتهدد مستقبل اللغة الفرنسية.


(7) تعزيز اللغة العربية الفصحى في وسائل الاعلام والثقافة والامتاع:
ان وسائل الاعلام والثقافة والامتاع التي نقصدها هنا هي : ا-الصحف والمجلات والكتب والمطبوعات المختلفة. ب-الاذاعة والتلفزيون والاتصالات الالكترونية وشبكة المعلومات الالكترونية. ج-السينما والمسرح والغناء والاعلانات. د-المحافل الرسمية والاجتماعية العامة او الخاصة. وهذه الوسائل تستخدم فيها اللغة العربية وغيرها صوتا او كتابة. وبما ان اللغة العربية تتنافس معها في هذه الوسائل اللغات الاجنبية او اللهجات العامية بالمشاركة او الاحلال دون سبب وجيه فلابد من تنظيم استخدام اللغة الفصحى في المجالات الحيوية حسب اللزوم. فبعضها يحتاج الى تقنين رسمي من الدولة وبعضها يتطلب وضع معايير وشروط للتحفيز والتنفير وبعضها يستدعى التوجيه والتوعية والارشاد وبعضها تحتاج الى انضباط اخلاقي وادبي وبعضها تحتاج الى وقت لتغييرها واصلاحها ،اما بعضها فسيظل مرهونا بدوافعه السوقية او الماجورة الى اجل غير مسمى غير انه يمكن اتخاذ بعض الاجراءات في وسائل الاعلام والثقافة والامتاع نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر:
1-تكثيف مواد اللغة العربية في منهاج كليات الصحافة والاعلام لان اللغة العربية الفصحى هي لسان رجال الصحافة والاعلام يستطيعون بها اجادة او اساءة عرض رسالتهم فتاثير اللغة لايحتاج الى توضيح سواء كانت بالكتابة او القراءة او الالقاء.
2-تشجيع اعداد وعرض البرامج الاعلامية بالفصحى المقروءة منها او المسموعة حسب اغراضها واعادة عرضها في اوقات مختلفة مع تكرار الجيد منها بين مدد طويلة كما يمكن اعادة عرض البرامج الثقافية ذات القيمة الفكرية الدائمة بنفس التكرار مهما عفى عليها الزمن.
3-الاكثار من برامج القران والسنة والعلوم الشرعية لما فيها من ثروة لغوية لعامة الناس الذين يحترمون شريعتهم ويقدسون دينهم ويتشوقون لمعرفة الاسلام.كما ينبغي دائما عرض مختارات لروائع الشعر العربي المقفى الموزون في جميع وسائل الاعلام لما له من قيمة سماعية على الاذن العربية.
4-الاكثار من عرض المسلسلات والافلام والمسرحيات التي اعدت باللغة العربية الفصيحة سواء كانت مؤلفة باللغة العربية او مترجمة عن لغة اخرى مع تكرار عرض الجيد منها في فترات تالية وعلى ازمان متباعدة حسبما يقتضيه الفن الاعلامي والحاجة الاجتماعية.كما ينبغي تشجيع الغناء باللغة الفصيحة مع تكرار الاغاني الفصيحة لمشاهير الغناء العربي التي شملت مختلف المواضيع.
5-منع الاعلانات منعا باتا بالعامية والزام المعلنين باستخدام الفصحى سواء كانت الاعلانات في وسائل الاعلام او غيرها او تدل على اسماء المحلات التجارية ولايمنع ذلك استخدام لغة اجنبية بجانبها او كلمة اجنبية اذا كانت هي علامتها التجارية العالمية.
6-الاقلال من البرامج الاعلامية باللهجات العامية قدر المستطاع والحد منها تدريجيا والابتعاد عن البرامج المرتجلة الاعند الضرورة للاحداث والوقائع في الظروف القاهرة .
7-عدم تقديم برامج الاطفال باللهجات العامية لعظم خطورتها على تكوين الملكة اللغوية في اسماع الطفل ولسانه وجعل جميع برامج الاطفال باللغة الفصيحة البسيطة المناسبة لاعمارهم رغم ان قدرة الطفل كبيرة في استيعاب الفصحى وحفظ القران الكريم.