آخر تحديث :الإثنين-22 سبتمبر 2025-11:01م

قراءة عاجلة في مذكرات المناضل علي عبدالله الضالعي الحلقة ( 3 )

السبت - 06 يوليو 2024 - الساعة 06:15 م
اللواء ركن علي ناجي عبيد

بقلم: اللواء ركن علي ناجي عبيد
- ارشيف الكاتب






يثرينا المناضل علي عبدالله الضالعي برواياته الشائقة عن مرحلة نضال شاقة بتنوع جميل تتسيدها القفزات من مرحلة الى أخرى فالعودة الى ما قبل الأولى والسفر مرة أخرى الى ما بعد بعد حيفا.
بما أن القراءة عابرة فلا بد أن نقفز من محطة الى اخرى من محطاتها وهي الكثيرة والمتعددة فمن المدرسة الى كرة القدم الى حرب أكتوبر والمرور بوحدة مصر سوريا الى الإنتخابات الطلابية الى العمل الحزبي ومنه الى السجون في الخارج قبل الداخل فإلى متاعب السفر والجواز المنتهية صلاحيته فالعودة الى النضال العمالي في عدن ثم الدراسة، فالسفر إلى مصر على متن الباخرة مصر، الى لقاءات مع شخصيات قيادية هامة في مراحل مختلفة هذا التنوع العجيب هو ما امتازت به مرحلة عاشها المناضل علي الضالعي( بالطبع لم يكن الوحيد ) من أهم ما أعتقده هو لقائه لمرتين مع الرئيس الحمدي قبل أن يكون رئيسا وأثناء رئاسته وهنا رأيت أن أتوقف عند لقائين مع الرئيس اليمني الـــــــــــ فلته التي جاد بها الزمن مبشرة بعصر جديد، لكن يبدو أن الزمن رأى أنها منه غلطة لا بد أن يصححها!!! "فلا صح ولا صحيح تصحيح في اليمن السعيد !!" وهذا ما قادني الى رواية قصة " ما بش ماجستير في اليمن في اليمن السعيد " فيما روى الراوي أن شابا يمنيا يتمتع بذكاء خارق استطاع الإفلات من القبضة الإمامية في أربعينات القرن العشرين الماضي وهرب الى دولة أوروبية، استطاع مواصل دراسته إلى جانب العمل إلى أن حصل على درجة الماجستير، فرح بهذا الإنجاز العظيم بحساب ذلك الزمن وعاد إلى صنعاء على متن طائرة ناقلة لبعثة أجنبية زائرة، ظلت دولتها تخاطب الإمام بشأنها سنوات حتى حصلت على الموافقة، في المطار الترابي الواقع بجزء من ميدان السبعين الحالي تهبط الطائرة ليستقبل ركابها بالسؤال عن الإسم والصفة، الطالب كتب صفته ماجستير، وصلت الى الإمام يحي الذي أحالها بدوره الى مفتي الديار المتوكلية ليبحث على كل المذاهب الإسلامية جواز دخول الماجستير إلى عاصمة السعادة من عدمه ، لم يجد لا بالقرآن ولا بالسنة شيئا إسمه ماجستير ليطلع الإمام بعجزه التام مع بحثه في كل المذاهب الإسلامية، ليرد الإمام بخط يده المباركة ــ ما بش ماجستير باليمن السعيد ــ وهكذا عندما قام الرئيس بحركة تصحيح لمسارات التاريخ الخطأ في صنعاء منذ قرووووووون جاء من يقول ما بش تصحيح في اليمن السعيد فليبقى على تعاسته.
اللقاء الأول للمناضل علي الضالعي بنائب رئيس الوزراء للشؤون الداخلية إبراهيم محمد الحمدي في 6 إبريل 1973م في القاهرة بمعية ياسين عبده سعيد بواسطة الدكتور عبدالرحمن البيضاني في فندق شيراتون بالقاهرة وتحديدا بعد مغرب ذلك اليوم في شرفة غرفته المطلة على النيل الذي بدأ الحمدي لقائه بالطالبين علي وياسين بالإشارة إلى نعمة الماء قائلا الناس عندنا في تهامة يموتون من الجفاف، هنا لاحظوا معي هم هذا الشخص الوطني همه المواطن الذي يعاني من الجفاف ويواصل الهموم بالحديث عن البيان الذي أصدرته الرابطة الطلابة التي يشغل سكرتاريتها صاحب المذكرات وهي تتحدث عن إقتطاع أراض يمنية بحماسة شديدة وما يلفت إنتباه إبراهيم الحمدي هي تلك الحماسة التي يقدرها رغم عدم ملامستها للواقع فيعذرهم بأن إستطاعة الطلاب للتأييد او التضاد هو قيامهم بإعتصام أو إصدار بيان وبتوصيف وتحليل عميقين دقيقين للواقع يقول الحمدي لهما لو عملنا الآن إستفتاء في حرض أو صعدة هل يريدون البقاء في اليمن أو الإلتحاق بالسعودية؟ سوف يصوتون للإنضمام للسعودية بسبب الأوضاع السيئة في اليمن. مضيفا ما معناه أن الأرض المقتطعة من اليمن ستعود تلقائيا في حالة وجود دولة وتنمية في اليمن، لاحظوا عمق نظرته الثاقبة للحاضر والمستقبل إلخ... لينتقل الحمدي بنفس اللقاء لسؤالهما عن إنتمائهما الحزبي، بعد مراوغة لطيفة يعترفان بأنهما ناصريان في ظل سرية عمل الحزب الناصري بل كل الأحزاب في زمن شعار من تحزب خان... ليؤكد بأن ليس هما أو الناصريين الوطنيين ولكن البلاد مليئة بالوطنيين المخلصين وهنا أستطيع التأكيد بأن الحمدي يقصد من كل الإتجاهات والمذاهب السياسية أو ربما قالها رغم عدم إيرادها من قبل صاحب المذكرات لتعصبه الواضح للناصرية والناصريين وبس، ويبدو من خلال النتائج اللاحقة منذ ذلك اليوم وحتى اليوم أن نصيحة الحمدي لم تستوعب كما هي على الأقل حينها ليس من قبل الطالبين ولكن من معظم إن لم يكن كل القوى السياسية في الشمال والجنوب التي كان إحتكار الوطنية شعارها وممارستها والشاهد على ذلك ما نحن فيه في حاضرنا التعيس، فهل ستستوعب اليوم؟؟؟
حيث نصح بالبحث عنهم بـ تحسسوا،في هذه الكلمة تقدير لسرية العمل الحزبي في الشمال، منتقلا للحديث عن مواقف مصر المشرفة مع اليمن وأنها بزعامة جمال عبدالناصر قدمت الغالي والنفيس من أجل اليمن وهي أشرف وأنبل من تعاون مع اليمن الخ.. ص 105 و106 من المذكرات.
اللقاء الثاني والحمدي رئيسا لليمن. فلا بد من الوقوف أولا قبل التعرض لأهم تفاصيل هذا اللقاء الثاني عند النضج السياسي الكبير لدى الحمدي ونظرته الثاقبة للمستقبل والشجاعة بالإعتراف بالواقع بضربه المثال في حالة إجراء الإستفتاء، لا شك بعد الإطلاع على بيان الرابطة الطلابية الناصرية الممتلئة بالحماس الذي لم يوفر صديقا سواء في الداخل أو الخارح المتمثل بالوصايا العشر التي أختتمت العاشرة بالتهديد للزعيم الحمدي نفسه بالوقوف ضده إن لم يلتزم بتلك الوصايا.
كم نحن بحاجة الى تمثل تلك الوقائع بحماسها الشبابي ونضج كبار الساسة في ظروفنا الحالية التي تمر بها البلاد أولا بتقدير الموقف السليم عما يدور حولنا والتصرف الهادئ المناسب والبحث عنهم اي الوطنيين وذلك من خلال دراسة القرارات أولا من قبل النخب السياسية وكذا إستثمار حماس الشباب وطاقاتهم إلهابا لحماسهم وترشيدا بحسب متطلبات كل موقف.
جرى اللقاء الثاني لصاحب المذكرات بالزعيم الحمدي وهو رئيساً للجمهورية العربية اليمنية بعد حركة التصحيح في 13يونيو 1974م التي فتحت آمال كبيرة أمام عملية تقدم منتظرة.
كان اللقاء بالرئيس الحمدي يوم 8 فبراير، 1975م ثاني يوم وصول الطالب علي الضالعي من مصر، إضغط على ــ ثاني يوم ــ لمعالجة مسألة طلابية مطلبية خاصة بتنفيذ وعد سابق من رئيس الوزراء محسن العيني الذي يعتبر في نظر الناصريين خصما سياسيا بزيادة خمسة جنيه الى المنحة المقررة لكل طالب، لم يعالج الحمدي المشكلة بل السبب بإستماعه الى أن الملحق المعني مزاجي إذ طلب مقترحا فاجئ به الطالب الضالعي بالبديل الذي تم إنجاز تعيينه خلال يومين بعد إقتراح الإسم بالتشاور بين علي الضاعلعي وآخر.
وقفة هنا أمام ظاهرة كهذه إهتمام زعيم غارق في مشاكل بلاد شديدة التخلف والتعقيد حتى أن صاحبنا حصل على نصيحه بعدم مقابلة الحمدي مرة ثانية لإنشغاله الكبير بقضايا البلاد. لكن القائد الفذ أعطى جل إهتمامه لقضية الطلاب في مصر ولا شك تعتبر جزءا يسيرا من قضايا التربية والتعليم بشكل عام،إنما ذلك الإهتمام دون شك ناجم عن درايته بأن الطلاب والشباب هم رصيد البلاد المأمون للنهوض بها من ربقة التخلف،إستدعاه مرة ثانية كما أرسل له مبلغا مجزيا من المال على حرصه الشديد على عدم بعثرة المال كمساعدات أو لشراء الذمم ــ تشجيعي ــ يعبر بذلك عن ليس نظرة ثاقبة للمستقبل فحسب بل وعن أسلوب قيادي يعلم الآخرين "" مش بالهدرة ولكن بالقدوة "". ص 117ــ121من المذكرات. ما هو بين قوسين او شرطة من عندي.
كما تمت لقاءات أخرى ضمن لقاءات عامة أولها أثناء زيارة الرئيس الحمدي للقاهرة في شهر فبراير 1976م الذي التقى بالطلاب بمقرهم رافضا نصيحة السفير أن يكون اللقاء بالسفارة غير مبالٍ بالتحذيرات الأمنية حيث ارتجل كلمة حث فيها الطلاب على جدية التحصيل العلمي والعودة الى البلاد للمشاركة في بنائها.
مما شك فيه أن الرئيس، الحمدي كان معجبا بالزعيم سالم ربيع علي ــ سالمين ــ بل ومحبا حد جعله قدوته مقلدا لأساليبه القيادية في العمل أوساط الجماهير رغم التعقيدات المختلفة التي يتميز بها الشمال وصلته بالجوار عن الجنوب التي لم ينتبه الحمدي مما أودى به وبالتجربة.
كما كان هناك لقاء آخر في مؤتمر الحزب الناصري بالحديدة الذي حضره الحمدي بشكل سري وبه التزم حزبيا بالحزب الناصري وكما أورد المناضل علي الضالعي كان ثاني زعيم في العالم ينتمي إلى حزب بعد توليه الرئاسة بعد الزعيم الكوبي راؤول كاسترو.
أعتقد أن قرار إنتمائه إلى الحزب الناصري هو في سبيل إستثمار أداة سياسية متوفرة لها نفوذ على الواقع في ج ع ي بحسب تقديره هو الأوسع وحبه للزعيم جمال عبدالناصر وقناعته بأن التجربة الناصرية أو ايه تجربة كانت لن تدوم إلا بوجود الحامل السياسي لها، بالإستفادة من أفول التجربة الناصرية في مهدها مصر بعد وفاة ناصر بسبب واحد وهو عدم وجود الحزب السياسي المنظم الذي يغطي فراغ الزعيم لأي سبب كان، كما هي تجارب أحزاب عديدة في شرق وغرب هذه المعمورة ومنها ما هو أقرب إلى يد الحمدي وسمعه وبصره وهي تجربة الجنوب فقد انتهى قحطان ولم تنته الجبهة القومية، ذهب سالمين بعد الرئيسين ولم تنته التجربة خرج فتاح وبقي الحزب، راح علي ناصر وفتاح وكوكبة من الشهداء القادة والكوادر وبقيت التجربة، لكن إنتهى الحمدي وانتهت التجربة الفذة وسنرى هل قال لنا صاحب المذكرات ما أسباب ذلك أم جعلها ضمن القضايا المسكوت عنها. أم سيقول لقد انتهى الحمدي وانتهت تجربة الجنوب والحزب الإشتراكي حيث انتهى الحمدي وتجربتة هناك في صنعاء؟؟؟.
وإلى اللقاء في حلقة قادمة بعونه تعالى
عدن 6 يونيو 2024