آخر تحديث :الأربعاء-20 أغسطس 2025-12:25ص

ما قبل الانهيار

الثلاثاء - 13 أغسطس 2024 - الساعة 10:10 ص
فادي الفقيه

بقلم: فادي الفقيه
- ارشيف الكاتب


عند رؤية المشهد اليمني والعربي الحالي المتسم بالاضطرابات والصراعات التناحرية، نجد الصورة المشوهة للمجتمع، والرؤية الضبابية لمستقبل الأجيال، الذي يكتنفها الغموض وعدم اليقين،  حروب، فقر، مجاعة، فقدان سيادة، ضياع للهوية، ظلام قاتم، وأحلام متلاشية.

واليوم عندما ينهار المجتمع، تبرز ظاهرة الانفصام الأخلاقي إلى السطح، فنرى هذه اللوحة المُتسمة بالبشاعة، عندما يظهر الطالب الجامعي وهو يقدم القهوة والشاي للاعبي الطاولة في المقاهي العامة، وعندما نجد الطبيب ينغمس في صفقات تجارية مع المرضى، والمحامي يغدو مُتلاعباً بالحقيقة والعدالة من أجل كسب المزيد من النقود.. ثم يصل الأمر إلى درجة أن المرضى النفسيين يُعيَّنون أساتذة في الجامعات والمدارس، لينتجوا أجيالاً مُضطربة نفسياً، ومُلقنة عقلياً وذهنياً، وفي الجانب الآخر سَنرى خضوع صاحب القلم لأوامر حامل السلاح والسلطة، سَتخلط أوراق الدين بالسياسة، لتتغير بذلك الحقائق والمعارف، لصالح الأبقى، لا الأصلح، حينها ستُنطق كلمة الحق التي يُرَاد بها الباطل، سَيختلس الحياء لدرجة أن ما كان مُعيباً وخادشاً للحياء في الأمس هو شيئاً مُعتاداً اليوم، بل ومدعاة للتفاخر، فيرتفع شأن الحمقى والتافهين على حساب المثقفين والمبدعين، الذين يندثرون ويضمحلون.

لا صوت للعقل ولا الحكمة ولا الفضيلة في هذا المجتمع المُنهار، فالأدوار قد تبدلت، والقيم قد تلاشت، والأخلاق قد اندثرت، إنها لوحة مُرعبة لانهيار المجتمعات، حينما يُصبح الخطأ حقاً والحق باطلاً، والجهل علماً والعلم جهلاً.

أمام هذا المشهد المُرعب، نتساءل هل سيولد جيل جديد من رحم المعاناة؟ وهل سينجلي نوراً وسط هذا الظلام؟ قادراً على إنقاذ وخلاص هذا المجتمع من الانهيار، أم سيمضي نحو الفناء؟ إننا بحاجة ماسة اليوم إلى إعادة بناء قيمنا الأخلاقية والاجتماعية، واستعادة دور العقل والحكمة والفضيلة، هذا التحدي الكبير يتطلب من جميع شرائح المجتمع ومؤسساته دون استثناء، وبعيداً عن الانتماءات والولاءات الضيقة، الوعي والعزم لإحداث التغيير المنشود، وإنقاذ ما تبقى من المجتمع المنهار، قبل فوات الاوان..!