آخر تحديث :الأربعاء-30 أبريل 2025-09:32ص

نشرات الأخبار وبشرى فقيرة

الأحد - 01 سبتمبر 2024 - الساعة 10:13 م
علوي الوازعي

بقلم: علوي الوازعي
- ارشيف الكاتب


في زمن الدولة كنت العن تلك الأوقات التي تطل بها قناة اليمن بنشرة الأخبار لتفسد بها متعتنا ونحن نشاهد مسلسل ما .

كانت نشرات الأخبار معذبة وهي تأتي بين الحين والأخر لتقذف على مسامعنا نفس الأخبار البارحي التي لا جديد فيها غير إختلاف الوقت وإختلاف وجوه مقدمي النشرات أما أن تقطع بها برنامج ممتع فذلك يكفي أن يصيبك بالكآبة ،وأن يجعل أخلاقك في الحضيض فتجد نفسك تقذف الكلمات النابية شرقا وغربا ساحقا بها ماهو أمامك من مطايب في مطبخ سياستنا المبجل .

في تلك الأيام مثلا لم يكن يهمني إطلاقا سماعي لإفتتاح مشروع ما أو وضع حجر الأساس لثاني ،وقص الشريط لأخر وهي الأخبار التي كانت تزخر بها نشرات تلك الأيام بقدر ماكان يهمني مشاهدة المسلسل العربي أو السهرة العربية بدون أن تقطعه نشرة الأخبار .

وبالنسبة لي كانت رؤية بطل أو بطلة المسلسل وكيف سيتصرفون في المشهد الفلاني أهم من رؤية وجه مسؤول وماذا سيفتتح للشعب في المحافظة الفلانية .

وحتى عندما أطلت علينا قناة اليمن بمذيعة مثل بشرى فقيرة ذات الوجه الفاتن الرائق والعنق الأغيد الذي جعلها حديث المشاهد في ذلك الوقت بالنسبة لشعب محروم تترامي في روحه صحراء قاحلة متعطشة للجمال إلا أن ظهورها مقترن بنشرة أخبار تبتر علينا برنامج ما ممتع كان يجعلني ألعن كل شيء ،وألعن بشرى فقيرة التي أعود لأعتذر لها حين أخلو مع نفسي قبل النوم وأصر ألا أنام وفي نفسي ذرة حقد على أحد ،وأشعر بتأنيب الضمير لأني جرحت ساعة غضب وجه ملائكي عذب لا يناسبه من القول إلا أعذبه وأطيبه.

كم كان يبدو لي وجهها قبل النوم وديعا وحزينا وطازجا ومثيرا في آن تماما كأغنية تنساب في روحك في الهزيع الأخير من الليل،ومن شدة تقريعي لنفسي كنت أشعر برغبة للإعتذار لها على الطريقة اليابانية .

تلك أيام خلت كانت بحلوها ومرها تماما كقناة اليمن التي كانت تتحفنا بمسلسل عربي جميل أو فيلم هندي عبر نادي السينما للمميز عبد الملك السماوي ثم تفسد استمتاعنا به بنشرة أخبار مملة وها أنا الآن أرجو لمصدر الملل ذلك أن يعود وذلك لأننا بلينا بواقع ليس له مثيل في تاريخ الكأبة والبؤس والبشاعة والملل وصرنا نحن حنين العيس لواقع تعود فيه نشرات الأخبار منزوعة منها أخبار الدماء ومشاهد القتل التي غطت على كل الأخبار وصار يتطاير من أشداق المذيعين قطرات الدم وهم يقرأون نشرات الأخبار هذه الأيام .

أشتقنا لنشرات أخبار طويلة ومملة في ذلك العهد عن مشاريع تفتتح هنا وهناك ينجز بعضها ويظل بعضها حجر أساس دون إضافات تذكر ، اشتقنا للشاشة الفضية يطل من خلفها مذيعون حقيقيون كعلي صلاح أحمد ومايسة ردمان ومها البريهي ووووووو وبشرى فقيرة الغنية بالحسن الذي كان وجهها بمثابة مكافئة وإعتذار وتعويض لروح المشاهد تلقاء ما يلحق به من أثر نفسي سلبي تتركه فيه نشرات الأخبار التي تبدو وكأن المقصود منها عقاب جماعي للمشاهد ،إلا إنها رغم ذلك كانت تحمل مشاريع حياة لا مشاريع موت حجر أساس وقص شريط لمستشفى أو مدرسة وليست حجر أساس وقص شريط لمقبرة .. ربما كانوا يذرون ببعضها الرماد في العيون تقربا من الشعب لاسيما أثناء مواسم الإقتراع أما اليوم فنشرات الأخبار لاتذر رمادا بل تذر جثثا وأشلاءا في حدقات عيوننا وتحفر مقابر جماعية بين ضلوعنا وتجعلنا نحن لعهد لعناه في حينه ثم بكيناه وقد ولى بعيدا بعيدا خلف مشاهد الدمار والخراب الذي حل بوطننا الكبير .

"ورب يوم بكيت منه فلما
صرت في غيره بكيت عليه "

علوي الوازعي .