آخر تحديث :الأربعاء-20 أغسطس 2025-12:25ص

صناعة السعادة

الأحد - 08 سبتمبر 2024 - الساعة 05:50 م
فادي الفقيه

بقلم: فادي الفقيه
- ارشيف الكاتب


فادي الفقيه
إن السعادة هي رحلة يسعى الجميع للوصول إليها، جاذبة لكل انسان نحوها كأسمى غايات الحياة، فهي شعور عميق، ينسج خيوط الفرح والأمل ليضفي معنى وقيمة لوجودنا وحياتنا، وعند التأمل في ماهية السعادة، نجد بأن ليس لها مفهوم أو طريق أو اسلوب معين لتحقيقها، انما هي مفهوم نسبي، أشبه برحلة مُتعددة الطُرق، جميعها قد يقود إليها، والجانب الفلسفي الذي يستدعي منا التفكير قليلاً هو اختيارنا لذلك الطريق، فالبعض منا قد يختار الطريق الأكثر وعورة وصعوبة، فتكون رحلة بلوغ السعادة شاقة مليئة بالعقبات والعواصف والرياح، والبعض الآخر قد يختار الطريق الأطول الذي قد يسرق سنوات كثيرة من العُمر، فيصل إليها في الوقت الضائع، والبعض ايضاً قد يختار الطريق الخاطئ أو الوهمي، الذي يأخذه الى كل ما يريد عدا السعادة، فيظل تائهاً في دائرة مغلقة، وكذلك هناك من يظل واقفاً منتظراً شخصاً آخر يأخذ بيده ليقوده نحو السعادة، بينما البعض الآخر والأهم هو ذلك الذي "يصنع ويشق طريقاً جديداً للسعادة" مختلفاً ومتفرداً به، وهذا ما تحدثت عنه في كتابي "عناق الذات"، فلم يكن اختياري لعنوان هذا المقال عابراً أو انشائياً، انما اخترته بعناية شديدة، بأن يكون "صناعة السعادة" أي أن يكون الانسان صانعاً لسعادته، أن تخلق سعادتك من العدم وفي مختلف الظروف، تبحث عنها بنفسك ومن أجلك، أن تجد زخات المطر في تلك الاوراق الواهنة، تجد النور في ذلك الطريق المُعتم، دون حاجة لتسلك ذلك الطريق الطويل، أو المعقد الذي قد يسرق ويستنزف طاقتك وفرصتك في الحياة، أو ذلك الطريق الاخر ذات القيود الخيالية، فالسعادة مفهوم مُعقد لمن يفهمه بشكل مُعقد، وبسيط لمن يفهمه ببساطة، لمن يبحث عنه في أبسط الاشياء التي تشعرنا بالسعادة مهما بدت غريبة أو غير معتادة بالنسبة للآخرين.
فمن الاشياء الهادمة لطريق السعادة تلك الصورة النمطية التي نربط فيها تحقيق السعادة بأحداث خارجية أو مجهولة ننتظرها، فقد نظن أننا سنُصبح سعداء فقط عندما نقع في حب شخصٍ ما، أو حينما نُصبح أغنياء، أو حتى عندما نكون اسرة وعائلة، كثيراً ما نعطي صلاحية كبيرة لغيرنا ليصنعوا السعادة لنا، ولكن حينما يختفون تتلاشى السعادة وتذهب معهم، تاركة وراءها شعوراً وكأنها لم تكن سوى جرعة وهمية ومؤقته من هرمون الدوبامين، فمن الاخطاء التي نرتكبها في حق انفسنا تنازلنا عن مهمة ومسؤولية اسعاد أنفسنا لغيرنا، الأمر الذي يجعل سعادتنا في موقع ركيك للغاية، يعتمد على بقاء الاخرين، وعلى استمرارية ما يقدمونه لنا، في حين أننا لا نضمن ديمومة هذا العطاء، فالمحب في الأمس قد يصبح غريباً في الغد، والصديق قد يصبح عدواً يوماً ما، فلا أحد منا يضمن بقاء الشخص كما عرفناه وعهدناه، كثيراً ما نقع ضحية توقعاتنا المفرطة والمبالغ بها تجاه الاخرين.
فالمفتاح السري للسعادة يختبئ في أعماق ذاتنا، فهو يتجلى في قرارنا الشخصي بأن نرى الجمال في كل ما يُحيط بنا، وبشعورنا العميق بالامتنان لما نمتلك، فكلما كنا شاكرين، مُستشعرين، مُمتنين لقيمة الأشياء التي تُحيط بنا، كلما غمرتنا الحياة بنعمها وطاقتها اللامحدودة، فالسعادة ليست وجهة نصل إليها، بل هي رحلة مُستمرة.. وحدك من تخوض غمارها، وحدك المسؤول عن صناعتها..!