آخر تحديث :الأربعاء-30 أبريل 2025-09:37ص

غنام علي.. أحد وجوه الزمن الجميل مات

الخميس - 10 أكتوبر 2024 - الساعة 09:43 ص
علوي الوازعي

بقلم: علوي الوازعي
- ارشيف الكاتب


 
كنت صغيرا حين عاد طلاب الإعدادية من مدرسة الفوز بالمعيعة قبل أن يتحول اسمها إلى  مدرسة الفقيد أحمد سيف ويدشنون لإنشاء فرن روتي  ، وكان مثل هذا الخبر بحد ذاته خبر يستطيع أن يكون في مقدمة الأخبار التي يتناقلها الإعلام الشعبي ..وبعد أيام عاد أخي رحمة الله عليه  ومعه أول أقراص روتي تلمسها يدي مطبوخة بفرن تحت سماء الوازعية وبالتحديد في عزلة الظريفة  .

,كنا نعتقد أن الفرن شيء خاص بالمدينة ومن المستحيل أن نرى يوماً فرنا بريفنا على الأقل في عزلة الظريفة ،لكن غنام علي جعل المستحيل واقعا.

وبعد سنوات وسنوات  كنت في ذات المدرسة المجاورة للفرن ولأول مرة شاهدت فرناً ريفيا تماما كذلك الذي شاهدته في المدينة ،شاهدته وشاهدت  مدخنته يتصاعد منها الدخان إلى السماء بطريقة مثيرة  ،فبقي ذلك المشهد في ذاكرتي لا ينسى حتى الآن أما رائحة الخبز الطازج وأنا في ذروة إحساسي بالجوع فتلك حكاية أخرى إذ لا زالت تلك الرائحة  تسافر في أقاصي ذاكرتي إلى اليوم .

ولم يمر وقت طويل  إلا وأنا أقف عن كثب من الفرن بل في  داخله أشاهد العمال وهم يحطون العجين في قوالب الروتي ثم يدخلونها في النار بانبهار ودهشة  ..ومن خلال أصوات المستهلكين المزدحمين عرفت من يكون من الجميع غنام علي حينها كان في الأربعين  من عمره بشعر  طويل تعلوه وتغطي هامته  مشدة فلسطينية حمراء وبشنب صقر ووجنتان تميلان إلى الحمرة وتعلو محياه ابتسامة تجعل وجهه أكثر إحمرارا .

كنت انظر اليه بإعجاب من قام بصنع معجزة  بشيء من دهشة وفخامة نعم كان يبدو لي كائنا فخماً لذلك استطيع أن أقول إن صاحب الفخامة اليوم رحل ..رحل مخلفاً الكثير من الذكريات لدى أجيال كاملة مرت من تلك المدرسة المجاورة للفرن .

وتوطدت علاقتي بالفرن بعد إذ صرت مبعوث القرية الأممي للروتي 
فكثير ا ماكنت أقوم بشراء عدد من الطلبات للروتي   لأهل قريتي وقد لاحظ المرحوم غنام علي  ترددي بتلك الطلبات قال لي بلهجة الوازعية الجميلة :
ذلحين كم يشقوا لك الذي يوصوا معك يشوا روتي ؟

قلت له :
ولا حاجة  ..!
واستغربت من سؤاله فقد كنا في ذلك الزمن  على عكس الآن  ننفع بعضنا وبالمجان ونكتفي بدعوة من أمهات ذلك الزمن الجميل والمهم إن الرجل ما قصر فقد كان يقوم بمكافئتي بعدد من أقراص الروتي قد تصل إلى حد ١٣ قرص روتي أو تنخفض إلى ٨ أقراص على حسب الطلبات . 

رحمة الله عليك يا غنام علي أيها الرجل المكافح والطيب وصاحب الوجه الذي كان لا يخلو من إبتسامة .
يموت من هم  مثل غنام علي ممن رافقوا أجمل سنوات عمرنا  ،وتموت بدواخلنا أشياء كانت شديدة الصلة بالزمن الجميل .

رحمة الله عليك يا غنام علي وتعازينا لأهلك ومحبيك .


✍🏾/علوي الوازعي