مع ساعات الفجر الاولى ليوم الجمعة الموافق 1 نوفمبر 2024م وصلنا (ميقات السيل) كان الاتوبيس يعج بكلام و ضحكات المسافرين و التي بدأت بالهدوء بينما كنت اردد بيني و بين نفسي نية العمرة (اللهم إني نويت العمرة فيسرها لي إلا إذا حبسني حابس فمحلى حيث حبستني) و فجاءة ارتفعت اصوات تقول؛ ارفع صوتك يا عم عوض لنردد معك النية للعمرة، الحمد لله تمت النية.
لحظات وتوقف الباص امام مسجد كبير يضم مصلى للرجال و حمامات مجهزة و كذا مصلى للنساء مع حمامات خاصة للنساء. نزلنا جميعا، من كان معه ثياب الاحرام اتجه نحو المسجد و من لم يكن معه ثيابا للاحرام انعطف نحو المحلات المجاورة والتي تعرض ثياب الاحرام للبيع.
كانت العودة إلى الباص بكل هدوء و الجميع قد نوى و لبس ثياب الاحرام و ليعلن السائق عن إذا ما كان هناك احد متغيب او متاخر لكن و الحمد لله اكتمل العدد و وسط حالة الصمت المشوبة بالخشوع انطلقنا نحو ركاب مدينة مكة و صوت مذياع الباص يردد التلبية (لبيك اللهم لبيك....). الجميع ردد و بصوت خاشع حتى دلفنا شوارع مكة، لحظتها و بدون شعور فاضت عينيا بالدمع الذي حاولت و حاولت منع سقوطه و كذا عدم الالتفات للجار القاعد بالقرب منا على كرسي الباص حياء و لكن لمحته وهو يستخدم مناديل الورق لمسح مدامعه ايضا. شعور بالرهبة لقدسية المدينة و مكانتها الاسلامية تنتابك و تحل عليك و كأنك تدخل المدينة عاريا تتمنى سقوط كل ذنوبك و البكى في رحاب الاماكن التي طاف بها المصطفى و اختارها الواحد الأحد لتكون منبع الرسالة هدا للعالمين و نورا للاولين و الاخرين.
في مكة مع صلاة الفجر ليوم الجمعة وصلنا امام الفندق و نظرا للارهاق و تورم القدمين بسبب طول القعدة في الباص اتجهنا نحو الغرف المخصصة لنا و ادينا صلاة الفجر في غرفة الفندق و كم هي لحظات مؤلمة انك ترى الحرم المكي من نافذة الفندق و من شدة التعب لا تستطيع السير نحوه.
بعد سفر لمدة (63) في الباص منها 30 ساعة سير و توقف للاكل و الراحة، و 33 ساعة وقوف الباص دون تحرك بلغنا المراد و الحمد لله على كل حال.
يكذب من يستطيع النوم متنعما وهو في الديار المقدسة، نعم يريح تعب جسده المرهق و بين لحظة و اخرى يسترق النظر إلى اتجاه الحرم و الذي تبدو اعلى عمارة فيه متوشحة الساعة بادية للعين و لسانه يردد و قلبه يهتف؛ اللهم شدة و قوة للسير نحو بيتك العتيق و الطواف فيه، اللهم همة و صبر للسعي بين الصفاء و المروة حيث هرولت ستنا هاجر للبحث عن مغيث و كنت انت المفجر لبئر زمزم تحت قدمي سيدنا اسماعيل. اللهم صلاة في بيتك الحرام تقضي عنا تقصيرنا عن الصلاة في ايام فاتت.
حاولت مع صحبي في الرحلة في السير نحو الكعبة الشريفة ولكن يبدو ان الارهاق قد اصابهم جميعهم تعللوا بالتعب و غلبة النوم.
مع صبيحة يوم السبت 2 نوفمبر 2024م و متشحا بثياب الاحرام التي لبستها يوم الجمعة صباحا خرجت من الفندق و سرت نحو الحرم المكي مستدلا ببرج الساعة و لكن الم القدمين اتعبنا فاضطرت لايقاف تاكسي و الوصول الى الحرم.
مهما كتبت و مهما طوعت حروف قلمي لوصف تلك اللحظات التي عشتها حال دخولي الحرم المكي و لحظات الطواف و السعي فإننا لم و لن افيها حقها.
عندما ترى جموع المعتمرين تتخيل للحظة ان جميع مسلمي العالم و بمختلف جنسياتهم قد جاؤا للطواف و السعي و تنتبه ان اولئك جميعا ليس إلا قطرة في بحر هائج من امة الاسلام في هذا العالم.
يتبع