عندما نتحدث عن الأوطان، يتبادر إلى أذهاننا مفهوم الانتماء، الهوية، والأمل، لكن في واقع مؤلم، نجد أن بعض الأوطان أصبحت أقل من مجرد مكان للعيش، أصبحت رموزاً للضياع والفقدان، لقد عشنا في أوطان أخذت منا الكثير، أوطان غيرت أحلامنا، وشتت طموحنا، في ظل صراعات لا تنتهي، أصبح للحلم حدود، وأصبح للطموح ثمن،، فقد نشأنا في بيئة اختلطت فيها ملامح الحياة بالمعاناة، مما جعلنا نعرف معنى الحرب قبل أن نعرف معنى الحياة.
كبرنا في ظل أجواء من الخوف والقلق، حيث كانت أصوات الانفجارات والخوف من تلك الرصاصة الطائشة المجهولة التي قد تسلبك حياتك أو حياة أفراد عائلتك، تعلو على فرصتنا في الحياة، مجتمع فقد الكثير من أبسط مقومات الحياة، وتحول بحثه عن الرفاهية إلى سعيه للحصول على الحد الأدنى من العيش، مجتمع عاش أقسى الظروف بسبب الحروب والصراعات المستمرة، حيث لم يكن هناك وقت للراحة أو التفكير في المستقبل، أو في حياة أفضل على هذه الأرض، كلما انتهى صراعاً، وُلد صراعاً آخر من رحم أحقاد الماضي ومصالح وغايات اليوم، مما جعلنا نعيش في دوامة من الفوضى وعدم الاستقرار.
إن هذه الأوضاع لم تخلق فقط معاناة جسدية، بل أثرت أيضاً على نفسيتنا وهي الأشد ألماً والأصعب علاجاً، كبرنا وكافحنا في طيات الزمن، ولكننا لم نرَ النور، بل كان الظلام يزداد سواداً وقتامة، أصبحنا نعيش تحت وطأة الأزمات، ننتظر الفرج الذي لا يأتي، وكيف سيأتي؟! والمجتمع لا يصنع شيئاً سوى الصمت، والرضا بالأمر الواقع!! لقد أصبحت أقصى أحلامنا هي الرحيل، ومغادرة هذه الأرض، فقط نريد أن نبتعد ونبدأ حياة جديدة بكل صعوباتها، على الأقل لن تكون أصعب مما عشناه سنوات طويلة من العمر.
إن ضياع الأوطان لا يعني فقط فقدان الأرض، بل يتعدى ذلك إلى فقدان الهوية والانتماء، فالأوطان الضائعة هي تلك التي تُفقد فيها القيم والمبادئ والعدالة، وتُسلب فيها الحقوق والأحلام، نحن نعيش في زمن يتطلب منا أن نكون أقوى، أن نتمسك ببصيص الأمل حتى في أصعب الظروف، عسى ولعل نجد وميضاً من النور في مكانٍ آخر، حيث نستطيع فيه بناء حياة جديدة بعيداً عن أعباء وأغلال الماضي.
وفي ختام هذا المقال، يجب أن ندرك أن الأوطان ليست مجرد حدود جغرافية، بل هي مشاعر وأحلام، أمان واستقرار، سعادة ونجاح، حقوق وواجبات، لذا علينا أن نبحث عن الأمل في كل زاوية من زوايا الحياة وأن نؤمن بأن التغيير ممكن، حتى لو كان بعيد المنال، المهم أن نسعى ونحاول هنا وهناك، فالأمل هو ما يبقينا على قيد الحياة، وهو ما يدفعنا للسعي نحو غدٍ أفضل، سواء داخل أوطاننا الجريحة أو في بلاد المهجر، فالوطن ليس حيث ولدت بالضرورة، بل حيث وجدت نفسك وسعادتك واستقرارك، في حياة كريمة وآمنة.