آخر تحديث :السبت-16 أغسطس 2025-09:49ص

متناقضات

الإثنين - 02 ديسمبر 2024 - الساعة 09:21 ص
محمد كليب أحمد

بقلم: محمد كليب أحمد
- ارشيف الكاتب


تكرم مشكوراً الأخ الأستاذ / عبدالرحيم الجاوي – مأمور مديرية المعلا م/ عدن، بقبول فكرة إقامة معرض مفتوح للصور الفوتوغرافية التاريخية لمدينة المعلا الجميلة .. فأنتج هذا التبني المسئول مهرجاناً بهيجاً لتلاقي الماضي بالحاضر ، بجيل الأمس مع أجيال اليوم بكل ما فيها من متناقضات ..

فقد تنوع رواد المعرض بين عدة أجيال .. ذلك الماضي الجميل الذي أبرزه المعرض ولقطاته التاريخية الرائعة ، فأدمعت مـُقـَل الشيوخ منهم وكبار السن أسفاً على ماضٍ كان أجمل ما يكون وندماً على حاضرِ متدهور فيه كل شيء بما في ذلك تدهور الإنسان وسلوكيات الأجيال الحديثة ..

في حين قوبلت تلك الصور بالعديد من التعليقات والإشارات من أجيال ما بعد النكبة – بعبارات الاستهجان للحنين للماضي ، أو سخريتهم عن صحة تلك الصور أو أسلوب الحياة ومظاهر التطور والازدهار والحضارة التي كانت سائدة في ذلك الزمن الغابر ، فهم لم يعايشوه أو سمعوا عنه .. وتساءلهم عن الداعي للتذكير بذلك الزمن في هذا الوقت بالذات !

هذه التجربة الفريدة والأولى من نوعها في محافظة عدن ، ومنذ الاستقلال وحتى اليوم ، والتي تبناها الأخ مأمور المعلا ، فقد كانت سابقة جميلة لم يتجرأ أحد من سابق في اتخاذها لإبراز جمال الماضي والوجه المشرق في جوانب متعددة من حياة مدينة عدن – ومنطقة المعلا بالذات – لتوجيه رسالة قوية هدفها مراجعة النفس والوقوف بجدية – وفي هذا الوقت تحديداً – معرفة مدى التطور وأسلوب الحياة واحترام النظام والقانون وروح حب الوطن وعشق المدنية والحياة الحضرية في الفترات الزمنية الماضية التي أسماها الكثير: ( فترة الزمن الجميل) ..

ومن خلال هذه الوقفة يمكن التفكير جلياً – وبكل جدية – بإمكانية محاولة تصحيح المسار والبحث عن حلول ثورية وصادقة لانتشال أوضاع مدينة عدن والعمل على عودتها على الأقل لوضعها السابق ، حيث وأننا ( الشعب الوحيد في العالم ) الذي يتمنى عودة الماضي ولا نتفاءل بالمستقبل في ظل حاضر متعب لا يوحي بأي بصيص من النور لمستقبل مجهول ..

أسعدني كثيراً بريق أمل جميل من قبل العديد من القيادات التي زارت المعرض والتي شددت على ضرورة توسيع هذه الفكرة وتعميمها على مستوى محافظة عدن بالكامل ، للتعرف الأجيال الحديثة بروعة وعراقة هذه المدينة وتاريخها المشرف وموقعها المتميز الذي كانت تحتله بين مدن المنطقة وعلى مستوى المدن والموانئ العالمية عموماً ، ومن خلال ذلك المساهمة من قبل جهات الاختصاص بالعمل على ترسيخ مبدأ حب المدينة وانتشالها من واقعها الصعب في سبيل رقيها وتطورها والذي من خلاله سينعكس مباشرة على ساكنيها وحياتهم المعيشية ..

قد لا يصدقني الكثير أنني حينما أجد بعض متسع من الوقت لتصفح تلك الملفات المخزونة في زوايا ذاكرتي الالكترونية ، والتي تحوي الكثير من تاريخ مدينة عدن ، من صور فوتوغرافية وأفلام وبرامج مصورة وكتابات وبحوث وعدد من الدراسات وغيرها .. إضافة للكتب الورقية التي تعبت في جلبها واقتناءها لتكون رصيداً ثميناً تزخر به كتبي المكدسة في دولابي العتيق ..

فحينما أعيد تصفح تلك المحتويات ينتابني شعور قاسٍ بالأسى والحسرة على الحاضر المؤسف الذي نعيشه ، وينتهي بي المطاف في ذلك التاريخ العريق بذرف دموع الأسف وبكل حرقة ولا أستطيع الاستمرار في التصفح ، مما يضطرني لوقف هذه الرحلة التاريخية ومغادرتها حتى لا أصل لدرجة الإحباط الكبير أو التذمر اللا متناهي الذي أخشى أن يوصلني لدرجة الجنون !!

ان التناقض الكبير الذي صدمني جداً في ظل هذه الفكرة الجديدة من المعارض ، وهو الحدث الأول في مدينة عدن – وربما على مستوى الوطن كاملاً – أن هناك عزلة تاريخية كبيرة وفراغ ثقافي مخيف جداً بين أجيال أبناء عدن ، فجيل الأمس يبكي ويتحسر على ماضيه الجميل الذي طمسته الأحداث والنزاعات السياسية والعسكرية المتواصلة ، وبين جيل اليوم الذي لا يعرف شيئاً عن ماضيه ومنغمس كل الانغماس السلبي في حاضرٍ لا ملامح له ، مفعم باليأس والإحباط والمعاناة اليومية المستمرة في شتى مناحي الحياة ، وبين انهزاميته المؤسفة من هذا الواقع المتعب ..

ورغم جمال تلك الأيام وروعتها – مقارنة باليوم – فقد أنتفض آباءنا في الماضي وقدموا أرواحهم ودمائهم الطاهرة في سبيل تحرير الوطن من أجل حياة كريمة ومستقبل أجمل للأجيال القادمة ، رغم عددهم الضئيل وامكانياتهم البدائية والشحيحة والتي لم تثنهم عن هدفهم النبيل في التحرير وبناء غدٍ أجمل لهذا الوطن العزيز ..

بالمقابل الكم الهائل من البشر ومن مختلف الأجيال ، والامكانيات الهائلة – بما في ذلك الوسائل الإعلامية وشبكات الأخبار والتواصل – التي تصنع الكثير والكثير – والأهم من ذلك هو الوضع القاسي والحال المزري الذي وصل إليه الناس ، كل ذلك لم يغير شيئاً أو يحرك ساكناً فيهم للعمل على رفض هذا الواقع والمناداة – ولو بالكلمة – بالبدء للتماسك وتوحيد الصف والكلمة لتغيير هذا الواقع ..

ان الخنوع والذل والاستكانة الذي يطغي على جموع البشر هذه الأيام يثير الخجل ويبعث الحيرة عن هذا للسكوت والصمت القاتل!

إن الرسالة القوية شديدة اللهجة التي تحدّث بها هذا المعرض التاريخي للجميع ، مفادها أن ماضيكم الجميل كان يجب أن يكون دافعاً للبحث عن طرق جديدة ووسائل ناجعة لتحسين هذا الواقع والخروج من مآسيه ، وبدء العمل وبكل جدية لمستقبل أفضل لأحيالنا القادمة .. أما نحن – واقع اليوم – بتنا لا حول لنا ولا قوة سوى توجيه النصح لأجيال الحاضر ، لعل وعسى أن نجد فيهم من يفقه القول ويمتلأ صدره بحب هذا البلد والإخلاص له والعمل على ازدهاره وبكل ما أوتي من قوة وامكانيات ومهما كانت المصاعب والعراقيل ..