في مسرح السياسة، تحمل الأحداث تقلبات لا تخلو من الدراما والمفارقات. رئيس كان رمزًا للسلطة المطلقة، أسقطته إرادة الشعب أو صراعات السياسة اليوم، ليطوي التاريخ صفحته كما يبدو. لكن هل يغلق الكتاب فعلاً؟ أم أن السنين تحمل معها احتمال عودة صورته، لا على كرسي الحكم، بل في ذاكرة الناس وعلى جدران المدن؟
لحظة السقوط غالبًا ما تكون مليئة بالاحتفالات والغضب. الشعب يرى فيها انتصارًا على القهر، وحلمًا طال انتظاره يتحقق. تُزال صوره من الميادين، وتُطمس شعاراته، وتصبح سيرته رمزًا لحقبة يراد تجاوزها. ومع الوقت، يغيب اسم الرئيس عن العناوين الرئيسية وينزوي في الظل حاملاً عبء ماضٍ مليء بالجدل.
لكنَّ الذاكرة الجماعية ليست دائمًا واضحة وصريحة. السنين كفيلةٌ بتحويل الأحداث، وتغيير المواقف. قد يعود البعض، بعد فترة طويلة، للنظر إلى الماضي بعين مختلفة، خاصةً إذا ما فشلت البدائل التي جاءت بعده في تحقيق تطلعات الناس. في ظل الإحباط واليأس، قد يتذكر البعض عهد الرئيس الساقط كزمنٍ كان يحمل بعض الاستقرار ولو على حساب الحرية. كما نشاهده في اليمن، حيث تتغير مواقف بعض الأطراف تجاه رموزٍ سياسية كانت في الماضي محل رفض شعبي، لتعود إلى الواجهة إما بسبب الإحباط أو بدفع من قوى تبحث عن مصالحها الخاصة.
هنا، قد تعود صورته للظهور، ليس فقط من خلال الحنين الشعبي، بل أيضًا بدفعٍ من أطراف سياسية لها مصالح في إعادة إحياء إرثه. الإعلام قد يلعب دورًا محوريًّا في إعادة تشكيل صورته، حيث يُبرز الجانب الإيجابي من حكمه ويتجاهل الجانب المظلم. يُقدَّم كشخصية قوية استطاعت أن تحكم بقبضةٍ من حديد، مقارنةً بفوضى الحاضر.
لكن، هل يمكن لهذا الاحتمال أن يصبح حقيقة؟ الإجابة تعتمد على الوعي الشعبي. إذا كان الشعب واعيا ومدركًا لتاريخ القائد وأفعاله، فإن عودة رمزيته ستكون صعبة. أما إذا غاب الوعي، وسمح الإحباط بالتلاعب بالمشاعر، فقد يصبح رفع صورته أمرًا واقعا.
السياسة تعلمنا أن لا شيء يختفي تماما، وأن الزعماء الذين كانوا يومًا رموزًا للسلطة قد يجدون طريقهم إلى الذاكرة الشعبية بطرق غير متوقعة. قد يسقط الرئيس اليوم، لكنَّ المستقبل يحمل احتمالاتٍ كثيرة. تظل الشعوب دائمًا بين خيارين: إما التقدم للأمام بإرادة واعية أو الالتفات إلى الوراء بدافعٍ من خيباتها. في النهاية، التاريخ لا يكتب نفسه؛ الشعوب هي التي تكتب فصوله بوعيها وقراراتها.