لعل مايحدث اليوم في أعلامنا العربي هي حالة من الانفصام الواعي او ما يسمى بالشيزوفرونيا ، في علم النفس البشرية وتحديدا مواقف الفنانين والاعلامين السورين بعد سقوط نظام بشار الاسد ، حيث عمل الاعلام ثورة أخرى بين الفنانين السورين واصدار ألاحكام وتعليق القائمة السوداء لعدد منهم ، وذلك ما يعكس حجم التفاعل الكبير في وسائط أعلامنا العربي المعقد الذي يفتقد الى المهنيه والحياده وبشكل مقزز وسافر، فمنذوا سقوط بشار الاسد بث كل وسائل التواصل الاجتماعي المتعددة في وسط الجماهير الهائجه نشر مصطلح جديد يسمى (التكويع) وهو مايعني التحول في المواقف الى الضد بعد أن كان مع النظام ثم أصبح ضد بعد الثورة ، ولكن بطريقة ساخرة وسذجه من هولاء الفنانين الكبار .
انه من المؤسف والعار أن يحدث هذا في أعلامنا العربي ، من الترصد و السخرية ورفع المشانق لهولاء الفنانين ، الذين كانوا مع النظام طواعية او غصب عنهم متناسين أن هولاء فنانين عاشوا وضعا صعبا، أكان في سوريا أو في أي دولة في الوطن العربي حيث لايوجد أي أسس ديمقراطية او مؤسسات لدولة مدنيه تحفظ الحقوق لهذا الفنان او المواطن عموما، حيث لاتوجد حصانه لاي فنان من أنتهاك حقوقه في التعبير أو التفكر ودائما مايتعرض للاذى من سجن وأنتهاك جسماني .
والفنانين عموما عملهم أسعاد الناس والترفيه لاجل متعة الفن ، ويحدث أن يمدحوا السلطه أو الحكم في بلده حتى لوكان حكم دكتاتوريا و سلطان جائر، ليس عيبا ولا ينقص من قيمته كفنان ، بحكم مهنته فهو ليس سياسي معارضا للدوله ولا مطلوب منه ان يذهب إلى هلاكه. فهو فنانا ذو قيمة عالية ، تحمل في طياته الكثير من الاحاسيس والمشاعر الفياضة لاجل متعة الفن ، اي كان هذا الفنان مغنيا أو ممثل أو رسام اوغيره من مجال الابداع ، فهو أيضا لايستطيع ألابداع و العمل والفني وكسب قوته لوكان معارضا للسلطة أو ضد السلطان ، نعرف جيدا أن من يرفض يدخل السجن أو تتشرد أسرته من بعده أو يكون خارج البلد .
منذوا العصر الجاهلي وحتى يومنا هذا كان الشعراء يكرمون ويحضون بالمنزلة الرفيعة وحياة رغيدة في أكناف الملوك والامراء ، بسبب أن الحكام يحتاجون الى الشعراء للدعايه لهم ومديحهم وترويج سياستهم ، حيث كان الشعراء هم من يمثلون الاعلام والفن في ذلك الوقت ، وهي الأداة الوحيدة للملوك والامراء لدعاية وتثبيت حكمهم وكان ذلك من خلال الشعراء أنذاك .
وأغلب الشعراء كانوا كذلك ، ولعل أشهرهم صيتا كان أبو الطيب المتنبي ، كان من شعراء بلاط سيف الدوله وذلك لم يعيبه وحتى بعد خلافة مع سيف الدوله وذهب الى مصر فمدح صاحبها كافور ألاخشيدي ، والكثير من الشعراء عملوا ذلك كان الشعر والشعراء هو مشابهة لوسائل الاعلام في عصرنا هذا، حيث يستخدم الشعر والشعراء في تعزيز مكانة السلطة والدوله في الحكم .
والفنان في عالمنا العربي خاصة ، لاتوجد له حصانه او ضمان لحقوقه وحمايته ضد التميز العرقي او طائفي ولاتوجد له الحرية في لتفكير والتعبير وغيرها من الحقوق والاعلام العربي يدرك ذلك جيدا .
وقد تحدث مرة الكاتب الصحفي الراحل مصطفى أمين في لقاء نادر مع التليفزيون المصري، عن كواليس واقعة وقف عرض أغاني أم كلثوم بالإذاعة وعزلها من منصبها كنقيب للموسيقيين، عقب ثورة يوليو 1952.
أوضح مصطفى أمين أنه تلقى مكالمة من أم كلثوم، أبلغته فيها بصدور قرار المنع وعزلها من النقابة، وهو ما جعله يتوجه إلى مكتب جمال عبد الناصر، الذي كان يشغل منصب نائب رئيس الجمهورية في ذلك الوقت، وسأله عن حقيقة إصدار مجلس قيادة الثورة لتلك القرارات.
أضاف أن جمال عبد الناصر لم يصدقه وسأله أن كانت الصحافة تنوي البدء في إطلاق الشائعات عن الثورة، ليجيبه أن أم كلثوم هي من أبلغته بذلك الأمر، وهو ما دفع عبد الناصر أن يستدعي إلى مكتبه؛ المشرف على الإذاعة للتأكد من حقيقة ما ذكره مضطفى أمين.
تابع مصطفى أمين أن المشرف على الإذاعة أكد لجمال عبد الناصر صدور القرار لأنه يعتبر أم كلثوم مطربة العهد الملكي البائد، وهو ما جعل عبد الناصر يسأله عن موقفه من أهرامات الجيزة ونهر النيل كونهم موجودين من العهود السابقة، وأمر بإلغاء قرار منع إذاعة أم كلثوم وإعادتها إلى منصبها كنقيب للموسيقيين.
أشار مصطفى أمين أنه عاد إلى مكتبه واتصل بأم كلثوم هاتفيا ليبلغها بقرار جمال عبد الناصر، فأكدت له أنها عرفت بما حدث، لأنها فتحت الإذاعة ووجدتها تعرض إحدى أغانيها.