لعمري، لم أقرأ عن حضارة من حضارات التاريخ بلغت في النهضة العلمية والازدهار والعمران ما بلغ اليه العرب في حضارة الأندلس على وجه التحديد.
على عكس الكثير من الحضارات التي قامت على أنقاض ظلم الشعوب، ولكن العرب بقواعد الإسلام ومبادئ العدل والمساواة أسسوا حضارة إسلامية لا أبالغ إذا قلت إنها نادرة وفريدة على مستوى البشرية والأندلس كانت الذروة للحضارة الإسلامية عامة.
حتى إن قرطبة، عاصمة الأندلس، أصبحت جوهرة المدائن في زمانها، وبلغ عدد سكانها مليون نسمة، وتضم مئتي ألف بيت وقصر وخمسين مستشفى، ومكتبة بها مليون وخمسمائة ألف كتاب ومنها أطلقت اول عملية جراحية في تاريخ البشرية، مما يدل على التطور الذي وصلت إليه. ولم يكن لها نظير في العمران إلا بغداد، التي كانت تُعتبر عاصمة الدنيا والخلافة في ذلك الزمن، وكلاهما كانتا مدينتين إسلاميتين ودرر زمانهما.
بشهادة المؤرخ الإسباني لويس برنابي بونس، "لا تقارن قرطبة سنة ألف ميلادي إلا بنيويورك سنة ألفين ميلادي"، مما يشير إلى عمرانها وازدهارها، ويعد شهادة على عظمة مركزها.
والأندلس كثيراً ما ترتبط بالشام واليمن، لأن أغلب أهلها من عرب الشام واليمن الذين جاءوا كفاتحين من تلك الديار . يقول المؤرخ الأندلسي ابن غالب في ذلك: "الأندلس شامية في هيبة أرضها ومياهها، يمانية في اعتدالها واستوائها، عدنية في منافع سواحلها".
أسهم العرب في الأندلس في شتى مجالات العلم والمعرفة التي كانت النواة للنهضة العلمية في العصور الحديثة، فتحت أبوابها العلمية والحضارية لأوروبا قاطبة حتى وصلت إلى ما وصلت إليه اليوم وكانت قبل في عصور مظلمة.
وبسقوط الاندلس يشير اغلب مورخين التاريخ بأنه نهاية العصر الذهبي للحضارة الإسلامية التي ما تزال شواهدها موجودة في اسبانيا.
وهنا يرثي شاعر الاندلس سقوطها ..
لكل شيء إذا ما تم نقصانُ
فلا يُغَّر بطيب العيش إنسان
هي الأمور كما شاهدتها دولٌ
من سرَّه زمن ساءته أزمان.