على مدار سبع سنوات مضت، كنت أطمح في الالتحاق بالمركز الإعلامي للقوات المسلحة الجنوبية في محور أبين، لكنني لم أتمكن من تحقيق ذلك الهدف. كنت أعتقد أن الزملاء في المركز الإعلامي يجدون صعوبة في متابعة إجراءات انضمامي أو في إتمام مهمتهم في تسهيل التحاقي ، ومع مرور الوقت كنت أتحمل هذا الظن، إذ ظننت أنه مجرد تأخير طبيعي قد يحدث نتيجة لضغوط العمل اليومية. ولكن ما حدث أمس فاجأني وجعلني أعيد النظر في بعض المفاهيم المتعلقة بالتفكير السائد في بعض الأوساط.
همس في أذني مصدر موثوق، على دراية تامة بما يجري في أروقة المركز الإعلامي لمحور أبين القتالي للقوات المسلحة الجنوبية ، بما يتعلق برغبتي في الالتحاق بالمركز ، كانت المفاجأة في ما قاله لي هذا المصدر، إذ قال: "هم يقولون إنك إخواني، أي أنك منتمي لجماعة الإخوان المسلمين." أصبت بالذهول، بل وكاد عقلي أن يتوقف عن التفكير في تلك اللحظة. كنت أعرف تماماً أنني لا أنتمي إلى هذه الجماعة، بل وأؤمن بأن أفكاري وتوجهاتي تتعارض بشكل جذري مع فكر هذه الجماعة التي تعتبرها معظم الدول والمنظمات الدولية "إرهابية" عالمياً
توقف عقلي عن التفكير، وقلت للمصدر: أنا لا أنتمي إلى هذه الجماعة، بل أنا ضد فكرها وضد ممارساتها، ولدي موقف واضح منها. لكنه أضاف، "أنت محسوب إخواني لأنك تعمل مع فتحي بن لزرق في صحيفته (عدن الغد)" صُدمت من هذا التصريح بشدة، وطرح لدي تساؤلات كثيرة حول الطريقة التي يتم بها تصنيف الناس في هذه البيئة الإعلامية.
كيف يمكن لشخص أن يُصنف على أنه منتمي لجماعة معينة فقط لأنه يعمل مع صحيفة مستقلة؟ كيف أصبح العمل الصحفي في صحيفة محايدة أو غير منحازة مبرراً لتحميل شخص تهماً سياسية غير صحيحة ؟ هل أصبحنا في مرحلة يُحاكم فيها الأفراد على أساس انتماءاتهم الصحفية أو علاقاتهم المهنية ، بدلاً من مواقفهم الشخصية وتوجهاتهم الوطنية ؟
لقد كنت جزءاً من الحراك الجنوبي منذ عام 2007، وشاركت في العديد من المسيرات والاحتجاجات الشعبية التي كانت تطالب بحقوق شعبنا الجنوبي في التحرر والاستقلال. لذا فإن التصنيف الجائر الذي يصنفني ضمن تيار سياسي معين ليس سوى تلاعب بالألفاظ ، وتوجيه تهم لا أساس لها من الصحة. لا يمكن لأحد أن يشكك في ولائي للجنوب، ولا في مواقفي الثابتة والمبدئية من قضيتنا الوطنية.
أعتقد أن تصنيف الأشخاص بهذه الطريقة يعكس غياب الوعي السياسي، ويكشف عن حالة من الضبابية الفكرية لدى البعض ممن يصرون على ربط كل ما هو إعلامي أو صحفي بأي تيار سياسي، بدلاً من فهم الدور الإعلامي الحقيقي في خدمة الحقائق وتقديمها للرأي العام بعيداً عن التوجهات السياسية الضيقة
إنني اليوم أوجه هذه الرسالة إلى المركز الإعلامي لمحور أبين، وإلى القيادة العسكرية ممثلة بالقائد مختار النوبي والعميد نبيل المشوشي، لأؤكد أنني أؤمن بشدة بقضية الجنوب وأفكارها التحررية، وأرفض أي تصنيف ينال من مصداقيتي أو انتمائي لهذا الوطن. وأود أن أوضح للجميع أن الإعلام يجب أن يكون منصة للمصداقية والنزاهة، وليس وسيلة لتصفية الحسابات السياسية الضيقة.
إنني على يقين أن هذا النوع من التصنيفات لا يخدم مصلحة القضية الجنوبية بل يعمق الانقسامات، ويعرقل أي فرصة لتحقيق وحدة الصف الجنوبي، الذي يحتاج إلى تضافر الجهود والطاقات في مواجهة التحديات الكبرى.
كما إن التصنيفات التي تروج لبعضها البعض في الأوساط الإعلامية والسياسية ليست مجرد عوائق أمام التقدم، بل هي تجسيد لثقافة التشكيك التي قد تفرز بيئة غير صحية لنمو التفكير النقدي والتعاون البنّاء. إذا كانت مسارات الإعلام الوطني قد اتخذت منحى مشوهاً، حيث يُنظر إلى العمل الصحفي المستقل على أنه انحياز أو تأييد لهذا أو ذاك، فكيف لنا أن نتوقع من هذه المنابر أن تلعب دورها الحقيقي في تعزيز الوعي العام ونقل الحقيقة كما هي؟
من غير المقبول أن يُعاقب الصحفي أو الإعلامي على موقفه المهني أو صحيفته المستقلة، في حين أن دوره في نقل الصورة الصحيحة وتعزيز فهم الشعب لأحداث وطنه ومجريات القضايا العامة هو دور أساسي في بناء مجتمع صحي، يعزز من مفهوم الديمقراطية والمواطنة الفاعلة. للأسف، في بعض الأوقات، يتحول الإعلام إلى ساحة صراع حيث يختلط فيها السياسي بالمهني، وتصبح الأدوات الصحفية ساحة للمكايدات بدلاً من أن تكون أداة للتوعية والتنوير.
إن القضية الجنوبية تحتاج اليوم إلى صحافة حرة ومستقلة، قادرة على إيصال صوت الشعب بكافة توجهاته وآرائه دون تحيز. وأعتقد أن هذا هو الطريق الصحيح للبناء الوطني، الذي يضع مصلحة الجنوب وأهله فوق أي اعتبار آخر. إذا لم نستطع كسر هذه الحواجز التي تعرقل تواصلنا وتعاوننا، فسوف نبقى في دوامة من الاتهامات الباطلة التي تقسم صفوفنا ، بدلاً من توحيدها لتحقيق الهدف الأسمى