المجلس الانتقالي الجنوبي، رغم ما شاب مسيرته من أخطاء ارتكبها بعض قادته، يظل كيانًا سياسيًا مهمًا يمثل طموحات قطاع واسع من الجنوبيين، ويظل الإصلاح الهيكلي ضرورة لا غنى عنها من أجل ضمان فاعلية المجلس، وتحقيق الأهداف التي وجد من أجلها، ومنع انحرافه عن المسار الصحيح، انطلاقا من حقيقة أن المجلس ليس ملكا لفئة معينة.
يجب اجراء الإصلاحات الهيكلية داخل المجلس الانتقالي الجنوبي، على أن تبدأ من القمة إلى القاعدة، بحيث تشمل جميع المستويات القيادية والإدارية وحتى العسكرية، بحيث يتم اختيار الشخصيات القيادية بناءً على معايير الكفاءة والنزاهة والقدرة على تحمل المسؤولية، بعيدًا عن المحسوبية أو الولاءات الضيقة. إن وجود قيادات قادرة على العمل بمهنية وشفافية يسهم في تعزيز ثقة الشعب بالمجلس ويجعله أكثر قدرة على تحقيق أهدافه.
كما أن توزيع المسؤوليات بشكل واضح، وإنشاء آليات رقابة ومحاسبة فعالة، يسهم في تعزيز الأداء المؤسسي ويقلل من فرص الفساد أو إساءة استخدام السلطة. لا يمكن الحديث عن إصلاح حقيقي دون مواجهة الفساد الذي قد ينخر في أي كيان سياسي إذا لم تكن هناك آليات صارمة للرقابة والمحاسبة.
ومن هذا المنطلق، فإن تشكيل لجنة مستقلة من القانونيين المشهود لهم بالنزاهة والكفاءة يعد خطوة ضرورية لضمان نزاهة القيادات الانتقالية يجب أن تكون مهمة هذه اللجنة استلام كشوفات الذمة المالية لجميع القادة المدنيين والعسكريين داخل المجلس واقاربهم، وفحص مصادر أموالهم بدقة وشفافية، واتخاذ الإجراءات اللازمة ضد أي تجاوزات أو كسب غير مشروع. حتى اذا تبين ان عمليات الفساد تم ارتكابها قبل انتقالهم للمجلس. ويجب ان يتم فصلهم من المجلس وتقديمهم للمحاكمة.
إن الضمانة الحقيقية لبناء دولة جنوبية خالية من الفساد تكمن في اتخاذ خطوات فعلية لمحاسبة الفاسدين وعدم التساهل مع أي شكل من أشكال الفساد. فمتى ما تم الكشف عن أي تلاعب مالي أو استغلال للنفوذ لتحقيق مكاسب شخصية، لا بد من إحالة المتورطين إلى القضاء دون مجاملة أو انتقائية. فلا يمكن بناء دولة على أسس سليمة إذا لم تكن هناك عدالة ومساواة أمام القانون، وإن لم يتحقق ذلك، فإن الدولة الجنوبية المستقبلية ستصبح مجرد نسخة مكررة من نموذج الفساد الذي يعاني منه اليمن اليوم.
إلى جانب مكافحة الفساد، لا بد من التركيز على تعزيز العمل المؤسسي داخل المجلس، بحيث يتم اتخاذ القرارات بشكل جماعي ومؤسسي بدلًا من الاعتماد على القرارات الفردية التي قد تؤدي إلى تضارب المصالح وإضعاف الأداء السياسي والإداري. العمل وفق أسس مؤسسية يضمن استمرارية المجلس وقوته، ويجعله أكثر قدرة على مواجهة التحديات المختلفة.
الإصلاحات لا تتوقف عند البنية الإدارية فقط، بل يجب أن تشمل أيضًا الخطاب الإعلامي والسياسي للمجلس. فمن الضروري أن يكون خطاب المجلس متزنًا واحترافيًا، يعكس رؤية واضحة وموقفًا سياسيًا عقلانيًا، بعيدًا عن الشعارات العاطفية أو الخطابات المتشنجة، او التظليل، الذي يتم فيه استخدام الشارع، للاعتراض على الحالات التي أصابهم فيها البكم. والتوقف عن سيل التصريحات الساذجة هذه الايام، التي تناقض شعار نحن اصحاب القرار على ارضنا، الذي ملأوا به عقولنا، وعدم القاء اللوم على الحكومة اليمنية، إن القائد الذي لا يجرؤ على الحديث في بعض المواقف السياسية، يعتبر قائدا ضعيفا وجبانا، يجب إزالته. وينبغي أن نعلم ان القضية الجنوبية ليست مجرد قضية سياسية، بل هي أيضًا قضية معيشية مرتبطة بحياة الناس اليومية. إن تقديم مشاريع تنموية حقيقية، أو الضغط من أجل تحسين الخدمات الأساسية مثل الكهرباء والمياه والتعليم والصحة، سيعزز من ارتباط المواطنين بالمجلس، سيسهم في تعزيز شرعيته الشعبية، وان لا يستغل قادة المجلس هذه الخدمات استغلالا سيئا كما حدث، متى أرادوا ذلك، والتلويح باستخدام الشارع فقط لإثبات أنهم ذو مكانه.
الإصلاحات الهيكلية في المجلس الانتقالي الجنوبي ومحاسبة قادته، لم تعد خيارًا، بل أصبحت ضرورة حتمية لضمان استمرارية المجلس ونجاحه في تحقيق الأهداف التي تأسس من أجلها. ومن دون هذه الإصلاحات، سيجد المجلس نفسه في مأزق سياسي وإداري قد يؤدي إلى فقدان ثقة الشارع الجنوبي به، مما سيضعف موقفه أمام التحديات الداخلية والخارجية.
إن بناء دولة جنوبية حقيقية خالية من الفساد يتطلب إرادة قوية لاتخاذ قرارات جريئة، تبدأ بمكافحة الفساد داخل المجلس نفسه، وتحقيق التنمية. فإذا لم يتم تبني هذه الإصلاحات، فإن الدولة الجنوبية المستقبلية قد تصبح مجرد إعادة إنتاج لنفس الفشل الذي يعاني منه اليمن اليوم، وعندها لن يكون هناك فرق بين الماضي والمستقبل.