تُعتبر اللغة مكونًا أساسيًا للهوية الثقافية، ومن المؤسف أن نجد عملًا دراميًا يمنيًا مثل مسلسل "دروب المرجلة" يساهم في تشويه وإغفال أحد أعمدة الهوية اليمنية، وهي اللهجة البدوية الأصيلة.
كان من المتوقع أن يكون هذا المسلسل فرصة سانحة لإبراز التراث اللغوي الغني لليمن، إلا أن النتيجة جاءت مخيبة للآمال، حيث وجدنا استخدام لهجات بدوية من خارج السياق اليمني، مستوردة من صحراء الأردن أو جنوب السعودية، مما أفقد العمل طابعه اليمني النقي.
ان كان من عتب فهو يقع على عاتق المخرج. الذي كان من دوره كقائد للعمل أن يحرص على أن يكون المسلسل انعكاسًا حقيقيًا للثقافة اليمنية، لكن اختياره للسكوت عن هذا التحوير في اللهجة يوحي إما بتقصير أو بتهاون. أو مجاملة. كيف يمكن لعمل يمني أن يتجاهل هوية البلاد وينغمس في استنساخ أصوات ولهجات وجمل لا تمت بجذورها إلى اليمن، الوطن الذي يُعتبر أصل العرب ومصدر اللغة العربية؟
اما دور الفنان #صالح_العولقي كمصحح للهجة وليس ممثلا، فقد كان مخيبا للآمال حيث كان يُفترض أن يكون نقطة قوة للعمل، ولكنه للأسف كان سببًا إضافيًا للخيبة. بدلاً من أن يكون الحارس الأمين للتراث اللغوي اليمني، أخفق في أداء مهمته وقبل بتحريف اللهجة بداعي "إرضاء البعض".
هذا ليس فقط استهتارًا بالموروث اللغوي، بل يُعتبر خطوة إلى الوراء في مسيرة تعزيز الهوية اليمنية في الإعلام. ولا أبالغ ان قلت انها خيانة..
تشويه اللهجة البدوية اليمنية في "دروب المرجلة" لا يقتصر فقط على المستوى الفني، بل يمتد ليؤثر سلبًا على الوعي الثقافي لدى الجمهور. يتمثل الخطر الحقيقي في جعل المشاهد اليمني، خاصة الأجيال الجديدة، يعتقد أن هذه اللهجات المستعارة تمثل اليمن، مما يؤدي إلى فقدان ارتباطهم بهويتهم الحقيقية. ولعلك ترى في الشارع اليمن كيف يردد الاطفال جٰمل وعبارات ليست يمنية والذي مصدرها هذا المسلسل .
على القنوات المحلية والمخرجين تحمل مسؤولياتهم تجاه اللغة والتراث والثقافة اليمنية. يجب أن تكون الأعمال الفنية مرآة صادقة للهوية الثقافية بدلاً من أن تكون ساحة لتشويهها أو تزييفها. هناك كنز غني من اللهجات البدوية اليمنية الأصيلة في مأرب، شبوة، حضرموت وأبين. وغيرها، وكلها تستحق أن تُسمَع وتُقدَّر.
ختاما إن مسلسل "دروب المرجلة" كان فرصة مهدورة لتعزيز التراث اليمني اللغوي والثقافي. وقد نصحنا في العام الماضي، ولكن دعونا لا نيأس ونأمل أن يكون هذا العمل بمثابة درس للمستقبل، وأن يُصبح حافزًا لإنتاجات أكثر احترامًا لهويتنا الثقافية، ومخلصة لروح اليمن الأصيلة.