من المؤكد أن هناك حراكًا متصاعدًا في حضرموت للمطالبة بتحديد مصيرها بعيدًا عن الهيمنة شمال أو جنوب اليمن. هذه التوجهات تعكس رغبة اغلب القوى الحضرمية في تقرير مستقبل حضرموت السياسي والاقتصادي بمعزل عن الصراعات التي أنهكت اليمن بشكل عام ، صرعات ومشاريع قبلية وثورية فوضوية ليس لها نهاية، لا تنفك من جر حضرموت في كل مرة خلفها فتغرقها معها رغما عنها، لكن اليوم، ومع تصاعد الحراك السياسي والمطالب الشعبية، يبدو أن حضرموت تستعيد وعيها السياسي وتتحرك نحو إعادة النظر في موقعها كدولة وهو ما عبر عنه السياسي هاني البيض بكلمتين "انها شبت عن الطوق"، وهو أبلغ ما قيل أو سوف يقال عن الحالة في حضرموت.
ان استعادة الوعي الحضرمي لا يتعلق بصلاح أو فساد المجلس الانتقالي الجنوبي وتجربته الفاشلة في عدن، كما ينظر له البعض، ولكن هناك مشروع اكبر من ذلك بكثير، لطالما كانت حضرموت ذات هوية سياسية واقتصادية متميزة، فقد عرفت باستقلالها عبر العصور، وكان لها تأثيرها في التجارة والثقافة في الجزيرة العربية والمحيط الهندي. لكن منذ إدماجها عنوة في جنوب اليمن عام 1967، ثم في الجمهورية اليمنية عام 1990، تم اغراقها بفوضى مشاريع الجنوب والشمال حتى لا تنهض ابدا بمشروعها الخاص.
حتما لن يتسنى للجنوب هذه المرة" ركوب سفينة حضرموت". كما قال السياسي هاني البيض، و أهنئه على شجاعته، في الوقت الذي تردد فيه الكثير من الحضارم ،ممن تم استخدامهم في الواجهة كممثلين لحضرموت لدى المجلس الانتقالي الجنوبي لأضفي قليل من الشرعية عليه ، لكن يعلمون انه قد انتهى الامر، و سيغادرون المجلس واحدا تلو الآخر ليلتحقوا بمشروع حضرموت، ولن يفيد في شيء، نعيق الأصوات التي تهاجم مشروع حضرموت و من يدافع عنه ، فهي لن تكون الا تكرارا لعناوين سبق وان قيلت في معركة الوحدة او الموت اليمنية ومعركة ثورة ثورة ياجنوب التي دارت رحاها بين الجنوب والشمال. تلك المعارك التي شابها الكثير من الغموض، لا لشيء انما لان اعينهم في ذات الوقت كانت على حضرموت.
سواء كان الاستقلال خيارًا قريب التحقيق أم لا، فإن حضرموت لن تكون جزء من جنوب اليمن، لأنها تعيش اليوم مرحلة صحوة سياسية غير مسبوقة. الأهم من ذلك هو أن يترافق هذا الوعي مع رؤية استراتيجية واضحة تضمن مستقبلًا مزدهرًا ومستقرًا لأهلها، بعيدًا عن التبعية والاضطرابات. وقد عبر عن ذلك السياسي هاني البيض بالقول" لقد اتخذت حضرموت مسارا خاصا بعيدا عن الجنوب".
يمكن لحضرموت أن تسعى إلى إقامة علاقات شراكة قوية مع دول الخليج لضمان دعم اقتصادي وسياسي في حال قررت الاستقلال، فهي تمتلك ثروات نفطية وغازية ضخمة، حيث تُعد من أكثر المناطق مخزونا للنفط والغاز في المنطقة ، ما يجعلها قادرة على بناء اقتصاد مستقل وقوي. بالإضافة إلى ذلك، فإن سواحلها الطويلة على بحر العرب تتيح لها فرصًا استثمارية في مجالات الموانئ، التجارة، وصيد الأسماك.
رغم الاضطرابات التي يشهدها اليمن، فإن حضرموت تعد واحدة من أكثر المناطق استقرارًا، ويرجع ذلك جزئيًا إلى حب الحضارم للطابع المدني. ولدى حضرموت هوية ثقافية واجتماعية متميزة، ولها امتدادات حضارية في دول الخليج، ما يمكنها من إقامة علاقات دولية قوية تسهم في دعم استقلالها.