يطل علينا العيد، كفجرٍ باسم، يحمل في جعبته عبق الذكريات الجميلة، وألوان البهجة الزاهية، وألحان السرور العذبة، نستقبله بقلوبٍ تفيض بالحمدِ والشكر، على ما أنعم الله به علينا من نعمةِ الصيام والقيام، ومن توفيقٍ في تلاوة كتابه، وفعل الخيرات، والتقرب إليه بالطاعات، نشعر بالسعادة تغمرنا، ونحن نتبادل التهاني والتبريكات، ونرتدي الملابس الجديدة، ونستعد لزيارة الأهل والأصدقاء، وتقاسم الفرحة مع الأحبة والخلان.
لكن سرعان ما تتسلل إلى هذه الفرحة غيمةٌ سوداء، وتخبو هذه البهجة، لتحل محلها غصةٌ مريرة في الحلق، ودمعةٌ حارقة في العين، وحرقةٌ لاهبة في القلب، فكيف لنا أن نفرح، وإخواننا في غزة، يُقتلونَ بدمٍ بارد، وتُزهقُ أرواحُ الأطفالِ الأبرياء، والنساء الثكالى، والشيوخ الركع، وتُدمرُ البيوتُ والمساجدُ والمستشفيات، وتُرتكبُ أبشعُ الجرائمِ بحق الإنسانية، في صمتٍ مطبق من العالم، وتخاذلٍ مخزٍ من القريب والبعيد؟ كيف لنا أن نبتسم، وصورُ الدمارِ والخرابِ تملأُ شاشاتِ التلفاز، ومواقع التواصل الاجتماعي، وتُلاحقنا في كلِّ مكان، وتُذكرنا بمأساةٍ لا تنتهي؟
وكيف لنا أن نهنأ بالعيد، وعاصمتنا صنعاء، ومدننا اليمنية الأخرى، كالحديدة والجوف وصعدة، تتعرضُ لقصفٍ أمريكيٍّ همجيٍّ، يستهدفُ المدنيينَ الآمنين، والبنيةَ التحتيةَ المدنية، ويُزيدُ من معاناةِ شعبٍ أنهكتهُ الحربُ والحصار، والجوع والمرض؟ كيف لنا أن ننسى، أنَّ هذا القصفَ يأتي نكايةً وانتقامًا، جراءَ موقفِ اليمنيينَ الشجاعِ، ومساندتهمِ الصادقةِ لغزة، ورفضهم للظلم والعدوان؟
العيدَ، هذا العام يأتي محملاً بالآلامِ والجراح، وممزوجًا بالفرحِ والحزن، وموشحًا بالدمِ والدموع، عيدٌ يذكرنا بواجبنا تجاه إخواننا المستضعفين، ويدعونا إلى التضامن معهم، ومساندتهم بكل ما نملك من قوة، وبكل ما نستطيع من جهد، عيدٌ يحثنا على العمل الجاد من أجل تحقيق العدل والسلام، ووقف الظلم والعدوان، ونصرة الحق والمظلوم، وإغاثة الملهوف، وإعانة المحتاج.
فلنجعل من هذا العيد، فرصةً لتقوية إيماننا، وتجديد عزيمتنا، وتعميق وحدتنا، ولنكن صوتًا للحق، وضميرًا للعدل، ويدًا للعون، وقلبًا للرحمة، فلنشارك إخواننا في غزة واليمن، آلامهم وأحزانهم، ولنرسل إليهم رسائل الدعم والتأييد، ولنؤكد لهم أننا معهم، ولن نخذلهم أبدًا، وأننا لن ننسى قضيتهم العادلة.
العيدَ الحقيقي، هو العيد الذي يعم فيه السلام، ويسود فيه العدل، وينتصر فيه الحق، ويتحرر فيه المستضعفون.