ما يحدث في اليمن لم يعد مجرد أزمة سياسية أو صراع على السلطة، بل هو جريمة مكتملة الأركان تُرتكب يوميًا بحق شعب بأكمله. الغارات الأمريكية والعقوبات الدولية على ميليشيا الحوثي، رغم صخبها، لا تتعدى كونها ضجيجًا بلا طائل، لأن من يعتقد أن هذه الإجراءات وحدها ستُسقط سلطة الحوثيين فهو واهم، أو يُغالط نفسه والشعب. الحوثي لا يسقط من السماء. هذه جماعة ترسخت على الأرض، تحصّنت بأوجاع الناس، واستثمرت في الانهيار الكامل للدولة، في ظل غياب واضح لأي إرادة حقيقية من الطرف الآخر: "الشرعية اليمنية”. أي شرعية هذه التي لا تملك قرارها ؟ أي شرعية هذه التي تُقيم في الفنادق وتترك الأرض لميليشيا طائفية تعبث بها وتنهب مواردها ؟ الحقيقة أن كثيرًا من رموز الشرعية أصبحوا شركاء غير معلنين في مأساة اليمن. بعضهم مستفيد من بقاء الوضع كما هو عليه. البعض يرتجف من فكرة سقوط الحوثيين لأن ذلك يعني سقوط مصالحهم، نفوذهم، وامتيازاتهم التي جنوها على حساب دماء اليمنيين. هذه الشرعية لا تريد الحسم، لأنها فاسدة حتى النخاع. بعض مسؤوليها يتقاسمون الكعكة مع الحوثيين في الخفاء، بينما يتحدثون في العلن عن “استعادة الدولة”. أي نفاق هذا ؟ وأي جهل هذا الذي يجعلهم يطالبون الشعب بالصبر، بينما يعيشون هم في رخاء تام ؟ يتنقلون بين العواصم، ينعمون بالمال والمناصب، بينما أطفال اليمن يموتون جوعًا ومرضًا ! الواقع أن الشعب اليمني يعيش بين نارين: نار فساد الشرعية وتخاذلها، ونار ظلم الحوثي وتسلطه. كل يوم يمر هو كارثة جديدة. لا أمن غذائي، لا صحة، لا تعليم، لا كرامة، لا دولة. فقط فقر مدقع، تهميش، طائفية، أمراض تنهش الجسد، جهل يُعمَّق، وطبقية مناطقية تُكرَّس، وكأن الشعب لا يستحق الحياة. ما ذنب هذا الشعب حتى يُدفن حيًا ؟ ما ذنبه حتى يُعامل كأنه فائض بشري لا قيمة له ؟ في الشمال سلطة غاشمة لا تعرف من الدولة إلا الجبايات، وفي الجنوب والشرق سلطة عاجزة تبيع الوهم. على الجميع أن يفهم: لا حل في اليمن ما لم تتحرك الشرعية فعليًا على الأرض. لا بيانات ولا مؤتمرات صحفية ولا استجداء للعالم سيعيد البلاد. الحل الوحيد هو أن تتحرك قوات الشرعية بريًا، وبدعم عربي صادق، لا يخضع لحسابات المصالح والابتزاز. لا خيار سوى استعادة السيطرة على كل شبر في اليمن، وإسقاط سلطة الحوثي، وتفكيك شبكات الفساد داخل الشرعية نفسها. الشعب لم يعد يحتمل. كل يوم تأخير هو خيانة جديدة. كل تهاون هو رصاصة تُطلق على قلب اليمنيين. إما أن تتحركوا… أو ترحلوا جميعًا. فالتاريخ لا يرحم، والشعب لن ينسى.