في أقصى الغرب اليمني، حيث تمتد السهول على مدّ البصر، وتغفو أشجار النخيل على وقع نسائم البحر، ترقد تهامة؛ الجوهرة التي لم تُمسح عنها غبار الإهمال منذ عقود، ولا تزال تُعامل كأنها نبتة غريبة في جسد وطن يتغنّى بالوحدة والعدالة والحقوق. تهامة ليست مجرد جغرافيا خصبة أو شريطًا ساحليًا غنيًا، بل هي قلب نابض بالحياة، والتاريخ، والثقافة، والشجاعة. لكن الواقع المرّ يقول إن تهامة، بكل عظمتها، تعيش منذ زمن طويل تحت وطأة التهميش والتمييز، وكأنها تُعاقَب على انتمائها لهذه الأرض. المواطن التهامي يُقصى في وطنه؛ محروم من أبسط حقوقه في التعليم، والصحة، والوظيفة، والتمثيل السياسي العادل. يُنظر إليه وكأنه من درجة أدنى، يُستدعى عند الحاجة، ويُقصى عند القرار. تأنقت جهات الدولة بالتنوع المناطقي في الشعارات، بينما لم تنظر لتهامة إلا كخزان بشري للفقر، أو ساحة صراع تُدار عن بُعد، أو منفذ بحري يمكن استغلاله وقت الحاجة. التعليم في تهامة مهمل، البنية التحتية مدمّرة، الخدمات الصحية منهارة، والطرق تفتقر لأدنى مقومات السلامة. وحتى الإعلام الرسمي لا يذكر تهامة إلا عند الكوارث أو في المناسبات، كأنها منطقة خارج نطاق التغطية الوطنية. أما التهامي، فيُنظر إليه وكأنه “ابن البطة السوداء” في دولة تتفاخر بتعدد ألوانها، لكنه لون لا يُحتفى به. التهامي ليس متقاعسًا، ولا غائبًا عن الوطن، بل هو مقاتل في الجبهات، ومزارع في الحقول، وصياد في البحار، وعامل في المنافي. لكنه لا يجد من يعترف بوجوده إلا عندما يُطلب منه التضحية. أما أن يُعطى فرصة القيادة، أو التمكين، أو حتى مجرد الإنصاف، فذلك مؤجّل إلى أجل غير مسمى. منذ عقود، تُعامل تهامة كمنطقة من الدرجة الثانية، يُذكر اسمها في أوقات الحاجة فقط، ثم تُركن على رفّ الإهمال بمجرد أن تنتهي المهمة. المواطن التهامي لا يزال حتى اليوم يُحارب على جبهات متعددة: جبهة الفقر، وجبهة التهميش، وجبهة الكرامة.
تهامة ليست بحاجة إلى صدقات، بل إلى عدالة. إلى رؤية وطنية تنصفها، وتعيد لها مكانتها كواحدة من أهم مناطق اليمن جغرافيًا، واقتصاديًا، وثقافيًا. فالجوهرة حين تُترك في يد فحّام لا تفقد قيمتها، لكنها تبهت وتُخدش وتُظلم. واليوم، إن لم يُكشَف الغبار عن وجه تهامة، ويُرفع الصوت لردّ اعتبارها، فسنكون شركاء في الجريمة بصمتنا. تهامة لا تطلب امتيازًا، بل تطالب بحق. تطالب أن تُعامَل كمكون أصيل في جسد الوطن، لا كذيل. فالمواطن التهامي لا يريد سوى العدالة، الكرامة، وفرصة حياة كريمة. تهامة تستحق أكثر.. تستحق أن تُعامَل كجزء حيّ من هذا الوطن، لا كمجرد هامش يُكتَب بالحبر الباهت على أطراف الخريطة. تهامة؛ الجوهرة التي لو وُضعت في موضعها الصحيح لأضاءت خارطة اليمن اقتصاديًا وثقافيًا وسياسياً وعسكرياً، لكنها بدلاً من ذلك تُترك عمدًا في يد فحّام لا يدرك قيمتها. تهامة جوهرة حقيقية، لكنّها لا تزال في يد فحّام، يكسوها السواد ويمنع عنها النور. آن الأوان أن تُسلَّم هذه الجوهرة إلى من يصونها، لا من يخدشها.