آخر تحديث :الأربعاء-30 أبريل 2025-08:03ص

المشهد في عدن اليوم

الثلاثاء - 15 أبريل 2025 - الساعة 05:23 م
عبدالكريم الدالي

بقلم: عبدالكريم الدالي
- ارشيف الكاتب


منذ العام 1967م، وإدارة عدن وأمنها بيد غير أبنائها، على عكس ما هو موجود في بقية محافظات اليمن كافة، ولذلك فإن المشهد السياسي والاقتصادي والخدمي والأمني في عدن اليوم هو انعكاس لهذا الواقع، من خلال انتشار وتجذّر وترسيخ الفوضى والفساد والبسط على الأراضي، ونهب وسرقة الحقوق والأموال العامة والخاصة تحت مظلة بيع الأوهام والتضليل السياسي والإيديولوجي المعبر عنه بشعارات كاذبة زائفة.


فهذه عدن اليوم بلا خدمات: لا تعليم، لا صحة، لا كهرباء، لا ماء، لا اتصالات، لا نظافة، ولا صحة بيئية. أصبحت مدينة ينهار فيها سعر صرف العملة المحلية أمام العملات الأجنبية، ونتج عن ذلك غلاء جنوني في الأسعار، تسبب بانتشار الجوع والفقر والمرض، وإذلال المواطن. كما أصبحت عدن اليوم وطن الانفلات الأمني والاستقواء على المواطن بالسلاح المنفلت، الذي لا يخضع للنظام والقانون، وتقييد حرية حركة المواطن بنقاط تفتيش ليس لها أي ضرورة سوى استعراض القوة.


وذلك إفراز لواقع انتشار معسكرات المليشيات المسلحة التي لا تخضع للنظام والقانون، والممولة من الخارج، وبالتالي ترسخت في عدن فوضى حمل السلاح وعسكرة الحياة المدنية، وعليه كان من الطبيعي السقوط المدوي للنظام والقانون والعدالة في المجتمع، وبدلاً من ذلك فُرضت قبضة الظلم والبغي والطغيان.


فكل ما يحدث اليوم من تصرفات شاذة وممارسات بلطجة وعنجهيات بقوة السلاح المنفلت الممول من الخارج الرافض للنظام والقانون، هو نتيجة مباشرة للمشهد السياسي والاقتصادي والأمني والخدمي القائم.


والأكيد أن القادم يحمل كارثة محققة على الجميع.


ولأجل تغيير هذا الواقع المأساوي المزري في عدن، لا بد من تسليم إدارة المدينة وحماية أمنها لأبنائها، لتعود مجددًا مدينة للمدنية والأمن والأمان والاستقرار والتطور والازدهار، وموطنًا لتعايش الأجناس والأعراق والأديان والطوائف والمذاهب تحت مظلة النظام والقانون وتطبيق العدالة، ضمن يمن اتحادي فدرالي، تُدار فيه كل محافظة من قبل أبنائها.


تذكروا كيف كانت عدن قبل العام 1967م، وكيف أصبحت بعده، حين تم استباحتها واغتصابها أرضًا وثروة، وتحويلها إلى حلبة صراع مسلح دموي مناطقي على السلطة، وفق مفهوم فوضوي بلطجي عنجهي يقول: “من سيطر على عدن حكم الجنوب”. هذا المفهوم وُلد من رحم ثقافة العنف والعنف المضاد، التي ما زالت تعشعش في رؤوس “الإخوة الأعداء”، وكانت عدن - وما زالت - (أرض، شعب، هوية) هي من يدفع الثمن.


وقد اختُطفت عدن من أبنائها في غفلة من التاريخ، بتوقيع محضر تسليم بريطانيا للسلطة للجبهة القومية، دون وجه حق، في كنيسة “الفتاة المسيحية” ببروكسل، بعدما رفضت الأمم المتحدة استضافة ذلك الاجتماع في أي مبنى تابع لها، واعتبرته اجتماعًا غير شرعي بين وفدي بريطانيا والجبهة القومية، وتصرفًا مخالفًا لقرار الأمم المتحدة بشأن استقلال مستعمرة عدن بتاريخ 9 يناير 1968م، وفق توصية لجنة تصفية الاستعمار حينها.


كان ذلك التحايل على القرار الأممي نتيجة لصراعات أجندات خارجية دولية وإقليمية، خططت لها ومولتها أجهزة الاستخبارات بهدف السيطرة على الممرات المائية وخطوط الملاحة البحرية العالمية، ولتهرب بريطانيا من التزاماتها المالية تجاه مستعمرة عدن بعد الاستقلال.


ومنذ لحظة اختطاف عدن، جرى استباحتها تحت مسمى “العاصمة”، ما نتج عنه تدمير مرتكزاتها الاقتصادية (الميناء، المطار، المصافي، المنطقة الحرة)، وإقصاء وتهميش أبنائها من مختلف الأجناس والأعراق والأديان والطوائف والمذاهب، وحرمانهم من حقوقهم السياسية والمدنية، ومن حقهم في إدارة مدينتهم، وفي السلطة المركزية، والثروة، والأرض، والسكن، والوظيفة، وقيادة المؤسسات، إلى جانب نهب ممتلكاتهم وأموالهم ومدخراتهم ومساكنهم، وفصلهم من وظائفهم، وحرمانهم من الرواتب ومكافآت نهاية الخدمة، وتشريدهم قسريًا إلى الخارج، وطمس وإنكار الهوية العدنية.


والمحصلة اليوم هي ما وصلت إليه عدن من واقع تهيمن عليه الفوضى والفساد والفشل، نتيجة تطبيق ممنهج ومدروس لاستهداف عدن (أرض، شعب، هوية)، المدينة التي كانت نموذجًا للمدنية والتطور والاستقرار والتعايش.


ومن المشهد في عدن اليوم، يتجلى بوضوح سقوط ورقة التوت، وانكشاف المستور لسلطة الأمر الواقع والمناصفة والأحزاب والمكونات السياسية في اليمن، التي سقطت جميعها في مستنقع العصبية الجهوية والمناطقية والقبلية والطائفية، ورفضت إقامة مجتمع النظام والقانون والعدالة والتعايش المدني في عدن.


عبدالكريم الدالي