ان المرحلة الحالية والقادمة بنكهة السلاطين، هي اكبر بكثير من ان تفهمها هذه الجماهير ، فهي لاتشبه ما يجري على الساحة المحلية ولا تشبه أصوات الحفاة الشعث الغبر الذين يأتون من مسافات بعيدة ، مسافات تقطع الانفاس وهم يزحفون على أمعائهم الخاوية ليهتفوا بشعارات الحرية والعدل والمساواة في ساحة العروض، ووطن يأملون مجيئه لا يشبه وطنهم . ان القادم اسواء بكثير من الماضي التعيس ، لكنه جميل للمستثمرين الجدد للسياسة بالشراكة مع القادمين من زمن الاقطاع ، الحالمين بالسلطنة، والعسكر، وكانه نسخة من حكم باب اليمن في فترة من الفترات عندما جمع المشروع الاستثماري السياسي السلاطين والمشايخ والعسكر، في قالب دكتاتوري غريب، فكانوا هم الحكام بمؤهل القبيلة والسلطنة والعسكرة، وهم الدولة والبرلمان، وهم المصرح لهم بالاستحواذ على كل شيء الى عهد قريب.
ما يظهر اليوم، ليس سوى محاولة للالتفاف على فكرة الدولة ، والعودة بالمجتمع إلى زمن الاقطاعي، حيث كانت القرارات تُصنع في مجالس الولاء، لا في مؤسسات تمثيلية حقيقية. وهذا يذكرنا بشعارات الهجوم على دولة القبيلة المتخلفة كما يصفونها، التي تنحر امام البرلمان، التي كسروا بها رؤوس الحجر والشجر ورؤوسنا في ساحة العروض بخور مكسر.
إن محاولة إحياء تلك الكيانات داخل مشروع يُفترض أن يكون وطنيًا وجامعًا، ليست فقط محاولة لتزييف الواقع، بل هو يعبر عن استمرار تحكم قيادة معاقة عقليا او عملية احتيال، واستخفاف بمن ماتوا جوعا بسبب ثورة ثورة ياجنوب منذ 2006م الى اليوم، و أيضًا لتكريس الانقسام الاجتماعي، والرجوع عن مشروع الدولة الحديثة التي قالوا إنها ستقوم على المواطنة والعدالة، التي وعدوا بها المساكين في ساحة العروض .
ان القائمين على هذا المشروع، ببساطة، قد حصل القادة فيه على اكثرممال كانوا يريدون ولا يهم لديهم، الاستثمار في العمل السياسي، حتى لو كانت الصورة من الماضي البائس، فمن الممكن ان تُقدَّم بغلاف جديد، و بنفس الوجوة التي تسلقت ظهور المجتمع في ظروف غير عادية يوما ما.
في وقت تتطلع جماهير هذا التيار إلى بناء دولة حديثة تحترم وعيهم وتضحياتهم، يخرج لنا هؤلاء" بنسخة باهتة من عملية تدوير لمشروع قديم قائم على الخداع والتلميع، لا يختلف في جوهره عن "كشف آل الأحمر"، ولا علاقة له ببناء الدولة، بل مجرد تغيير للخطة بمشرفين يرتبطون بمراكز النفوذ.
ان من يروّج لهذا المجلس اليوم، لا يريد دولة، بل يريد غطاءً وهميًا لتمرير مشروع متاجرة بوطن، قائم على الإقصاء والتزييف، ويكون ارض خصبة للاستثمار السياسي بشراكة السيد الإقطاعي الذي يمتلك القدرة على تسخير الكل لمشروعه الخاص والسيطرة على المجتمع ومؤسسات الدولة المزعومة ، والتابع وهم عامة الشعب الذين يجب عليهم أن ينسوا تلك الشعارات التي صرخوا بها في ميادين الثورة من أجل الحرية والعدالة والمساواة ، والعمل فقط لما يريد سيدهم ، وعليهم ان يبقوا فيه حفاة شعث غبر وعليهم ان ينقلوا إرث العبودية الى ابنائهم ايضا .
الأخطر من ذلك، أن هذا المجلس يُعيد إنتاج نفس الأسلوب البدائي في بناء الدولة، فجعل من مجلس الشورى حظيرة كدس فيها بقايا السلاطين و المشائخ و الوجها، بمؤهل القبيلة، وعلى حساب المؤسسات الرسمية.ولم يكتفي عند هذه بل ذهب الى ابعد من ذلك بتغيير الخطة بهذه الكيانات، إنه تكرار لنمط تزييف التمثيل الشعبي عبر أدوات رمزية، في وقت يتطلب فيه بناء مؤسسات حديثة تعبّر عن إرادة الناس لا إرادة النُخب.
ان قرار العودة إلى هذه الكيانات التقليدية، الى جانب استثمار مشروع دولة لصالح قيادات خاصة، يقصد منه للالتفاف على مشروع دولة حضرموت، بسلاطين بعينهم، اما الاخرين فهم مجرد فتات، وقد يكونوا قد جيء بهم في مرحلة الدويلات من الشمال كولاة، تلك هي انتكاسة لفكرة الثورة، وانتكاسة للثقة، التي سيتولد عنها عدم الاستجابة لدعوات الخروج للتظاهر مجددا، لان الكثير قد قرأوا قصة الراعي الكذاب والذئب.
الأخطر من ذلك، أن صحاب هذه الفكرة يُعيدون إنتاج نفس الأسلوب البدائي في بناء الدولة، ذلك الذي احتوت عليه شعاراتهم، التي كانت تهاجم الشكل القبلي في دولة صنعا، تلك الشعارات التي سقط تحتها آلاف الشباب بسبب حماس شعار الدولة الحديثة.
العودة إلى هذه الكيانات التقليدية تحت مسميات عصرية، هي انتكاسة فكرية تعيد المجتمع إلى مربعات التخلف السياسي والاجتماعي، حيث تُختزل الدولة في مجموعة من الشخصيات الجديدة التي ستعقد شراكة استثمار دولة مع من تصدر المشهد على حساب الجماهير.
إن محاولة إحياء هذه الكيانات داخل مشروع يُفترض أن يكون وطنيًا وجامعًا، ليست فقط محاولة لتزييف الواقع، بل أيضًا لتكريس الانقسام الاجتماعي، وتعطيل الانتقال نحو دولة حديثة تقوم على المواطنة والعدالة.