مفهومان قد يجتمعان وهما مفترقان وقد يفترقان وهما مجتمعان .. مفهوم الوحدة في حقيقة الأمر ليس مفهوم جغرافيا ( كما يتوهمه الكثير) .. أكثر من كونه مفهوما يراد به وحدة الهوية وحدة الهدف وحدة الهموم وحدة التخطيط وحدة مصادر التلقي وحدة الاعتقاد وحدة النظر إلى مستقبل الجيل الذي يراد له العيش في أمن معيشي واستقرار في التفكير بالمستقبل المجهول والله تعالى عندما أمر بالوحدة في القرآن الكريم فقال ( واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا .. الآية) إنما أراد الاتحاد في العقيدة الصحيحة بدليل قوله بحبل الله فالاتحاد هو اتحاد العقيدة التي يبنى عليها اتحاد الهدف في تأمين رأس المال والسعي في نشر المفاهيم الصحيحة في أرجاء الدنيا بأن يقول أصحاب العقيدة الصحيحة هذه عقيدتنا وهذه مفاهيمها وهذه تطبيقاتها .. ولا يمكن أن يكون المراد بوحدة الاعتصام والنهي عن دعوة التفريق هو وحدة الجغرافيا على أسس الجشع وحب الذات والاستحواذ بما هو شائع في يد طبقة واحدة تسوم الناس سوء السياسة والتدبير والإدارة من غير ما نظر إلى مستقبل للأجيال ولا خوف من رقيب دنيوي ولا أخروي وحدة سبقتها سوء النوايا وتلاها حب السلطة والسيطرة والاجتهاد في إقصاء الآخرين فهي أقرب إلى الفرقة والتباعد منها إلى مفهوم الوحدة التي أرادتها شريعة الله سبحانه واقتنع بها العقل الصحيح ( فهذا الاتحاد الأوروبي) يضم اثنين وثلاثين دولة من أوروبا اتحدت في الهموم والسياسة الاستراتيجية والأهداف العامة للشعوبها واختلفت في الأعلام والحدود واللغات وبرامج التعليم ونظام الحكم الداخلي غير أنها مثلت أروع نموذج في القرن العشرين للوحدة وتطبيق مفاهيمها بينما نحن في عالمنا العربي فشلت جميع مشاريع الوحدة ( لا أقصد مشروعا محددا) لأن السلطات الداعية إليها نظرت إلى وحدة الجغرافيا في دولة واحدة ولم تبالي بتصرفات زرعت الأحقاد والحساسية بين أبناء العرق الواحد تصرفات انطلقت من منطلق جغرافية الدولة الواحدة ولم تتجه إلى وحدة المفاهيم والعقيدة والأهداف الكبيرة وبذلت جهودها في مشاريع قصيرة الأمد زرعت الصراعات طويلة الأمد.