آخر تحديث :السبت-03 مايو 2025-08:16ص

تهامة تحت الحصار: الحوثيون وإيران يعيدان رسم اليمن ويهددان البحر الأحمر

الأحد - 20 أبريل 2025 - الساعة 10:13 ص
عبدالجبار سلمان

بقلم: عبدالجبار سلمان
- ارشيف الكاتب


منذ انقلاب ميليشيا الحوثي على الدولة اليمنية في سبتمبر 2014، تشهد البلاد تحولات جذرية في بنيتها السياسية والاجتماعية والديموغرافية. ولكن ما يحدث في إقليم تهامة الساحلي يبرز كأخطر تجليات هذا المشروع. فهذه المنطقة، ذات الامتداد الجغرافي والاستراتيجي المطل على البحر الأحمر، تحولت إلى مختبر ميداني لتطبيق مشروع طائفي عقائدي تقوده جماعة الحوثي، بدعم مباشر وغير مسبوق من إيران.


شهدت تهامة خلال السنوات الأخيرة عمليات تهجير قسري واسعة النطاق، طالت آلاف السكان الأصليين، في ظل تصاعد سياسات الإقصاء والاستيطان الممنهج. فقد عمد الحوثيون إلى نقل أعداد كبيرة من عناصرهم وأسرهم إلى مناطق مدنية، في محاولة لإعادة تشكيل الهوية الديموغرافية والاجتماعية للإقليم، وتثبيت واقع سكاني جديد يخدم مشروعهم الطائفي. لم تقتصر هذه السياسات على تغيير السكان، بل شملت مصادرة الأراضي والممتلكات تحت ذرائع مختلفة، كـ”أملاك الدولة” و”أوقاف آل البيت”، وتوزيعها على مقاتلي الجماعة. ترافقت هذه التحركات مع فرض مناهج تعليمية طائفية، وتغيير الخطاب الديني والثقافي، في محاولات متكررة لتذويب الهوية التاريخية لتهامة، وإخضاعها لهيمنة مذهبية دخيلة.


استهدف الحوثيون بنية الدولة اليمنية على كافة المستويات. سياسياً، تم القضاء على التعددية وتحويل المؤسسات إلى أدوات ولاء للزعيم الحوثي. اجتماعياً، تم تفكيك الهياكل القبلية والمدنية واستبدالها بأذرع مسلحة تابعة للجماعة. أما اقتصادياً، فقد تم الاستيلاء على الموارد، وفرض الجبايات، وتعطيل أي نشاط تجاري مستقل، بما يكرّس تبعية اقتصادية للسكان المحليين ويجعلهم رهائن في يد الجماعة.


في تطور استراتيجي بالغ الخطورة، يبدو أن إيران قررت نقل مركز ثقل “محور المقاومة” من لبنان إلى اليمن. فبعد مقتل حسن نصر الله، تعمل طهران بجدية على تنصيب عبدالملك الحوثي كخليفة له في القيادة السياسية والروحية للمحور، وهو ما انعكس جلياً في الخطاب الحوثي الأخير، الذي يصف اليمن بأنها “قلب محور المقاومة”، ويطرح الحوثي نفسه بصفته القائد الإقليمي الجديد.

وتشير تقارير استخباراتية ودولية إلى أن إيران تضاعف استثماراتها العسكرية في جماعة الحوثي، مقارنة بما كانت تقدمه لحزب الله في ذروة قوته، حيث باتت ترسانة الحوثيين تضم صواريخ كروز، طائرات مسيّرة هجومية، وصواريخ مضادة للسفن، تطابق نسخاً إيرانية معروفة، وهي ترسانة غير موجودة أصلاً في مخازن الجيش اليمني قبل الانقلاب، كما تؤكد ذلك تقارير لجنة العقوبات الأممية. الأخطر من ذلك أن إيران لم تعد تكتفي بالدعم اللوجستي والعسكري، بل عينت شخصيات من الحرس الثوري كـ”مستشارين دبلوماسيين” وسفراء غير رسميين في صنعاء، في خطوة تعكس تحول اليمن إلى قاعدة متقدمة للمشروع الإيراني في الجزيرة العربية والقرن الأفريقي.


لم يكن اختيار اليمن عبثياً بالنسبة لإيران، فموقعه الجغرافي يمنح الحوثيين سيطرة محتملة على مضيق باب المندب، الممر البحري الحيوي الذي يربط البحر الأحمر بخليج عدن والمحيط الهندي، ويمثل شرياناً أساسياً للتجارة العالمية. هذا الموقع الاستراتيجي يُستخدم حالياً لابتزاز العالم وتهديد الملاحة الدولية، تحت غطاء شعارات “مقاومة العدوان”، بينما الهدف الحقيقي هو تحقيق الهيمنة الإيرانية على واحد من أهم الممرات البحرية في العالم.


أصبح البحر الأحمر اليوم أحد أهم ساحات الصراع بين إيران وخصومها الدوليين وخصوصاً بعد أحداث 7 أكتوبر 2023 وعملية طوفان الأقصى التي قامت بها حركة حماس احدى اعضاء محور المقاومة في قطاع غزة. الحوثيون، المدعومون مباشرة من طهران، نفذوا عشرات الهجمات على السفن التجارية، ما أدى إلى اضطراب سلاسل الإمداد العالمية وارتفاع كلفة النقل البحري، وسط مخاوف من اندلاع مواجهة أوسع.


وفي 15 مارس 2025، أعلنت الولايات المتحدة بقيادة الرئيس دونالد ترامب إطلاق حملة عسكرية واسعة ضد الحوثيين. الحملة، التي تحمل أهدافاً مركبة، تستهدف تفكيك القدرات العسكرية للجماعة، وتدمير ترسانتها من الصواريخ والطائرات المسيّرة، إلى جانب تأمين الملاحة الدولية، وضمان استمرار حركة التجارة العالمية عبر البحر الأحمر. كما تهدف هذه العملية إلى تقويض النفوذ الإيراني في المنطقة، من خلال ضرب أقوى أذرعها العسكرية خارج حدودها. ترافق هذا التصعيد مع تحركات دبلوماسية مكثفة من قبل السعودية وحلفائها، لتعزيز التحالفات البحرية، وتوسيع دائرة الضغط السياسي والعسكري على طهران.


لا تقتصر خطورة المشروع الحوثي – الإيراني على اليمن فحسب، بل تمتد إلى الأمن الإقليمي والعالمي. فاليمن بات يشكل تهديداً مباشراً لدول الخليج، وعلى رأسها السعودية، كما يمثل جسراً للتمدد الإيراني نحو القرن الأفريقي، في سياق ما يمكن وصفه بـ”تحالف الفوضى” بين الحوثيين والقاعدة وداعش وبعض الجماعات المسلحة في المنطقة.


ما يحدث في تهامة واليمن عموماً لم يعد شأناً داخلياً فحسب. بل أصبح عنصراً أساسياً في معادلة الأمن الإقليمي والدولي. فاليمن اليوم، بسبب موقعه الجغرافي المتحكم بمضيق باب المندب، بات ورقة استراتيجية خطيرة في يد إيران، تستخدمها لابتزاز العالم وتهديد المصالح الحيوية للدول الكبرى. كما أن العلاقة الوثيقة التي باتت تربط الحوثيين بجماعات متطرفة كداعش والقاعدة، تؤكد أن المشروع الحوثي لا يقوم على أيديولوجيا المقاومة كما يزعم، بل على تحالفات فوضوية تهدف إلى تدمير الدولة الوطنية وتكريس نفوذ ميليشياوي عابر للحدود.


إن ما تمارسه ميليشيا الحوثي في تهامة وفي اليمن عموماً، من تغيير ديموغرافي، وتدمير للبنية الوطنية، واستخدام للموقع الجغرافي في حروب إقليمية، يرقى إلى مستوى التهديد الاستراتيجي المتعدد الأبعاد. ولم يعد بالإمكان التعامل معه كأزمة داخلية قابلة للاحتواء، بل كملف أمن إقليمي ودولي يتطلب تحركاً شاملاً، عسكرياً ودبلوماسياً وإنسانياً. إنقاذ اليمن يبدأ من فضح هذا المشروع، ووقف سياسات الإقصاء والتجريف، ودعم الدولة الوطنية، وتأمين البحر الأحمر، باعتباره شرياناً حيوياً للتجارة العالمية، وساحة لا تحتمل العبث الإيراني – الحوثي.