تشهد البلاد أزمة مالية خانقة تعكسها تداعيات الفساد المالي الذي ينخر مفاصل الدولة، حيث أدى عدم توريد إيرادات الدولة إلى حساب الحكومة العام في البنك المركزي إلى تفاقم العجز في الموازنة العامة، مما دفع وزير المالية مضطراً إلى البحث عن قرض من صندوق النقد الدولي كحل عاجل لتغطية الالتزامات الحتمية للدولة. لكن خلف هذا القرار تكشف تحقيقات صحفية وبيانات رسمية عن جذور أعمق للأزمة *فساد مالي منهجي وتسرب الإيرادات الحكومية خارج الحساب العام في البنك المركزي* ، مما حوّل موارد الدولة إلى " *ثقب أسود* " يبتلع الأموال العامة دون رقابة.
*غياب الإيرادات يفاقم الأزمة* :
كشفت مصادر مطلعة عن حجم الخسائر الهائلة التي تتكبدها الخزينة العامة نتيجة لعدم انضباط عمليات تحصيل الإيرادات وتوريدها. فبدلاً من أن تتدفق الأموال إلى حساب الحكومة بالبنك المركزي، تجد طريقها إلى جيوب الفاسدين وشبكاتهم، مما يحرم الدولة من الموارد الحيوية اللازمة لتسيير شؤونها وتلبية احتياجات المواطنين الأساسية.
هذا التسرب المالي الهائل أدى إلى شلل في قدرة الحكومة على دفع الرواتب، وتمويل قطاعات حيوية كالتعليم والصحة، وتوفير الخدمات الضرورية للمواطنين الذين يعانون أصلًا من ظروف معيشية قاسية.
*قرض صندوق النقد الدولي: حل مؤقت وتحديات مستقبلية* :
في ظل هذا الوضع المالي الحرج، لم تجد الحكومة بدًا من البحث عن حلول خارجية، وكان صندوق النقد الدولي هو الوجهة الأبرز. وبينما يمثل القرض المحتمل طوق نجاة مؤقتًا للحكومة لتمكينها من الوفاء بالتزاماتها العاجلة، إلا أنه يثير العديد من المخاوف والقلق لدى الأوساط الاقتصادية والشعبية.
فالاقتراض من صندوق النقد الدولي غالبًا ما يكون مصحوبًا بشروط وإصلاحات اقتصادية قد تكون لها تداعيات اجتماعية واقتصادية على المدى الطويل. يخشى الكثيرون من أن تؤدي هذه الشروط إلى مزيد من الضغوط على المواطنين وتفاقم الأوضاع المعيشية الصعبة.
*دعوات لمكافحة الفساد واستعادة الشفافية* :
يؤكد خبراء اقتصاديون على أن الحل الجذري للأزمة المالية لا يكمن في الاقتراض المستمر، بل في معالجة الأسباب الجذرية للمشكلة، وفي مقدمتها مكافحة الفساد المالي بكل صرامة.
إن استعادة هيبة القانون وتفعيل آليات الرقابة والمحاسبة، بالإضافة إلى ضمان توريد جميع الإيرادات الحكومية إلى القنوات الرسمية، هي خطوات أساسية نحو تحقيق الاستقرار المالي والاقتصادي المستدام.
*تطلعات نحو مستقبل أفضل* :
يبقى الأمل معلقًا على قدرة الحكومة على اتخاذ إجراءات عن حاسمة وجادة لمكافحة الفساد واستعادة الشفافية والنزاهة في إدارة المال العام. فبدون ذلك، ستبقى البلاد تدور في حلقة مفرغة من الأزمات الاقتصادية والاعتماد على الدعم الخارجي، مما يعيق أي تقدم حقيقي نحو التنمية والازدهار. إن مستقبل اليمن الاقتصادي مرهون بمدى قدرة قادته على مواجهة هذا التحدي المصيري.
*الخاتمة: بين مطرقة الديون وسندان الفساد* :
الأزمة الحالية ليست اقتصادية فحسب، بل هي اختبار لمصداقية النظام السياسي وقدرته على كسر حلقة الفساد. القرض الدولي قد يُطفئ النار اليوم، وسوف يكون تبعيات هذا القرض تحدياً صعباً للأجيال القادمة، لكن دون إصلاح جذري، ستظل جذوة الأزمة مشتعلة تحت الرماد، لتندلع مجدداً بأشدّ ضراوة.
بقلم المحاسب القانوني معاذ عبدالواحد الصبري
نقيب المحاسبين- رئيس مركز المستشارين اليمنيين