آخر تحديث :الأربعاء-30 أبريل 2025-02:09ص

حكايتي مع صورة الاربعة الأماجد

الإثنين - 28 أبريل 2025 - الساعة 12:26 م
الشيخ ناصر عبدالله المنصري

بقلم: الشيخ ناصر عبدالله المنصري
- ارشيف الكاتب


بعد أحداث يناير 1986م، شاع بين الناس لقب "الأربعة الأماجد"، وارتبطت صورتهم بوجدان كثيرين.

أتذكر قصة عشتها عام 1987م أثناء دراستي بالمدرسة الصناعية بالكود، حيث كنا مجموعة من الطلاب نسكن القسم الداخلي، أغلبنا من مناطق خنفر كباتيس والرواء والحصن، وبعض الزملاء كانوا من المديريات الوسطى وشبوة.


بعد أحداث 1986م، كان الوضع متوتراً، وبدأت الانقسامات تدب بين الطلاب في المعاهد والجامعات، حيث حدث فرز مناطقي مؤلم. وكان سكان أبين يُتهمون بأنهم من "الزمرة"، وأصبح لزاماً علينا أن نثبت براءتنا ليس بالكلام فقط، بل بالفعل والسلوك.


ولأننا كنا نخشى أن تُلصق بنا تهمة الزمرة، فكّرنا بوضع صورة الأربعة الأماجد على باب غرفتنا لتكون درعاً يحمينا من التصنيفات الجاهزة. كانت الصورة تملأ واجهة الباب، ننام ونصحو على وجوههم، نستمد منهم نوعاً من الطمأنينة.


ذات يوم، عدنا من المدرسة لنجد الصورة ممزقة إلى نصفين. كانت صدمة مروعة، شعرنا كأن جريمة وقعت في غرفتنا، وكأن جثة مرمية هناك. وقفنا مذهولين، لا نعرف ماذا نفعل: هل نخفي الصورة؟ مستحيل، فقد تُفسر ضدنا. قررنا إبلاغ مسؤول القسم الداخلي على الفور.


اجتمع رئيس القسم ولجنته، وكلهم كانوا من منطقتنا. لكن بدلاً من أن يحلوا الإشكال، صدر القرار بطردنا فوراً من السكن! وجدنا أنفسنا مطرودين عند التاسعة مساءً، في زمن كانت المواصلات فيه نادرة، خاصة ليلاً.


وقفنا على الرصيف، تائهين، حتى مر شباب من أبناء الكود، ومن حسن الحظ كان بينهم مسؤولون أمنيون. عندما سألونا عن قصتنا وأخبرناهم بما حدث، استغربوا كثيراً وقالوا: "مش معقول!" وأصروا على إعادتنا للتحقق من الأمر.


رافقونا إلى السكن، حيث فوجئ الزملاء بنا نمشي وخلفنا ضابط وثلاثة جنود. علت همسات الاستغراب بين الطلاب: "أصحاب الرواء جابوا الشرطة!" ومشينا مشية الكبار، وقد استردينا شيئاً من هيبتنا.


استدعى الضابط رئيس اللجنة، وسأله: "لماذا طردتم هؤلاء الطلاب في هذا الوقت المتأخر؟" فتهربوا من السبب الحقيقي وقالوا إننا "مزعجون ولا نلتزم بالأنظمة". رد الضابط بانفعال: "حتى لو صح كلامكم، من أعطاكم صلاحية الطرد؟ كان يجب رفع القضية لإدارة المعهد."


وعلى الفور، أعيدنا إلى غرفتنا. دخلناها والهم يجثم فوق صدورنا: صورة الأربعة الأماجد لا تزال ممزقة معلقة على الباب. لم يغمض لنا جفن تلك الليلة، خشينا أن تُعتبر إزالتها اعترافاً بالجرم، وخشينا أن تُبقيها دليلاً علينا.


مع شروق الشمس، ذهبنا إلى المعهد، وهناك التقينا بنائب العميد مكيش، الذي شكّل لجنة من مدرسين لمعاينة الوضع. حضر الكابتن محسن ماطر أيضاً، وبعد المعاينة قال: "ما عاد تصلح، أزيلوها." وقتها فقط تنفسنا الصعداء... وكأننا دفنا جثة كانت تؤرقنا.


واليوم، وبمحض الصدفة، رأيت صورة الأربعة الأماجد، فعادت بي الذاكرة إلى تلك الأيام العصيبة، إلى الخوف والصراع والمواقف التي صاغت جزءاً من وعينا المبكر. احتفظت بالصورة هذه المرة، كذكرى شاهدة على حقبة مريرة عشناها بكل تفاصيلها.


قد تكون صورة ‏‏٦‏ أشخاص‏