آخر تحديث :السبت-18 أكتوبر 2025-12:07ص

أرواح شريرة

الثلاثاء - 29 أبريل 2025 - الساعة 09:40 ص
حسين سالم العولقي

بقلم: حسين سالم العولقي
- ارشيف الكاتب


مررتُ مؤخرًا بضائقة مالية قاسية، وأزمة اقتصادية خانقة، وحالة يأس جعلتني أنعزل عن الناس، وأرتمي بأحضان كمبيوتري . كنت أتنقل بين الأخبار، البرامج التعليمية، والمسلسلات. ولأننا مجتمع يعشق “التفسير الغيبي” لكل شيء، تسربت حالتي للقرية بسرعة تفوق سرعة الصوت (وهي معجزة بحد ذاتها)، وأصبح مجرد ابتسامتي “دليلًا قاطعًا” على أنني مسكون بجن عتيق!

تطوع الأصدقاء، بدافع “الحرص”، لأخذي إلى شيخ معروف. ورغم إيماني بقدرة القرآن على الشفاء، إلا أنني أشمئز من بعض المشايخ الذين يحولون الدين إلى سيرك روحاني. وقبل أن يقرأ عليّ، بدأ تحقيقًا جنائيًا في هواياتي الشخصية: ماذا تشاهد؟ ماذا تقرأ؟ كم عدد ساعات جلوسك أمام الشاشة؟

أجبته بأنني أتابع نتفلكس، أحب أفلام توم كروز وأكشن جيسون ستاثام، وأحترم عراقة عائلة أنجلينا جولي، التي أنجبت خمسة أبناء دون استشارة العفاريت! ولكن يبدو أن ذلك كان كافيًا ليصدر الحكم: أنت مسكون بجني ! (هل شاهد الجني الكثير من أفلام الأكشن مثلي؟ من يدري؟).

وهل يعقل ان يترك الجني الشحم واللحم بعالم ديزني ومارفال ويتلبس برجل بائس مثلي !

خلال “الجلسة”، أمسك بإصبعي الأوسط وعصره بعنف كما لو كان يعصر خرقة مبللة ، متجاهلًا صراخي بأن يدي على وشك الكسر. أما هو، فكان يرى في ألمي إثباتًا دامغًا على وجود الجن، نتيجة بسيطة لضغط زائد على مفصل إنسان تعيس!

في النهاية، لم أكن بحاجة إلى “رقية”، بل إلى مبلغ بسيط أتنفس به وسط أعاصير البطالة. لكن للأسف، في مجتمعنا، العجز عن تأمين أبسط مقومات الحياة لا يُفسر بالفقر ولا بسوء الإدارة، بل بعيونٍ حاسدةٍ وأرواحٍ غاضبة

نحن في بلدٌ يعيش فيه الناس بالكاد… أما الجن، فلا أظنه قادرًا على تحمل تكاليف المعيشة معنا. ومع ذلك، ما زلنا نصرّ على تعليق فشلنا على مشجب العين والحسد والمسّ الشيطاني، بينما في الدول المتقدمة إن تعطلت عن العمل، تحصل على دعم حكومي وبرنامج تأهيلي

يا سادة، نحن لا نحتاج إلى مشايخ طرد الأرواح… نحن بحاجة إلى مشايخ طرد الفساد، وشيوخ قراءة على ميزانية الدولة، ورقية شرعية على مشاريع التنمية التي لم تُولد أصلًا. والحقيقة المرة أنا لم أكن مسكونًا… كنت فقط محطّمًا، فقيرًا، عاطلًا عن العمل في وطنٍ يعاقب الطموحين بالتشخيص الروحاني. كنت أحتاج لدعم بسيط، وظيفة، فرصة… لا إلى كسر مفاصلي بطقوس لا علاقة لها بالواقع