آخر تحديث :السبت-10 مايو 2025-02:58ص

استقالة بن مبارك تفجّر التوترات

الأحد - 04 مايو 2025 - الساعة 10:42 م
م. عميد معبد

بقلم: م. عميد معبد
- ارشيف الكاتب


تتفاقم الأزمة السياسية والاقتصادية في اليمن يوماً بعد يوم، وسط عجز واضح في مؤسسات الدولة عن تقديم حلول حقيقية تنعكس على حياة المواطنين ، وفي تطور لافت اليوم السبت 3 مايو 2025م ، تقدم رئيس الوزراء الدكتور أحمد عوض بن مبارك باستقالته بعد أيام من مؤشرات وتصريحات عكست حجم التوترات داخل أروقة الحكومة والمجلس الرئاسي.


بن مبارك كان قد خرج بتصريحات علنية تحدث فيها عن الإشكاليات التي واجهته خلال فترة رئاسته للحكومة متناولاً المعوقات التي حالت دون تنفيذ سياسات إصلاحية، وعلى رأسها تفشي الفساد وغياب بيئة داعمة للإدارة الرشيدة ، إلا أن هذه التصريحات رغم أهميتها لم تكن كافية لوقف مسار سياسي بات يسير نحو تحميله مسؤولية الإخفاق العام في ظل تسريبات عن خلافات متصاعدة بينه وبين رئيس مجلس القيادة الرئاسي رشاد العليمي، وبعض أعضاء المجلس.


العليمي الذي طالما اتُهم من قبل بعض القيادات الجنوبية في المجلس بتفرده في اتخاذ القرار وعدم التشاور، استطاع هذه المرة أن يقلب الطاولة ، فمن خلال توظيف حالة التذمر العام الناتجة عن انهيار الخدمات، أقنع أعضاء من المجلس – تحديداً الجنوبيين – بأن الإخفاق الحكومي سببه الرئيسي هو رئيس الحكومة نفسه، وليس مجلس الرئاسة. هذه المفارقة لافتة إذ أن أعضاء المجلس الذين لطالما انتقدوا العليمي لتجاهله دورهم، لم يتجهوا لتبرئة بن مبارك أو الدفاع عنه، بل اتخذوا موقفاً أقرب إلى تحميله المسؤولية ولو بشكل ضمني.


وفي هذا السياق تواجه القيادات الجنوبية في المجلس الرئاسي انتقادات متزايدة من الشارع الجنوبي الذي يعتبرهم ممثلين مباشرين عنه نظراً لسيطرتهم على الأرض ونسبتهم النصفية في المجلس الرئاسي . ومع استمرار تدهور الخدمات في عدن والمناطق المحررة بدأ صمت هذه القيادات حيال الأزمات يُفهم كنوع من الهروب المؤقت من الضغوط الشعبية أو كوسيلة لتفادي الاصطدام بجمهورهم المحلي ، وفي ظل التوترات الأخيرة داخل الحكومة بات غياب موقف واضح من تلك القيادات إزاء ما يجري – بما في ذلك استقالة رئيس الحكومة – محط تساؤلات في الشارع الجنوبي الذي يراقب المشهد بحذر ويبحث عن من يتحمل المسؤولية.


التطور المفصلي تمثل في استدعاء بن مبارك إلى الرياض قبل أيام، وهي خطوة جاءت متزامنة مع تسريبات تحدثت عن ترتيبات لعزله وتعيين وزير المالية سالم بن بريك خلفاً له. هذا الاستدعاء لم يمر مرور الكرام على بن مبارك الذي فهم من توقيته ومضمونه أن إقالته باتت مسألة وقت خاصة وأنه كان الوحيد من خارج الرياض، في حين كان جميع أعضاء المجلس الرئاسي وبعض الوزراء مجتمعين هناك. وبناءً على ذلك قرر تقديم استقالته استباقاً لقرار الإقالة وتفادياً للحرج السياسي الذي قد يترتب على إقالة رسمية في ظل هذا الظرف الدقيق.


في الجانب الأوسع لا يمكن فصل ما جرى عن الدور الذي يلعبه التحالف بقيادة السعودية والإمارات، والذي ظل طوال السنوات الماضية يمسك بخيوط رئيسية في المشهد اليمني. فبينما ركزت دول التحالف على أولوياتها الأمنية والعسكرية لم تولِ نفس القدر من الاهتمام بدعم الإصلاحات الاقتصادية والإدارية في المناطق المحررة ، وقد انعكس هذا القصور في استمرار الانهيار المعيشي والخدمي، مما أضعف ثقة المواطنين بالحكومة وأعطى مساحة لتبادل الاتهامات داخل السلطة الشرعية.


الشارع بات ينظر إلى الأزمة الاقتصادية والمعيشية بوصفها نتيجة طبيعية لتحالف سياسي هش، ودعم خارجي لا يرتقي إلى مستوى التحديات الداخلية، فرغم محاولات متكررة لتمرير إصلاحات، لم تكن هناك بيئة حقيقية تضمن تنفيذها أو حمايتها من النفوذ المتضارب ، وهنا لا تبدو استقالة رئيس الحكومة نهاية لأزمة بقدر ما هي بداية لمرحلة جديدة من الأسئلة الثقيلة:

هل سيأتي البديل بحلول واقعية؟ أم أن مشهد الصراع الداخلي والتدخلات الخارجية سيظل هو العنوان الأبرز للمرحلة القادمة؟