آخر تحديث :الجمعة-09 مايو 2025-04:37م

عندما تتحول النُخب والأحزاب والتكتلات إلى أدوات قصف لا رايات تحرير

الثلاثاء - 06 مايو 2025 - الساعة 09:02 ص
مصطفى المخلافي

بقلم: مصطفى المخلافي
- ارشيف الكاتب


في قلب اليمن الجريح، حيث تتنازع الأرض مع التاريخ، وتئن المُدن من وطأة الحرب، تقف ميليشيا الحوثي كظل ثقيل فوق روح البلاد، تسعى لاجتثاث ملامح الدولة، وتمزيق نسيج الوطن الواحد. ليست مجرد جماعة متمردة، بل مشروع طويل النفس لتكريس الهيمنة، وإعادة عقارب الزمن إلى عصور الظلام تحت عباءة الدين لزرع الخراب، وتحت شعار "المسيرة"، تسير فوق جماجم الأبرياء، لا تعبأ بوطنٍ يتهاوى، ولا بشعب يفتك بهِ الجوع والقهر والنار.

فالحوثي ليس خصماً عابراً في معركة سياسية، بل خطر وجودي على فكرة اليمن ذاتها، على جمهوريتنا، وهويتنا، ومستقبل أجيالنا.


في فندقٍ فاخرٍ بالرياض، حيث السجاد الأنيق ألين من ضمائر الحاضرين، اجتمع ما يُسمى بالتكتل الوطني للأحزاب ـ أو ما تبقّى من شتاتهم، يتبادلون خُطب الولاء، وبيانات الإنقاذ، وكأنهم حماة اليمن وحراسهُ الأوفياء.


ما يُطرح في هذه النقطة هو فضيحة وطنية قبل أن يكون أمراً صادماً، أن تنقلب بعض قيادات الأحزاب والقوى السياسية من الداخل إلى أدوات بيد قوى خارجية تقصف بها مقدرات بلادها، فذلك ليس فقط خيانة، بل إعلان صارخ عن موت الضمير السياسي والقيمي. إنهم لا يشاركون في المعركة إلا عندما يحين وقت اقتسام الغنائم، ويغيبون أو يتنصلون عند أول استحقاق وطني يتطلب تضحيات، هؤلاء ليسوا شركاء في الوطن، بل سماسرة في بارات المصالح الدولية، وطالما ظلوا يُبررون عمالتهم بالشرعية أو الضرورات، فهم يوسعون فقط من فجوة الكراهية بينهم وبين الشعب الذي سيحاسبهم عاجلًا أم آجلًا، لأن الوطن لا يُبنى بالجبناء أو بالانتهازيين، بل ينهض فقط على أكتاف الأوفياء، لا من يتوسل للغريب قصف بلده ثم يطالب بالمشاركة في صنع القرار.


لكن خلف الكواليس، يهمس الحاضرون بما لا يجرؤون على كتابته في العلن، كيف نحافظ على توازن المصالح؟ كيف نبقى في واجهة المشهد؟ كيف نصوغ خطاباً يبدو وطنياً، بينما ندفع اليمن إلى متاهة جديدة من التمزق؟


إنه مشهدٌ كاريكاتوري بامتياز، أحزاب شاخت في معاركها القديمة، تتحرك كأشباحٍ خارج الزمن، تكرس خطاباً شبيهاً بخطاب الحوثي، لكن بلغة أكثر أناقة، وأقل صدقاً. فكلاهما ( التكتل والحوثي) يتحدث باسم "الوطن، وكلاهما لا يرى في اليمنيين سوى وسيلة لشرعنة مشروعه.


هم لا يجتمعون لإنقاذ اليمن، بل لإنقاذ حضورهم في معادلة سلطة لم تعد تؤمن بهم، ولا حتى تهابهم. اجتماع اليوم لم يكن لإنقاذ اليمن، ولا لرسم طريق إلى الدولة، ولا لإحياء العملية العسكرية وتفعيل دور الجبهات الذي توقف منذُ وقت طويل، بل كان اجتماعاً لأمراء الأزمات، وللمنتفعين، وهم يتقاسمون ما تبقى من الوهم، وكأن اليمن لا يكفيه بند سابع واحداً، فأرادوا اخضاعهِ لمزيد من العقوبات ومزيد من الحصار، بينما الوطن يذبل.


أي عبث هذا؟ حين يُسجل التكتل الوطني في دفاتر الخراب سطراً جديداً، ويصطف دون خجل على الضفة ذاتها التي يقف عليها الحوثي: ضفة الإطالة، والإبقاء على جراح اليمن مفتوحة، تماماً كما يفعل المرجفون حين يلعقوا دماء الضحايا لا لتشفيهم، بل لتُبقيهم على حافة الموت.


من السذاجة أن ننتظر التحرير على أيدي مستعمرين جدد يرتدون عباءة الدعم والمساندة، فالأمم لا تُحرر إلا بأدواتها الذاتية وإرادتها الحُرة، وأن الذين يعتلون مشهد "الشرعية اليوم لا يُعبّرون إلا عن فراغ شرعي وأخلاقي، إذ لم يعد يُقاس ولاء المرء لوطنه باليافطات التي يرفعها، بل بقدر ما يتحمل من أعباء التضحية والقرار الوطني المستقل، ومن لا يملك قراره، لا يمكن أن يحرر أرضه، وسيُسجلهم التاريخ لا كقادة، بل كعالةٍ سياسية على كاهل الوطن، وكحالة استعمارية بالوكالة، وإن فشلهم ليست سقطة أخلاقية، بل جريمة سياسية وإنسانية مكتملة الأركان، وسيأتي اليوم الذي تُفتح فيه دفاتر الحساب، وحينها لن يشفع لهم أحد، ولن تقبل بهم الأرض التي ساهموا في تدميرها.